منير عربش - مسؤول مشروع اليونسكو لحماية آثار الجوف: أنا ممنوع من زيارة الجوف، واليمن هو المصدِّر الأول للآثار في العالم
* الآثار اليمنية تباع في الأسواق المحلية كما يباع القات
* عصابات تهريب الآثار تسيطر على بعض أهم المدن الأثرية، وشبكة تهريب كبيرة تقوم بعقد صفقات مقاولات حفر مع الأهالي
* في شبوة وإب أيضاً.. تدمير جار لتاريخ الأولى ونهب قبور حميرية في الثانية
* الرئيس قادر على حماية بقية الآثار اليمنية من الزوال.. نطالبه بالتدخل العاجل لإيقاف الكارثة
* هل سمعتم من قبل بأناس يبيعون قبور أجدادهم؟
* عضو لجنة الإعلام والثقافة في البرلمان: حماية الآثار تتطلب استراتيجية وطنية وإرادة سياسية عليا"
نبيل سبيع
nabilsobeaMail
قال مؤرخ وباحث بلجيكي مهتم بتاريخ وحضارات اليمن القديم إن "الآثار اليمنية تباع في السوق المحلية كما يباع القات"، وإن "اليمن هو المصدِّر الأول للآثار في العالم". وتنادي البعثات العلمية الأجنبية والمحلية في البلاد لإيقاف عمليات التخريب والتدمير المنظمة والعشوائية التي يتعرض لها، منذ سنوات، عدد من أهم المدن الأثرية والعواصم التاريخية لحضارات اليمن القديم على أيدي عصابات تهريب الآثار. وتبذل البعثات الأثرية الفرنسية والإيطالية والألمانية والروسية جهوداً حثيثة للفت عناية الحكومة ورئيس الجمهورية شخصياً الى ما يجري في محافظتي الجوف الشمالية وشبوة الجنوبية اللتين تضمان بعض أهم المدن والعواصم التاريخية. وفي مقدمة المؤرخين والباحثين الأجانب المطالبين بإنقاذ المدن الأثرية في اليمن، يقف البلجيكي (من أصل سوري) منير عربش (49 عاماً) الذي يعمل على حضارات اليمن القديم منذ 20 عاماً وأصدر عددا من الكتب في هذا المجال.
يحاول عربش وزملاؤه تحذير "الأمة اليمنية" مما وصفه بـ"عمليات الطمس الضارية والبشعة" التي يتعرض لها تاريخها وهويتها من قبل شبكات تهريب الآثار الطليقة في المناطق التاريخية شمال وجنوب البلاد، والتي تشهد تخريباً وتدميراً للمواقع الأثرية "دون رادع". ويتساءل:" كيف تقبل الأمة اليمنية كل هذا التفريط بتاريخها وهويتها؟! هذه جريمة". وإذ أكد على أن مفتاح الحضارة العربية قبل الإسلام وبعده موجود في اليمن، اعتبر أن تفريط اليمنيين بتاريخهم "يعد تفريطاً بتاريخ وحضارة العرب ككلـ" وجريمة ضد التراث الإنساني العالمي عموما لن يغفر التاريخ للواقفين أمامها مكتوفي الأيدي.
وطالب عربش، في حديثه مع "النداء"، الرئيس علي عبدالله صالح شخصيا بالتدخل العاجل "لإيقاف هذا النزيف وإنقاذ ما تبقى ممكنا إنقاذه من المواقع الأثرية في الجوف وشبوة التي تتعرض لعمليات تخريب وتدمير واسعة ومتزايدة بشكل منظم وعشوائي". كما طالب بتحويل الجوف الى محمية وطنية أثرية. وقال: "الأمر لا يحتمل التأخير، فالتاريخ اليمني بحاجة ماسة لتدخل رئيس الجمهورية شخصياً، ولابد من تسوير المواقع الأثرية فوراً، وتوجيه وزارتي الدفاع والداخلية لحمايتها".
وفيما اعتبر أن "حماية مواقع الآثار مثل حماية الحدود، والتفريط بها كأنه تفريط بالحدود"، قال عربش:" ثقتي كبيرة بأن الرئيس سيضع حداً لهذا العبث، وهو الوحيد القادر على حماية المواقع الأثرية كما فعل مع موقع براقش حين وجه بحمايته وهناك الآن كتيبة من الجيش وعدد من أهالي الجوف يتولون حماية الموقع".
