فيصل بن شملان: لست مرشحا للجنوب والانتخابات ليست ثارات قبلية
- بدون التقليل من الحل الأمني، وبدون دعم التعليم، وبدون تفكير إداري واقتصادي، فإن فرصنا في التحسن قليلة، وفرص التخلف فينا أكثر
- النفط مورد سيادي، والحكم المحلي مشلول، وليس لدي موقف أيديولوجي من العالم
في المدرسة الوسطى في غيل باوزير، والتي تأسست في أربعينيات القرن العشرين، لا تجد صعوبة في رؤية أسماء كبار، ليس في التاريخ اليمني، بل وفي تاريخ الجزيرة والخليج. منهم فيصل بن شملان، المولود عام 1934م.
اعتمد حياة عملية مبكراً، مكنته من الجمع بين علاقات عادية بنقيضَيْ وكلاء الحرب الباردة في اليمن: الإخوان المسلمين اليمنيين، والحزب الاشتراكي اليمني. لكنه بسبب ذات المنهج لم يستطع التعايش مع الفوضى في وزارة النفط التي تولى إدارتها بعد حرب فرقاء الوحدة اليمنية.
زرته في منزل زوج ابنته في منطقة عصر، لأقضي معه ساعات العصرية في حوار أتمنى أن يجيب على الأسئلة غير المتحفزة لدى القارئ.
بقي أن أقول إنه أثناء مناقشته موقفه من المنظمات الدولية، أخرج كتبا صدرت للتو من مكتبات بريطانيا وأميركا تُنظِّر –حسب معرفتي المتواضعة- لاقتصاد يحقق "عالما ممكنا.. أفضلـ"، وهو شعار الحركة الاجتماعية، وحتى النظرية الاجتماعية التي أطلقها رئيس وزراء بريطانيا توني بلير، والمستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر.
وحينما قلت له إني قرأت ملخصا للطبعة العربية عن المؤلف النقدي للبنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة، جوزيف ستجليتز الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001، وهو أحد الكتب التي كان يقرأها قبل بدء الحوار، قال انه يفضل قراءتها بالإنجليزية. والمهم أنه أراد التأكيد على أنه يلتزم تحليلا علميا لا موقفا سياسيا.
ندع القارئ مع إجابات فيصل عثمان بن شملان، خريج الهندسة المدنية في جامعة كينجستون في بريطانيا، والذي اختاره اللقاء المشترك ضمن أربعة أسماء قدمتها الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح للمنافسة على الكرسي الأول في القصر الجمهوري في اليمن.
- «نيوزيمن» - خدمة خاصة بـ«النداء» - حوار نبيل الصوفي:
> بشكل عام، ماهو تصور بن شملان للانتخابات الرئاسية؟
- الأمر كله محكوم بالإجراءات المنصوص عليها في الدستور والقانون، وبالتالي من هذا الجانب هي محسومة: كيف يعمل الناخب؟ كيف تكون المهرجانات؟ كلها واضحة ومفروغ منها.
ويبدو لي أن هذه المرة سيكون حماس الناخب أكثر لأن هناك مرشحاً للمعارضة، لأنه في المرة الماضية حينما لم يكن هناك مرشح للمعارضة لم يشارك في الاقتراع سوى 23 %.
> لكنك في خطابك يوم إعلان ترشحك اعتبرت هذه الانتخابات نوعاً من التضحية مع أنك تتجه نحو الرئاسة وليس لخوض معركة محفوفة بالمخاطر؟
- حينما تدخل في انتخابات تنافسية فإنك تغير من حياتك اليومية، ويطلب منك استعدادات محددة. وبالنسبة لي كان الوقت قصيرا لكل ذلك. ومن هنا فأنا أعتبر القبول بالترشح، ولو متأخراَ, نوعاً من التضحية.
