القبيلة من جديد في قلب صنعاء - محمد الغباري
عدا المظاهر المسلحة التي شكلت سمة بارزة للمؤتمر التأسيسي لمجلس التضامن الوطني الذي حصر التمثيل فيه على شيوخ القبائل، لم تتضح بعد مرامي هذا التجمع الذي شهدت البلاد نماذج مماثلة له إبان الصراع على السلطة في شمال اليمن منذ الستينيات وحتى الآن.
وإذا كان الحديث عن التقاء ليلي مع نجل رئيس البرلمان على خلفية خروجه من عضوية اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي الحاكم قد زاد من الحديث عن ظهور اللجان الشعبية كإطار يستطيع من خلاله النائب حسين الأحمر التعبير عن مواقفه وعن نفوذه القبلي، إلا أن عودة الود بين الشاب الطامح للزعامة والرئيس علي عبدالله صالح عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة قد رحَّل هذا المشروع، الذي تحول إلى مجلس تضامن.
المؤتمرون الذين قارب عددهم الألف مشارك، حملوا معهم آلاف المرافقين المدججين بالسلاح وفرضوا إجراءات رقابية صارمة على دخول القاعة التي احتضنت المؤتمر، إلا أن ما كان مؤكداً هو أن كل شيء كان قد أُعد سلفاً، أكان ذلك من جهة النظام الأساسي أو أسماء قيادات التجمع والهيكل الداخلي الذي جاء مطابقاً إلى حد بعيد للهيكل التنظيمي لأي من الأحزاب القائمة.
المعدون حرصوا على وجود تمثيل لعدد من المحافظات في المؤتمر إلا أن الصبغة الطاغية له كانت لقبيلة حاشد وكان للمنتين لتجمع الاصلاح حضور لافت في مواقعه القيادية، وإن ظهر محمد عبدالله القاضي كأحد الفاعلين في هذا التجمع إلى جانب موقعه القيادي في الحزب الحاكم.
كان من المفترض أن يمثل المؤتمر تظاهرة مدنية على اعتبار ان المجلس منظمة غير حكومية، لكن القائمين عليه يدركون أن الكم الهائل من المسلحين الذين انتشروا في أرجاء الفندق قد وجهوا رسالة خاطئة للداخل وللخارج ايضاً لا تتفق والمطالب التي حواها البيان الختامي الذي تحدث عن أسف المشاركين للمضايقات التي يتعرض لها الصحفيون ومطالبتهم بتعزيز دور منظمات المجتمع المدني، وبإصلاح سياسي شامل ومحاربة الفساد، واستنكارهم لما آلت إليه البلاد من أوضاع معيشية متدهورة.
المؤتمر الذي أقر أدبياته وانتخب قيادته في ظرف ساعات قليلة قال إن انعقاده جاء انطلاقاً من الحفاظ على الثوابت الوطنية وترسيخ الوحدة والولاء الوطني، وترسيخ منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشجيعاً للعادات والأعراف النبيلة؟!
وإذا ما تم التمعن في رد الرئيس علي عبدالله صالح في اليوم التالي على مضامين البيان وقوله إن الذين يتحدثون عن الفساد هم من يمارسونه ويفرضون انفسهم كشركاء للمستثمرين بحجة الحماية، يكشف عن عودة الخلاف مع النائب حسين الأحمر الذي يسعى للعب دور المدافع عن موقع عائلته في النظام السياسي بعد تزايد الحديث عن أفول هذا النفوذ بفعل الحالة الصحية التي يعيشها والده منذ نحو عام.
وهو النفوذ الذي حافظ عليه بقوة الحضور القبلي وبالقدرة على حشد الرموز القبلية في مؤتمرات مشابهة منذ حكومة المشير عبدالله السلال وانتهاءً بحكم الرئيس صالح.
وحيث إن بقية احزاب المعارضة ذات التوجهات الحداثية قد نأت بنفسها عن التجمع، فإن بقاء السلطة على الحياد، بل وتغاضيها عن تلك المظاهر التي تقلل من هيبة الدولة في قلب العاصمة، يكشف عن مدى التمييز الذي تتعامل به مع مثل هذه التجمعات؛ إذ تستنفر عند اي تحرك مماثل في المحافظات الجنوبية والشرقية، رغم حرص القائمين عليها على إظهار الطابع المدني شكلاً ومضموناً، في حين تتعامل باسترخاء مع الأولى، إن لم تدعمها.
القبيلة من جديد في قلب صنعاء
2007-08-02