ولفت الى أن الرئيس صالح "ركز في عدة خطابات وأحاديث صحفية على ضرورة الحفاظ على المواقع الأثرية التي تشكل ركيزة من ركائز الهوية اليمنية، إلا أن ما حدث كان معاكساً تماماً"، فقد ازدادت عمليات التخريب مؤخراً في المواقع الأثرية بالجوف وشبوة.
شبكة تهريب كبيرة تعقد مقاولات حفر أثرية في الجوف
عربش، العامل ضمن فريق المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بصنعاء، تحدث حول وجود شبكة تهريب كبيرة في اليمن تستخدم بعض الأهالي في الجوف للقيام بحفريات أثرية لصالحها على نطاق واسع. وقال إن عمليات الحفر هذه "أصبحت تتم عبر صفقات مقاولات بين شبكات تهريب كبيرة وبعض أهالي الجوف"، مضيفاً: "أنا أتكلم معك الآن وهناك أناس يحفرون ويستهترون بتاريخ البلد، إنهم يشتغلون في الليل وينامون في النهار".
وحسب المؤرخ والباحث المهتم بحضارات اليمن القديمة، "فإن علماء الآثار متفقون جميعا على أن وادي الجوف يحتضن أقدم المدن في شبه جزيرة العرب وأهمها: معين، خربة همدان (الحزم)، كمنه، السوداء والبيضاء". وهذه -كما يقول عربش- هي أبرز 5 مواقع أثرية تتعرض للتدمير في الجوف. وبالرغم من أن الرئيس صالح أكد على ضرورة الحفاظ على هذه المواقع وغيرها، خلال زيارته للمحافظة قبيل الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006، إلا أن هذه المواقع تحولت الآن الى منطقة مغلقة على عصابات التهريب المنضوية في إطار شبكات منظمة وغير منظمة بعد أن منعت البعثات الأثرية اليمنية والأجنبية من دخول المحافظة لإقامة حفرياتها العلمية.
في ديسمبر 2003، كان عربش ضمن الفريق الإيطالي الفرنسي الذي نزل مع مسؤولين في الهيئة العامة للآثار الى المواقع الأثرية في الجوف. وأعد الفريق تقريرا حول التخريب الشغال في تلك المواقع وسلموه الى رئاسة الجمهورية مع رسالة موجهة للرئيس صالح طالبته بوضع حد لعمليات التخريب. الرسالة وقع عليها رؤساء جميع البعثات الأثرية الأجنبية في اليمن مع رئيس هيئة الآثار اليمنية في ذلك الوقت يوسف عبدالله. ويقول عربش إن الرئيس وجه على الفور بتسوير موقع "معين" الأثري وخُصص مبلغ لهذا. لكن توجيهات الرئيس لم تنفذ ولم يتم بناء أي سور حول الموقع "لأسباب لا نعرفها".
عام 2004، بعثت أكاديمية العلوم في باريس رسالة عبر الفاكسميل الى مكتب رئاسة الجمهورية في صنعاء. الرسالة اقترحت على الرئيس صالح إنشاء حفرية كبيرة في الجوف تحمل اسمه مقابل الحصول على إذنه لإنشاء الحفرية وتقديمه الحماية لها، مجرد الإذن والحماية لا أكثر، أما التمويل فستتكفل به البعثات الأجنبية.
الآثار تعرض للبيع في أحد أسواق صنعاء القديمة
وقال عربش إن القطع الأثرية تعرض للبيع في "سوق الملح" بصنعاء القديمة: "هناك أعمدة معابد يمنية قديمة معروضة للبيع في سوق الملح... يأتي مواطن يمني ويعرض عليك صورا فوتوغرافية مختلفة لأعمدة أثرية ضخمة وما عليك سوى الاختيار وإخراج الدولارات". وتساءل مستنكراً: "هل هناك من يتاجر بتاريخه؟ هل هناك من يتاجر بهويته؟"، مضيفاً: "الأمة التي تستهر بتاريخها مصيرها الى الزوالـ".
وفقاً لعربش، فإن "أجمل قطع الآثار اليمنية موجودة في الخارج بعد تهريبها من البلد". ويقول إن هناك مئات القطع المهمة معروضة الآن للبيع في المزادات العلنية في لندن ونيويورك، وإن أغلب هذه القطع، التي تعود الى الألف الأول قبل الميلاد، تم تهريبها مؤخرا من البلد.