الشيء الآخر، هناك داع دستوري ومطلب وطني لتفعيل الديمقراطية التي أجمع عليها اليمنيون. وأنا كنت آمل أن يتقدم للترشح باسم المعارضة شخص آخر حتى لا يبقى الوضع على ماهو عليه، لكني ومن ذات المنطلق ولأنه قيل لي أن الوقت قصير ولا يمكن البحث عن خيارات مختلفة كنت اقترحتها على المعارضة، قبلت الترشح كرهاً، وهذا كله اعتبره من باب التضحية وليس لما قلته معنى آخر.
> لماذا ترى الترشح للانتخابات الرئاسية ضرورة؟
- أي دارس للحاضر سيجد أن الوضع من جميع النواحي ليس مرضياً لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية الأمنية ولا من الناحية التنموية.
في كل هذه النواحي لن نجد الوضع مريحا، وتغيير هذه الأوضاع مرهون بتغيير المنظومة السياسية، لأن النظام السياسي الموجود لدينا ليس شفافاً ولا حتى القوانين الموجودة.. إذا استعرضت الدستور من بابه الأول ستجد أن أسس الدولة –الاقتصادية، السياسية، الأمنية- شيء و الواقع شيء آخر. كما أن السلطات الموجودة في الدولة غير متناسقة.
> هل تقصد أن التشريع في اليمن لا يعالج المشكلات أم أنه لا ينطلق من رؤية واقعية تجاه المشكلات أم انه فقط مهمل؟
- في الأساس السلطات الموجودة غير متناسقة مع المهام الملقاة على الأجهزة المختلفة. هنالك تركز للسلطة بيد الرئيس الذي ليس عليه أي مسؤولية، وهذا خلل مبدئي لأن من يعرف "ألف باء" الإدارة يقول أنه لابد أن تكون السلطة متوافقة مع المسؤولية. المسؤولية الموجودة لا يقابلها سلطة. وينعكس هذا في الكثير من الاتكال، كل طبقة وكل مقطع من مقاطع الأجهزة التنفيذية يلقي بالمسؤولية على القطاع الآخر.
> هل نفهم أنكم تعبرون عن قناعة مسبقة برؤية "المشتركـ" للإصلاح السياسي والوطني حتى قبل ترشيحه لكم لرئاسة الجمهورية؟
- بكل تأكيد أن برنامجي سيكون متناسقا مع مشروع اللقاء المشترك.
> إذاً فالانتخابات الرئاسية هي أولا فرصة للترويج لمشروع "المشتركـ" وإعطائه بعداً وطنياً؟
- بالضبط، فإصلاح الوطن –أي وطن- يتم عبر تنفيذ برنامج يحمل مشروعا متفقاً عليه، يشخص المشكلات ويضع الحلول، وهذا هو برنامج اللقاء المشترك، والذي يحتاج أيضا ليكون وثيقة وطنية بدلا من كونه برنامجا حزبيا. وفي الحقيقة نريد حتى الناس الآخرين أن يدخلوا فيه، لأنه خطوط عامة في الأساس.
> لكن هناك قضايا غير واقعية، ثم إنه لم يُصَغْ عبر نقاش عريض، بل هو تصور نخبوي من بعض قيادات اللقاء المشترك، وحتى إن اتفقت حوله هذه الأحزاب فإنها لم تخدمه ثقافيا وتنظيريا لأنه يتناقض مع كثير من مكونات وتاريخ هذه الأحزاب؟
- ربما أن هناك نقاطاً تحتاج إلى مدى زمني، لكن لم يكن هناك وقت كاف لمناقشة هذه المسألة.
> مثل ماذا؟
- مثلاً: النظام البرلماني لايمكن القفز إليه قفزا، بل لا بد من التدرج حتى تتسع القناعة به أولا، ثم تهيئة الانتقال إليه حتى يؤتي الثمار المرجوة منه.
