لأنه يمتلك ذاكرة رنانة، استطاع منافسة زملائه والتفوق عليهم فصعد في العام الماضي إلى الترتيب الثالث متطلعاً إلى الأول مستقبلاً.. اليتم لم يجفف أحلام فارس
- إب - هلال الجمرة
حين أطفأ شمعته السادسة انتابت فارس رغبة جامحة في الإلتحاق بالمدرسة، لكنها سرعان ما أُجِّلت بعد أن وقف لاستقبال العزاء والمواساة في رحيل والده، الذي تركه على رأس أسرة مكونة من ستة أفراد لتدبير حالهم.
عندما انتقل الوالد إلى جوار ربه، انتقل أولاده الخمسة وزوجته إلى مكابدة حياة قاسية مليئة بالمآسي.
فتحول فارس من طفل ملهوف بالألعاب واللهو مع الصغار إلى مكافح صغير ارتسمت على ملامحه بصمة «اليتم» التي غالباً ما تجعل الطفل ينحو منحى آخر محفوفاً بالمخاطر والتشرد. إلاًّ أن ذكاء والدته وخوفها عليهم ساعد فارس في التغلب على الأوضاع المعيشية الصعبة وتحفيزه على الالتحاق بالتعليم.
مع أن فارس خسر الكثير من حياته (المرح، حنان والده..) إلا أنه يبلي بلاءً حسناً لكسب التفوق الدراسي، والذي عجز عن ذلك الكثير من الطلاب، ويبقى منافساً عنيداً لزملائة في الصف الخامس، فقد حصد في العام الماضي المركز الثالث، مخلفاً وراءه طلاباً وضعهم أفضل بكثير من حالته المأساوية.
رغم عمله المستمر في جلب المياه ومساعدة والدته في غسيل الملابس وتنظيف المنزل يبدو فارس 13 عاماً أنيقاً رزيناً معتداً بنفسه، لا يسأل الناس الرفق به.
الجمعة الماضية قطع فارس وأخوه سامي، 7 سنوات، مسافة 7 كيلو متر تقريباً للوصول إلى فرع جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية اعتادا عليها نهاية كل شهر لإستلام مساعدة شهرية يقبضانها.
يتسلم الأخوان «فارس، وسامي» معونة مالية قدرها 12000 ريال. ويقول فارس ووجهه محمرًّ خجلاً، إن أسرته عانت الكثير خلال أربع سنوات سابقة و«قبل عام نصف سمعنا» بالأعمال الخيرية التي تقدمها اللجنة «فسجلنا فيها والآن نستلم من الجمعية 6000 ريال لي ومثلها لأخي». يسكن فارس وأسرته في مسكن قديم في قرية العجابي مديرية بعدان محافظة إب محاطاً بقصور ضخمة يمتلكها مغتربون وتًّجار.
عانت ام فارس كثيراً لأجل أطفالها، غير أن كفالة الجمعية ازاحت عنها حملاً كبيراً.فإلى جانب المساعدة الشهرية تتكفل الجمعية بالمستلزمات المدرسية وأحياناً المواد الغذائية والأضحية، وهذا مما خلق حافزاً قوياً لدى الأم بأن «الخيرلا يزال موجوداً».
لم يكن والد فارس تاجراً أو موظفاً حكومياً، لكنه كان «طالب الله يشتغل مع الناس» حسبما يقول فارس.
يخبئ فارس طموحاً ليس من الصعب تحقيقه لو استمر على هذه الوتيرة من الاجتهاد والتفوق، في أن يصبح دكتوراً لأن يجني المال فقط، بل يداوي الأيتام والمحتاجين. أما سامي فقد فضل الصمت على أن يطمح في بلدٍ لا يأبه لذلك.
فارس وأخوه ليسا الوحيدان اللذين تكفلهما الجمعية، فهناك عشرات الأسر تستفيد من هذه الأعمال والمشاريع. وثمة كثيرون لم يعد بإمكان الجمعية استيعابهم. يقول مدير الفرع هناك أن «الجمعية تأمل في كفالة الكثير لو وجدت الإمكانات والدعم اللازم لأن هناك أسراً كثيرة تشكو من هذه المأساة والجوع هو من يهددها».
لأنه يمتلك ذاكرة رنانة، استطاع منافسة زملائه والتفوق عليهم فصعد في العام الماضي إلى الترتيب الثالث متطلعاً إلى الأول مستقبلاً.. اليتم لم يجفف أحلام فارس
2008-02-28