في شبوة وإب أيضاً.. تدمير جار لتاريخ الأولى ونهب قبور حميرية في الثانية
المدن الأثرية في الجوف ليست وحدها التي تتعرض للتدمير والتخريب والنهب. ففي شبوة يحدث الشيء نفسه. موقع "حنو الزرير" في "وادي حريبـ" أيضاً يتعرض الآن للتدمير، وفقاً لعربش الذي تحدث عن موقع آخر يتعرض للتدمير والتخريب في المحافظة الجنوبية التاريخية هو موقع "هَجَر يَهَر" في "وادي مَرْخَة" والذي كان عاصمة دولة "أوسان".
مطلع هذا العام، تعرض موقع "السدة -العصيبية" في محافظة "إبـ" للتخريب والنهب من قبل بعض الأهالي وجنود الأمن الذين قدموا لحراسة الموقع في غياب الفريق الأثري اليمني المكلف بالعمل هناك. وقد تعرض هذا الموقع للتخريب والتدمير والنهب من قبل الأهالي وبعض جنود الحراسة. استمرت عمليات التدمير والنهب لأكثر من 24 ساعة، ونشرت صحيفة "الشارع"، حينها، بعض تفاصيل الحادث، مستندة على شريط مصور لآخر لحظات النهب. وكان الموقع يضم أول قبور ملكية، تحتوي على توابيت برونزية، عثر عليها في اليمن وتعود الى عصر الدولة الحميرية.
"السكوت عن هذا الواقع المؤلم يعني أننا موافقون على أن يفقد اليمن هويته الثقافية والحضارية في زمن العولمة"، بحسب عربش الذي اعتبر أن جميع اليمنيين، حكومة ومجتمعاً، مسؤولون عما يجري، وأن الأجيال القادمة مهددة بخسارة هويتها الثقافية والحضارية. وقال: "في المستقبل، قد لا تجد الأجيال القادمة ما يدل على الحضارة اليمنية، كما لن تجد أمامها شبكات التهريب الشغالة الآن في البلد على مدار الساعة كي تحاكمهم، لكنها ستجد حتما من تحاكمه وتدينه في هذه الجريمة، وأخشى أن تطال الإدانة جميع اليمنيين، في الحكومة والمجتمع على السواء، إذا ما استمر السكوت عما يحدث".
وأضاف: "لقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما تعرض متحف بغداد للنهب خلال الحرب في 2003. وفي اليمن التي لا تشهد حرباً كالتي شهدها العراق، يتم تخريب ونهب الآثار تحت أعيننا وبعلم الجميع رغم أنف القوانين اليمنية المتعلقة بعقوبات تخريب وتجارة وتهريب الآثار، ورغم نداءات الهيئة العامة للآثار ومنظمة اليونسكو والبعثات الأجنبية العلمية في البلد".
***
أهالي حضرموت والبيضاء وذمار متعاونون ومواقع شبوة تتعرض للتدمير
الجوف التاريخية منطقة مغلقة على عصابات تهريب الآثار فيما البعثات العلمية ممنوعة من دخولها
الى جانب عمله البحثي كمبعوث للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في اليمن، يعمل منير عربش منذ 2004 كمسؤول على مشروع حماية مواقع الجوف الأثرية الذي تشرف عليه وتدعمه منظمة اليونسكو والصندوق الاجتماعي للتنمية. لكن المفاجئ أنه لا يستطيع زيارة الجوف إلا نادراً وبدون تقديم نفسه للأهالي بصفته هذه: "أزور الجوف بصفة شخصية لأن الأهالي يرفضون أن تأتي بعثات علمية يمنية أو أجنبية للعمل بشكل رسمي في المواقع"، يقول.
آخر زيارة له للجوف كانت في أغسطس الماضي، وكان معه ممثل منظمة اليونسكو في اليمن ريمي أودوان: "زرنا موقع السوداء والتخريب شغالـ". والمفاجئ أيضاً أن هذه الزيارة، ورغم أنها تمت بعد تنسيق رفيع واتفاق مع أهالي المنطقة ومحافظ الجوف، لم تمتد في الموقع أكثر من 10 أو 15 دقيقة: "قالوا لنا خلاص يكفيكم". ويضيف: "رحنا شفنا التخريب ورجعنا". إنها مفارقة مؤلمة ومخزية للغاية أن تصبح محافظة الجوف، التي تضم مع محافظة حضرموت أقدم مدن شبه جزيرة العرب، منطقة مغلقة على عصابات التهريب بعد أن منعت البعثات العلمية الأجنبية والمحلية من دخولها.
