إذا كانت الانتخابات النيابية هي الطريق الآمن لأي شعب من شعوب لاختيار من يحكمه، فإن خطاب الكراهية المناطقية هو أقصر الطرق للوصول إلى جحيم التجربة الرواندية، حين ذهب أكثر من مليون شخص في تصفيات عرقية كثمرة لخطاب تحريضي حقير.
ولكن إذا سدت الأبواب أمام إجراء انتخابات حرة ونزيهة يقبل بنتائجها ويدافع عن مشروعيتها الجميع، كما يبدو عليه الحال اليوم، فإن طريق السلامة يضيق لتتسع أبواب جهنم وتزدهر الأصوات النشاز والتي تعتقد أن نجاحها وبقاءها لن يكون إلا بتغذية نزعة الحقد والكراهية بين المواطنين، استنادا إلى مناطق ولادتهم، كما هو حاصل اليوم مع من يتصدرون قيادة جمعيات المتقاعدين.
عندما انطلقت حركة احتجاجات المتقاعدين العسكريين اتسعت مساحة التعاطف مع مطالب هؤلاء قبل أن تصبح دعوات إزالة نتائج حرب 94م مطلبا لقطاعات واسعة من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، وتزداد معها مساحة التأييد لتلك المطالب من مختلف المحافظات كان هناك من يعمل بجد على استثمار معانات الناس لصالح مشاريع تدميرية ستقود في النهاية إلى استنساخ التجربة الرواندية أو التصفيات التي رافقت أحداث 13 يناير عام 1986 حيث كانت المنطقة وثيقة الإدانة.
كان هناك من اعتبر أي تحرك في أي محافظة من المحافظات التي كانت تشكل الشطر الشمالي من البلاد مؤامرة مدروسة هدفها التشويه على القضية وآخر رأى في ذلك حصيلة اتفاق بين قادة المعارضة والنظام هدفه الأساسي تصوير الاحتجاجات وكأنها البحث عن "كدمة"، لا استرجاع وطن. هؤلاء لا يرون في مأساة أبناء الحديدة أو ريمة أو إب قضية تستحق أن يحتج عليها، ولكن وطنيتهم موضع اختبار ستكون حقيقة أن انضموا لدعوات الكراهية المناطقية ولهذا يحاجون الناس.
يقولون: أي وحدة يمكن الحديث عنها ولم يتظاهر أحد من "الدحابشة" دعما لمطالبنا؟! فيما الخطابات والتصريحات والمواقع الالكترونية تعج بالتحريض على هؤلاء الدحابشة المحتلين. وظهر أن خصم المتضررين من نتائج حرب 94 الكارثية هي الجغرافيا والعمال البسطاء الذين يفترشون الأرصفة بحثا عن لقمة عيش كريمة، وليس نظام الحكم الذي كان سببا في كل النتائج التي خلفتها الحرب.
الحقيقة التي لا بد أن نعترف بها هي أن أصحاب دعوات الكراهية المناطقية قد نجحوا في تعبئة الناس في المحافظات الشرقية والجنوبية ضد كل ما هو قادم من شمال البلاد أو ارتبط بأصل أو بفرع منه، وأن لوحة سيارتك هي سر التعامل معك. فمنذ أيام خلت حدث أن اصطدمت سيارة بمؤخرة باص بسبب الوقوف المفاجئ، فما كان ممن في الباص إلا أن انهالوا على الرجل بالشتم والتعريض بالتخلف والغباء قبل أن يفاجئهم السائق بأنه من منطقتهم ذاتها، وأن سيارته فقط هي التي تحمل صفة "الدحبشة "، فما كان من هؤلاء إلا أن عانقوه بحرارة ورفضوا أن يتحمل أي تبعات مالية عن الحادث.
المسالة قد لا تكون تعبيرا عن حالة عامة، لكن أي شخص بإمكانه زيارة عدن أو الضالع أو غيرها من المناطق وسيلمس بنفسه حجم تأثير هذه الدعوات على العلاقة مع الناس، أو زيارة الموقع الالكترونية المتعصبة لهذا الخطاب أو قراءة البيان الصادر عن مهرجان حبيل جبر والكلمات التي ألقيت فيه.
malghobariMail
الطريق إلى الجحيم
2008-10-16