ومن يحاسب القضاة - محمد الغباري
فيما بات مؤكداُ أن النطق بالحكم في قضية الزميل عبد الكريم الخيواني قد تأجل من اليوم إلى ما بعد أسبوع أو أسبوعين، فإن من المؤكد أيضا أن الزميل محمد المقالح لن يغادر معتقل القاضي رضوان النمر إلا متى ما شعرت قبيلة القضاة انهم قد مارسوا انتقاماً شخصياً بحقه، يشبعون من خلاله جنون العظمة الذي بات يلازم الكثير من منتسبي السلطات القضائية تحت وهم أنه لا يجوز انتقاد أو تقييم أدائهم!
ولأن حالة القضاء لدينا يعرفها الكل،وما شيوع الفساد والقتل والثارات والبسط على الأراضي إلا جزء من تجليات المشهد القضائي المخزي،فإن إصرار بعض من القضاة على الغطرسة واستغلال السلطة الممنوحة لهم قانوناً لممارسة الإذلال الشخصي وإظهار عصبية المهنة, كما هو الحال في قضية الزميل محمد المقالح الذي أنهى شهرا كاملا في المعتقل حتى يوم أمس، يستدعي منا أن نناقش من يدعون إلى منح القضاة حصانة تقيهم من المساءلة السهلة ، وجعل مخاصمتهم أو مساءلتهم عن سوء أدائهم أو سوء استغلال سلطتهم, ميسرا أمام الناس بدون تعقيد ؛ لأن هؤلاء مؤمنين على رقاب وحقوق وإذا ما تركوا لنزعاتهم الشخصية,فإن الظلم سيعم كل أرجاء الكون.
حين كان أفراد حراسة محكمة أمن الدولة يجدون في تفتيش الداخلين إلى قاعة المحكمة التي تنظر في قضية المقالح, كان هؤلاء يطلبون من القادمين إفساح الطريق أمام جابر البنا, المدان بالسجن مدة عشر سنوات, كي يدخل المحكمة مع مرافقيه الشخصيين لحضور جلسات الشعبة الاستئنافية دون أن يعكر صفو مزاجه طابور قصير للانتظار...
كان الشاب الذي يعد أحد أسباب الأزمة المتصاعدة مع الولايات المتحدة، يحتج بعنف على نفاذ بطاقات الدخول التي تمنح لرواد المحكمة وقد شاركه أحد أفراد الأمن الغضب من سوء تقدير العسكري الذي يقف خارج المبنى، قبل أن يطلب منه وبكل لطف أن يدخل المحكمة بدون بطاقة محمولاً على العين والرأس!!
هذا الشاب الذي يحمل الجنسية الأمريكية ويتهم بالانتماء لخلية إرهابية داخل الأراضي الأمريكية, كان قد حصل على أمر من القاضي بالإفراج عنه بضمانة حضوره جلسات المحكمة رغم إدانته في المحكمة الابتدائية وهو متهم بقضية جسيمة وسبق له أن فر من سجن الأمن السياسي ضمن المجموعة التي فرت قبل أكثر من عام، أي بمعنى أوضح أن إيداعه السجن مقدم على إطلاق سراحه.
ومع أني لا أحسد البنا على اللطف الذي حظي به، ولا اعتراض لدي على الطريقة التي اتبعتها المحكمة وأجهزة الأمن في التعامل معه، إلا أن من حقي وزملائي أن نستغرب من إصرار القاضي النمر على حرمان زميلنا من حقوقه المكفولة في القانون إذ أمر بتمديد حبسه احتياطيا لمدة شهر، في حين أن التهمة الموجهة إليه ليست من الجرائم الجسمية, كما أن مبررات الحبس الاحتياطي لا تتوافق مع حالته، وإذا لم يكن ما اتخذ بحق هذا الصحفي نوعا من الانتقام الشخصي وعصبية المهنة بهدف إرهاب الصحفيين ومنعهم من تناول أداء القضاة, فإننا بحاجة لتفسير مبررات القرارين.
أثق جيدا أن لا أحدا داخل جهاز القضاء أو خارجه يمتلك القدرة على إقناع الناس بأن لدينا قضاء مستقلاً ونزيهاً لأن المسؤولين بمختلف دراجاتهم يقرون بحجم الخلل القائم في أداء هذه السلطة، ولأني احد المعارضين لفكرة استقلال القضاء عن رئاسة الدولة في ظل أوضاعه الحالية فإني أعيد التأكيد هنا على أن صاحب القرار السياسي يدرك أبعاد ومخاطر القرارات التي تصدر عنه وانعكاساتها أما في حالات كثيرة فإن قرارات القضاة كانت وما زالت سببا في اتساع ظاهرة الثار وضياع الحقوق وفي هروب الاستثمارات المحلية والخارجية.
إذا لم يكن هناك تمترس خلف الحصانة القضائية، فبماذا يمكن تبرير التوجيهات المتعاقبة لخالد الماوري وكيل نيابة أمن الدولة من أجل تشديد إجراءات سجن الزميل المقالح وماذا سيقول لنا القاضي عصام السماوي والنائب العام وقد منعت الزيارة عن رجل هو أحد الشخصيات السياسية العامة، نزولا عند رغبة متشنجة لممارسة الانتقام وخلافا للقانون, مع أن التهمة الموجهة إلى زميلنا لا تعطي الماوري مثل هذه السلطة.
نحن بحاجة للمواءمة بين السلطة والمحاسبة وإذا ما ترك للقضاة أن يقدروا مصائر الناس وحرياتهم دون أن يكون هناك عقاب صارم لمن يسيء استغلال موقعه وسلطته، كما هو الحال في قضية الشاب الجبري المودع حاليا سجن الاحتياط على خلفية نزاع على ملكية قطعة أرض مع أحد قضاة محكمة أمن الدولة, فإن العودة إلى ما كان عليه الحال قبل فصل مجلس القضاء عن رئاسة الدولة, أفيد للجميع لأننا حينها سنعرف من يمتلك الحل والربط، بدلا من أن تمارس على السياسيين والصحفيين تحديداً أعمال انتقامية بالوكالة عن آخرين.
لمن يريد التأكد من أخلاق دعاة الفضيلة فعليه قراءة رد حمود هاشم الذارحي في عدد اليوم من صحيفة الأسبوع...
malghobariMail
ومن يحاسب القضاة
2008-05-22