بخلاف الجوف، فإن أهالي حضرموت يتولون حماية المواقع الأثرية ويسهلون عمل البعثات الأجنبية والمحلية. في موقع "مكينون" بوادي حضرموت تعمل البعثة الفرنسية منذ 1999 بدون مشاكل.
وفي البيضاء، تعمل البعثة الفرنسية منذ ثمانينيات القرن الماضي وتنقب في موقع "حصي العقلة" بالتعاون مع أهالي المنطقة والسلطات المحلية. ويقول عربش إن أهالي البيضاء، مثل أهالي حضرموت، يحترمون البعثات العلمية ويدعونها للعمل في مناطقهم وتحت رعايتهم. والأمر نفسه يحدث في محافظة ذمار.
"لا يعني هذا أن أهالي الجوف لا يحترمون تاريخهم أو هويتهم"، يقول. ويضيف: "لكن هناك مشكلة بينهم وبين الدولة، وهذه المشكلة تستغلها عصابات التهريب بالتواطؤ مع بعض ضعاف النفوس من الأهالي خصوصا بعد أن أصبحت تجارة الآثار مهنة مربحة".
وتأكيداً على أن مواقع الجوف يمكن حمايتها، يورد عربش عدة أمثلة أحدها من المحافظة نفسها: "في براقش تعمل البعثة الإيطالية دون مشاكل تحت حماية كتيبة عسكرية وعدد من أهالي الجوف". وفي موقع صرواح بمأرب، تعمل البعثة الألمانية للآثار منذ سنوات تحت حماية وزارة الدفاع وبالتعاون مع أهالي المنطقة. وفي موقع "تمنع" (هجر كحلان) في وادي بيحان (عاصمة مملكة قتبان) التابع لمحافظة شبوة، تعمل البعثة الفرنسية الإيطالية منذ 9 سنوات تحت حماية وزارة الدفاع وأهالي المنطقة.
وبحسب عربش، فإن المسألة ليست معقدة: "نحتاج فقط لأن يعطي رئيس الجمهورية توجيهاته لوزارتي الدفاع والداخلية لحماية الآثار كما فعل مع موقع براقش".
***
هل سمعتم من قبل بأناس يبيعون قبور أجدادهم؟
هل تعلمون أن ما ينجو من آثار الجوف ليس سوى القطع التي لا تهم عصابات التهريب؟ إذا استمعتم الى الباحث البلجيكي (من أصل سوري) منير عربش فستعرفون حجم الكارثة التي يتحدث عنها.
في 2004، جلب عربش حوالى 2000 قطعة أثرية للمتحف الوطني بصنعاء في إطار مشروع إنقاذ نفذته منظمة اليونسكو والهيئة العامة للآثار والمتاحف بالتعاون مع السلطات المحلية في الجوف. وقد تم شراء هذه القطع من عدد من أهالي الجوف الذين يقومون بحفريات عشوائية بحثا عن الذهب والحلي التاريخية والآثار المختلفة لبيعها لعصابات التهريب. وتتضمن هذه المجموعة 600 شاهد قبري ومئات النقوش المسندية والقطع الأثرية النادرة، بحسب عربش الذي ذكر أن فريق المتحف الوطني بصنعاء قام بترميم وتوثيق هذه القطع لتكون بمتناول الباحثين والمهتمين بتاريخ وحضارات اليمن القديم "كقدم حضارات بلاد الرافدين ومصر وفلسطين وسورية".
يمكن رؤية هذه القطع في المتحف الوطني بصنعاء. وقد نشرت منظمة اليونسكو والصندوق الاجتماعي للتنمية كتابا من 3 أجزاء تضم صورا وتفاصيل لهذه القطع. "مجموعة القطع الأثرية من محافظة الجوف" هو الجزء الأول وصدر في صنعاء عام 2006 بتوقيع منير عربش وريمي أودوان. وفي 2007، صدر الجزء الثاني "مجموعة القطع النقشية الأثرية من مواقع الجوف" بتوقيع منير عربش وجيريمي شيتيكات. وفي الأيام القليلة الماضية، أصدر الباحثان الأخيران مع باحث يمني هو إبراهيم عبدالله الهادي الجزء الثالث "مجموعة الشواهد القبورية من وادي الجوف".
يتضمن الجزء الأخير 437 شاهدا قبريا تم الحصول عليها من أهالي الجوف، تحتوي على أسماء ورسومات وجوه الأشخاص المدفونين منذ الألف الأول قبل الميلاد. ويقول عربش: "المؤسف أن الأهالي عثروا على هذه الشواهد خلال الحفريات العشوائية والمنظمة التي يجري خلالها تخريب المواقع الأثرية في الجوف دون رادع وتحت أعيننا جميعا". وأضاف أن الحفريات غير المشروعة "تغذي الأسواق المحلية والعربية والدولية بالقطع الأثرية النادرة التي تباع كأية سلعة تجارية".
