كل هذا الصباح.. كل هذا الحريق! - خالد سلمان
> إلى شهداء الضالع وحضرموت وعدن: "سنعطي أسماء الشوارع أسماء من لم يسيروا عليها طويلا"
هم الآن يكتبون تاريخهم دما أحمر على أسفلت أرصفة "الديس" وشوارع "الهاشمي" و"زنجبار" وتضاريس قمم الضالع, وفي كل موطئ قدم ينثرون دمهم تنبت شمس وسنبلة وخلاص. هم الآن يكتبون تاريخ وطن بقبضة مشدودة بصرخة مدوية وأغنية شجن, تاركين خلفهم أصابع القتلة ورائحة البارود والموت الاعتيادي الرخيص. شهداء الرغيف والكرامة الطليقة يكتبون الشوارع بأسمائهم، يمهرون شقشقة الفجر القادم بإبهامهم، بدمهم القدسي، يدقون مسمار نعش الحكم الأخير، ومن على مآذن البلاد وأسطح دور أمهات الرجال تنطلق مرفرفة زغاريد الشهادة، حيث الأطفال والرجال الراحلين بحراب الأوغاد، نوارس مسافرة عميقا في لحم الإرادة، بعيدا عن حبائل الخوف، عن قفازات الخنق وأسئلة الرعب الحبيس.
سنكتب الشوارع بأسماء شهدائنا الصغار والكبار، قبل أن يكملوا دورتهم في تدوين منحنيات الأزقة الضيقة. سنمنحهم مجد البقاء وشما في الذاكرة، وهم بعد لم يغسلوا عن أرواحهم دمدمة الخلاص. شهداؤنا يفخخون وَهْمَ القتلة، ينسفون مخططات الترويض على طقوس الركوع، يسقطون مخطط تحويل الجنوب إلى تهامة أخرى تبتلع أنينها وتمضي على خطى آلهة النهب والدوس على الحقوق بالرقص والهزج والغناء.
أسفلت حضرموت والضالع وعدن وأبين، يستطيل، يمد خيط دمه خارطة خروج من عنق زجاجة، من متاهة ظلم، إلى ضفاف الوطن الزاهي البديل.
أيها الشهيد: بين خيط دمك، وخراطيش رصاصاتهم، شتان، بين شهقة روحك وهي تطرق باب الله محفوفة بتسابيح ملائكة السماء، وبين بارودهم المحاصر باللعنات الساخطة الغاضبة.
شتان بين "أنت" و"هم".
"أنت" سوسنة مليونية العطر والحضور. و"هم" بقايا قاطني المسالخ. "هم" القتلة. "هم" العفن. "أنت" زهرة تنبت ألف مشتل، خيط نار يسري في عروق الناس، تبدد وحشة الخوف فيهم، جمرة صدق تبعث في الأطراف دفء الحركة، ولعن الصمت الأخرس، المراوحة وأنصاف المواقف والجمود.
"أنت" زوادة الطريق، أهزوجة الأمهات، أغانيهن في تحضير طفل الشهادة القادم. و"أنت" للرجال كبرياء مقاوم لا يموت.
معا ترحلان. "أنت" إلى سدرة المنتهى، إلى سماء الله. و"هم" القتلة إلى مشنقة تاريخ وحفرة سقوط.
سنسميك لأطفالنا، قصة تتلى على مسامعهم قبل النوم وفي الصحو وقبيل تظاهرة الفجر. وبعد الشهادة نطلقك من على القباب والأفئدة أذان طهر وصلاة محبة. نكتبك -أيها الشهيد- بيان تحرر ومنشور مواعيد مسيراتنا التالية.
سنكتب الشوارع التي لم تدغدغها بصخب الحلم. سنكتبها بأسماء كعب قدمك. ونكتب على منعطفات كل الدروب والقلوب والأزقة الضيقة:
هنا سقط الشهيد باتجاه الفضاء. وهنا أوقد أنامله باقة شمع. وهنا أشعل وجهه ليل الطغاة. كل هذا الصباح، كل هذا الحريق، ولا نامت أعين الجبناء القتلة.
[email protected]
كل هذا الصباح.. كل هذا الحريق!
2007-09-21