لأسباب مختلفة باتت قضية «حافظ» عالقة وسط غرفة ضيقة بإدارة أمن مديرية جبل الشرق لمدة شهرين ونصف.
مطلع الاسبوع الماضي كان الفتى يرافق قضيته إلى النيابة، بعد 25 وعداً تلقاها من مدير الأمن لإرسال القضية، بيد انه سيختم الموعد ال30 الاثنين المقبل.
ومع حلول آخر أسبوع من نوفمبر الفائت، كان حافظ في مزاج سيئ عندما أطلق عليه أربعة مسلحين من أبناء قرية «الحويدين» عدة أعيرة نارية كادت أن ترديه صريعاً، أثناء عودته وعمته من زيارة أسرية في القرية نفسها (مسقط رأس حماته)، لكنه تمالك نفسه، و كان مجرداً من السلاح أيضاً، وانسحب بهدوء إلى إدارة الأمن بعدما تعرف على شخصيات المعتدين وأشهد عليهم أناساً رأوهم يطلقون النيران من فوق «التباب».
لم يكن الشاب الثلاثيني مستعداً للمواجهة بالطريقة التقليدية، فسلك اتجاهاً معاكساً: «الأمن والقانون». «سرت بلَّغت وقالوا: خلاص جي غدوة ونسير للغرماء. وطلبوا الشهود»، مواصلاً في الشرح.
صباح الثلاثاء، اليوم التالي للحادثة. اتجه حافظ عبدالله محمد الجمرة وبرفقته جنديان من الأمن لإحضار المعتدين والشهود «روَّيت العسكر غرمائي ومسكوا واحد منهم وشليتهم إلى السوق واستأجرت لهم سيارة على حسابي»، قال.
ولسوء الحظ، لم يجد حافظ الشهود في الصباح، فاضطر إلى العودة لهم إلى القرية، وبعد أن وجد أحدهم أخذه، وفي طريقهما إلى مركز المديرية تفاجآ بـ«اثنين ملثمين خارج القرية».
كان الشاهد يعرف هذين الرجلين أنهما من أطلقا الرصاص عليه «أمس» فنبهه بعدم التوقف: «انتبه شا يصرعوك»، وفقاً لحافظ، ويقول إنهم «ضربوا عليَّ 20 طلقة دخلت ثلاث منها من الفريم الخلفي وكسرته»، يصف بصورة درامية. ما حدث قبل ذلك، قد يكون دليلاً واضحاً على تواطؤ مدير الأمن. «المجرمين ما رضي يحبسهم والشهود حبسهم بسرعة والذين أطلقوا عليه الرصاص قال: ما احبس إلا بأمر من النيابة ولا أطلق إلا بأمر»، رد المدير وفقاً لحافظ.
حين أدرك الشاب أن لا جدوى من مواصلة التسكع بين قريته وإدارة الأمن، التي تبعد 10 كيلو مترات عن القرية، وجد نفسه مضطراً إلى رفع شكواه إلى وكيل النيابة بإدارة الأمن الذي وجه أسفلها: «للإطلاع وإرسال الأوليات مع المتهمين»، 3 ديسمبر 2007، إذ وقع تحت التوجيه مدير الأمن: «استلمت الأصل». لكنه «لم يعمل للأمر أي قيمة ويتبع أوامر الشيخ ويفتجع منه الموت وكأن المدير موظف تابع للشيخ مش للدولة»، حافظ يائساً من تعنت المسؤول الأمني.
لم يُجْد أمر وكيل النيابة، فعززه حافظ بآخر في 15 ديسمبر، كان في شكواه المقدمة إلى نيابة ضوران وجبل الشرق: «إدارة الأمن في جبل الشرق يتلاعبون ولا يهتمون لقضايا المواطنين». وجه على أثرها الوكيل حازماً: «للعمل بما سبق التوجيه والضبط وعمل اللازم سريعاً»، وفقاً للشكوى - حصلت «النداء» على نسخة منها.
كانت حماسة «أبو عبدالله» للشر تشتد، فهو ما عاد باستطاعته النوم باطمئنان «كل يوم أرى في نومي أن احنا نتقاتل ونتحارب وكله بسبب مدير الأمن الذي بيربشنا بتهميشه للقضية»، مشيراً إلى الحالة التي أصبح عليها. وشكا حافظ إدارة الأمن والعاملين فيها بأنهم «ما يفعلوا للمواطن حاجة إلا بزلط والذي قضيته عادية يحبسوه على ميد يخرطوه زلط»، موضحاً أشكال الفساد المتفشي بشكل كبير جداً.