وإلى مجموعة الشواهد القبرية المنشورة في الجزء الثالث، هناك مجموعة أخرى تتألف من 143 شاهدا نشرت في الجزء الأول، أي أن مجموع الشواهد التي تم الحصول عليها من أهالي الجوف يبلغ 580 شاهدا قبريا. وهو عدد مهول واكتشاف نادر جدا في نظر علماء الآثار وأحدهم عربش الذي استنتج من هذا العدد الكبير للشواهد "أن المخربين وضعيفي النفوس قاموا بنبش مقبرة أو مقابر بأكملها دون رادع ولم تصلنا إلا الشواهد القبورية". ويضيف: "أما الأدوات الفخارية والمومياءات والحلي التي كانت توضع في القبور فقد سرقت بالكاملـ". ولا تقتصر الكارثة على هذا إذ إن عمليات الحفر والنهب العشوائي والمنظم، التي قام بها المخربون وعصابات تهريب الآثار، قد "دمرت كليا القبور بما فيها من نظام معماري تاريخي بالغ الأهمية".
وطبقا لعربش، "فإن هذا العدد الضخم من القبوريات يدل على ضخامة الحفريات العشوائية المنظمة والتخريب والتدمير اللاواعي للمواقع الأثرية الموجودة في وادي الجوف الذي يحتضن أقدم مدن شبه جزيرة العربـ".
وتأتي أهمية مجموعة الشواهد القبورية المذكورة من أنها "تغطي حوالي 8 قرون -من القرن الثامن قبل الميلاد الى القرن الأول ق.م.". وحسب عربش، فإن "هذه المجموعة تعتبر أول شواهد قبورية متكاملة سمحت لنا بتصنيفها تاريخيا من خلال النقوش وأسلوب النحت وأعطتنا فكرة ولو جزئية عن أصل الأشخاص وطبقتهم الاجتماعية وعن نظرتهم العقائدية الى الآخرة".
في لحظة مرارة شديدة، تساءل عربش مستنكرا: "هل اليمنيون مجانين؟ هل سمعت من قبل بأن هناك أناساً يبيعون قبور ورفات أجدادهم؟".
لقد سمعنا عنهم للتو.
***
عضو لجنة الإعلام والثقافة في البرلمان عيدروس النقيب:
حماية الآثار تتطلب استراتيجية وطنية وإرادة سياسية عليا
حاولت "النداء" التواصل مع رئيس لجنة الإعلام والثقافة في البرلمان النائب أحمد الصويل للحصول على تصريح منه بشأن دور لجنته البرلمانية في هذه القضية إلا أنه لم يرد. لذا توجهت الصحيفة الى أحد أعضاء اللجنة وهو النائب عيدروس النقيب الذي قال إن المواقع الأثرية اليمنية أصبحت مباحة لعصابات التهريب، وإن حمايتها تتطلب استراتيجية وطنية وإرادة سياسية عليا.
وأضاف أن اللجنة البرلمانية المعنية بقضية الآثار ذهبت الى مأرب عام 2007 وعادت بتقرير كارثي يكشف عمليات النهب والتهريب والتجارة الواسعة بالآثار اليمنية، إضافة الى ما يطال المواقع الأثرية خلال ذلك من تخريب وتدمير.
وأفاد النقيب أن التقرير نوقش في حضور وزير الثقافة في إحدى جلسات البرلمان عامذاك. وقد خرجت الجلسة بتوصيات عديدة للحكومة حول ضرورة حماية الآثار، إلا أن توصيات ممثلي "الأمة اليمنية" لم تغادر الأوراق التي كتبت عليها، ولم تتخذ أية إجراءات أوصى بها البرلمان في هذا الخصوص حتى الآن، بحسب النقيب.
وقال النائب النقيب: "المشكلة أن الجميع غير مكترث.. يتعاملون مع الآثار وكأنها أشياء تخص موتى وليس ثروة تاريخية وحضارية لليمن واليمنيين".
هل يؤشر هذا على أن اليمن وطن ميت؟
منير عربش - مسؤول مشروع اليونسكو لحماية آثار الجوف: أنا ممنوع من زيارة الجوف، واليمن هو المصدِّر الأول للآثار في العالم
2008-10-31