17 يوليو لا يعنينا - علوي الباشا بن زبع
قرأت مقال "العدالة المغضوب عليها في 17 يوليو" للصديق العزيز سامي غالب. وأحسن أخونا سامي أو أحسنت دورة الزمن بتزامن الحدث من يوم 17 يوليو ذكرى انتخاب الأخ الرئيس في 1978 في أعقاب استشهاد الحمدي ومقتل الغشمي، مع يوم العدالة العالمي، فهي مصادفة جديرة بالتوقف عندها.
في هذا اليوم يقال الكثير مدحاً وتملقاً، أعتقد أن الأخ الرئيس في غنى عنه، خاصة و70% من هؤلاء المداحين لا يحبون الرئيس على الأقل لأنه قبيلي.
من حق الكاتب أن يتوقف عند "نبش القبور لاستدعاء الأموات لتقديم روايات عن سماحة الرئيس وانفتاحه وهرولته لنجدة المحتاجين" فالرئيس رغم ما يعرف عنه من كرم الإنفاق، إلا أن المتتبع لا يلحظ أن الرجل يملك قدراَ كبيراً من هذه السماحة والنجدة في القضايا الإنسانية المتعلقة بغير المحسوبين عليه. وحتى كثير من المحسوبين على الرئيس لا يعترفون بالجانب الإنساني في شخصية الرئيس. وكم يحتاج الرجل بعد هذا التاريخ الطويل في الحكم أن يحسن التقاط الفرص الإنسانية التي تنطبع في الذاكرة ويسجلها التاريخ الإنساني بعيداً عن حسابات السياسة التي لا قيم فيها ولا كرامة.
عمان، المدينة الجميلة في عين كل عربي، ليست مسؤولة عن التمييز العرقي والقبلي والسياسي في الأعمال الإنسانية، الذي يحكم في المواقف الرئاسية تجاه قضايا إنسانية صرفة. فهذا التمييز المسؤول عنه نحن والرئيس.
نحن المسؤولون عن هذا التمييز، لأننا لا نقول الحقيقة في وقتها، وإلا لما أصبح هذا التمييز عادة متأصلة وعبادة عند البعض.
ومسؤول عنه الرئيس بدرجة أساسية لأنه صدق من حوله فتجاهل مواقف إنسانية عدة، ما كان يجب أن يسمع فيها رأي أحد، لأن بعض من حوله لا يدركون ما يعني أن يتجاهل الرئيس كثيراً من مواطنيه لأنهم غير محسوبين على الحزب الحاكم، بينما يطيِّر آخرين إلى عواصم عربية وأوربية للفحص من تخمة في الأراضي وعلى حساب الرئاسة. وهؤلاء بعضهم لو خرج الرئيس من الحكم سيجد أنهم أرخص من نيبل العفش الذي يرمى به بعد استلام الحقائب.
يا سامي، إن 17 يوليو هذا، يوم لا يعنينا؛ لأننا لا نتذكر فيه موقفاً إنسانياً يستحق الإكبار في حق هؤلاء المساكين الذين نراهم بالعشرات في شوارع صنعاء والعواصم العربية يتحركون ببطء، مثقلين بأمراض السرطان والفشل الكلوي والقلب مع ضيق ذات اليد. فكم هو محزن ما نراه من مآس إنسانية تستحق الرحمة فضلاً عن عدالة تنشدها آية الكاتب الحصيف.
الرئيس الذي نحترمه ونؤمن له بقدرات تكتيكية هائلة أمنت له البقاء في السلطة، نعترف له بإنجازات لا يمكن إنكارها. ولا أفهم كيف يستمرئ ما عليه الحال في البلاد من التمييز وغياب العدالة واستشراء ثقافة الفساد والإرهاب الفكري وتجويع المواطنين.
الرئيس بحاجة في هذه المرحلة أن يكون إنساناً قبل أن يكون حاكماً. بدونها لن يخلده التاريخ من المنظور الإنساني. ولو ظل في السلطة مائة عام فبمجرد أن يخرج من السلطة حياَ أو ميتاً لن تسمع صوتاً من هذه الأصوات المتعالية بالمديح شعراً وكتابة، سيكونون يومها مشغولين بالصراخ والتهليل في موكب الذي بعده.
اقتراح على الأخ الرئيس
أقترح عليه أن يخلد لنفسه موقفاً إنسانياً، وهو "أن يطلق يوماً وطنياً للمبدعين وصناع التاريخ الوطني من الأحياء لتكريمهم والسهر عليهم. أما الأموات فقد قضوا إلى بارئهم وهو سبحانه وتعالى أعظم وأجل من أن ينقص في ضيافته حق رفيع أو يرفع أمام عدالته قدر وضيع، فهناك ميزان الحق يحكم بالقسط والعاقبة للمتقين" على أن لا يتدخل في هذا اليوم وما ينتج عنه من مبادرات ومواقف وتكريم، نفر ممن يعرفهم فخامته، حتى لا يفسدوا هذا اليوم كما أفسدوا 17 يوليو وأفسدوا حتى 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدين.
تخيل معي يا سامي، أن التزلف هذا الذي توقفت عنده في مقالك، وصل بأحد المقربين أن يبلغ توجيهاته باسم الرئيس للبعض بأن لا يذهبوا في جنازة أحد الثوار، لأن الرئيس غير مرتاح له حسب تعبيره.
إنه أمر مخزٍ أن يصل التزلف بقائد عسكري من قبيلة مناضلة وابن أسرة عزيزة وأكاديمي متخرج من الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذا الحد الذي لا يخطر على بال الشيطان فضلاً عن الإنسان السوي، مع اعتقادي بأن الرئيس قد لا يعلم شيئا عن مثل التصرفات التي ربما أنهم يحشرونه فيها حشراً.
[email protected]
17 يوليو لا يعنينا
2007-07-25