ففي العام الماضي مثلاً، حصل تبادل لإطلاق النار بين أسرتين في قرية «وعر»، استقبلتها إدارة الأمن بابتسامة عريضة، وتعاملت مع الحدث بفتور، حسب ما أكده حافظ.
واقتضب رد الفعل والأثر المصاحب قائلاً: «شاهدت الموت ما بلا ستر الباري». واصل خطاه ولم ينكر الشعور الذي خالجه: «كنت خايف يقتلوني ولا أحد داري من»، ولأنه اعتبر ذلك شروعاً في القتل؛ أبلغ الأمن بما حصل. ثم أخذوا «أقول الشاهد». «الغريم المحبوس خرج بضمانة»، مفأجاة أليمة اخبره عنها مدير الأمن بعد ساعات من الحجز.
جلس الشاب المفتول يفكر، دون أن يقطع برأي: «هل أستقضي حقي؟». فتحرك من مكانه وقد زايله غضبه من كلام المدير.
مضى أسبوع، اثنان، ثلاثة، وحافظ يتابع مجريات القضية العالقة في إدارة الأمن، ويتلطف قائلاً: «يا خبره كان احبسوني أنا وغريمي -والمدير ولا كلمة- رسلوا بنا النيابة». مغتاظاً بعدما شاهد المتهمين يتجولون في السوق بأسلحتهم. مضيفاً: «بلغتهم أن غرمائي جنب المديرية بسلاحهم وقلت للمدير شانقتتل أنا وهم»، ويرد مدير الأمن ببرود: «رح لك هذا عملنا، وبعدا لازم يكون عندك قوة تحمل خلي قلبك قوي»، حسبما تكلم حافظ.
بدا الرجل ساخطاً على المدير فتوجه إلى نائبه. «سألني: «تشتي غرماءك؟»، خلالها داعبه أمل، ما لبث أن تبدد، حينما بدأ النائب في مفاوضته «أدفع 6000 ريال. توصلنا إلى 4000 دفعتها ونفذ لي عسكر»، حافظ متنهداً على سذاجته في الموافقة على ذلك، لكنه قد يكون مكرهاً لأنه يريد المرور على القانون.
أفراد الأمن المكلفون بإيصال المتهمين، أحضروا الشهود وتركوا المطلوبين. «طلعوا لي الشهود وحبسوهم»، مستغرباً درجة الإبتذال التي آلت إليها مكاتب المديرية وإدارة الأمن.
كان سجن الأمن يحوي أعداداً من السجناء بجانب هؤلاء، وعندما احتج حافظ وثار جدل بينه وبين مدير الأمن انتهى إلى «إخراج المحبوسين بعد 4 أيام بضمانة». وما يزيد الطين بلة هو السبب الذي حبس لأجله الشهود. «بلغ بهم المتهم»، هكذا أجاب مسؤولو الأمن عن ذريعة احتجاز هؤلاء.
ولأن حافظ قد خسر الكثير في متابعة القضية وترك أعماله، أصر على سرد هذه الخسائر وذكر بعضاً من نعتهم بـ«فاقدي الضمير»، قائلاً: «رئيس قسم التحريات ونائب مدير الأمن في مديرية جبل الشرق، أخذوا مني الكثير، فالأول هو من أتى معي إلى النيابة لتسليم ملف القضية، وأرغمني على دفع 15 ألف ريال باطل». عندئد اتصل حافظ بالمدير الذي رد عليه: «ادي له خمسة والا سبعة، اتصرف».
وحتى كتابة الخبر وبعد أن اتصل وكيل النيابة بالمدير وطالبه بالقبض على المتهمين قهراً وإرسالهم «إلا أن هذا لم ينفذ أي أمر حتى الآن»، وفقاً لحافظ.
وقد يكون من السهل خلع المدير، لو أن تقرير الأمور يعود إلى المواطنين، إلا أن ذلك بيد المجلس المحلي في المديرية «الذي لم ولن يعمل شيئاً ولن ينتزع الثقة من أي من مدراء المكاتب في المديرية التي تعج بالفساد»، حسب ما أكد أحمد زاوية عضو المجلس المحلي بالمديرية ووافقه كثيرون.
مع هذا نعرف أن المدير هو وجه الدولة في المديرية، فإذا أنصف الناس، ارتاح واكتسب ثناء الأعلى منه، وإن أساء إلى الناس فهذا شيء آخر: إساءة إلى الدولة وإلى نفسه.
halajamrhMail
أطلقوا عليه وابلاً من الرصاص، وكان أحد الشهود قد نبهه: «أوبه شايصرعوك!». وبعد شهرين من التردد على إدارة أمن المديرية نهره المدير بشدة: «رح لك! وخلي قلبك قوي!».. عائد من الموت
2008-01-25