> بن شملان يأتي مرشحاً للمعارضة، مع اختلاف منهج كل منهما، هو كشخص وهي كمؤسسة، إذ لديه منهج عملَ به على مدى عقود، يختلف ومنهج المؤسسة الحزبية؟
- أنا لم أرتبط تنظيمياً بأي حزب، ولكن ربما أن هذا عيب فيَّ، أو أنك ترى أن الالتزام التنظيمي لمجرد الالتزام غير منطقي، ولكن وفي نفس الوقت، هذا يمكن أن يكون لشخص, لكن لا يمكن أن تقوم حياة سياسية إلا بأحزاب سياسية.
> أقصد إرث المؤسسة الحزبية، حتى في منهج تحليل المشكلات، الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، غلَبَة الخطاب السياسي، والتحليل بأدوات ومعطيات أيديولوجية وليست علمية، وهذا مختلف تماماً في أداء فيصل بن شملان؟
- نحن الآن أمام استحقاق انتخابي، يتطلب تنافساً، وإذا لم تجر الانتخابات التنافسية ستكون الحياة السياسية غير نشطة، وأداة هذا التنافس هي المؤسسة الحزبية، ولذا فنحن الآن معا من أجل هذا التنافس.
> بالنسبة لإرث الدولة التي تترشح لرئاستها، فقد تراكمت المشكلات بعيدا عن الإمكانات، وحصل تركيز على صناعة المشكلات أو الشكوى منها، أكثر من الانتباه للإمكانات لتجاوزها، وهذا أدى إلى ضمور الدولة اليمنية وإمكاناتها، من جهة، ومن جهة أخرى راكم خبرة الفساد وصناعة المشكلات. برأيك ماهي أبرز متطلبات الخطاب الرئاسي -وليس فقط شخص الرئيس- لتصحيح هذه المسألة؟
- الأساس في الموضوع هو النظر إلى القضايا باعتبارها مترابطة، لا يمكن فصل واحدة عن أخرى. لكن هناك ثلاث قضايا لابد من معالجتها: الوضع السياسي والوضع الاقتصادي، والوضع الأمني.
طبعا هذا الكلام كله مرتبط باستقرار واستقلالية القضاء، والفصل بين السلطات، وبتضييق الحل الأمني للمشكلات. لأن الاعتماد على الحلول الأمنية والعسكرية يُعقِِّد الأمور، فتضطر الدولة إلى زيادة المعالجات الأمنية وهذه مكلفة، وبالتالي تأخذ المال من المواقع الأخرى التي هي في أمس الحاجة إليها، كالخدمات والتعليم، وهذا الأخير يحصل على أقل بكثير مما يجب أن يحصل عليه من الميزانية العامة. وبدون تقليل الحل الأمني، وبدون دعم التعليم، وبدون تفكير إداري واقتصادي، فإن فرصنا في التحسن قليلة، ولكن فرص التخلف فينا أكثر.
> هل يمكن القول أنك تسعى لتنشط الحياة السياسية، وأن تعيد الاعتبار لقضايا التعليم والاقتصاد، أن تعيد التوازن بين المعطيات المختلفة: أمنية، إدارية، وغيرها؟
- نعم، أتمنى أن ينشغل اليمنيون كثيرا بالتفكير في حل المشكلات، وأن تنشغل السلطة بتوفير حلول غير أمنية.
أعتقد أن الاتجاه حين يذهب مباشرة إلى المعالجة الأمنية، يعقِّد المسائل، ويقلّل من حيوية المواطن نفسه، ويجعل المواطن في خوف، وبالتالي يقلل من مشاركته، لأن كل إنسان يريد أن يحافظ على نفسه، وهذه خسارة كبيرة جداً.
> ألا تخافون –إذاً- من أن منافسة المعارضة في الرئاسيات في حالة الدولة اليمنية، سيعقد الأمور ويكرِّس حضور النهج الأمني؟
- الدستور ينظم حقوق وواجبات المواطنين، وإذا قلنا ببقاء الوضع على ماهو عليه، وبعدم المنافسة، إذاً انهينا الحياة السياسية، نلغي الدستور، ونسميها مملكة.
> إذاً أنتم مطمئنون إلى أن مُلاَّك القرار السياسي في اليمن والمؤسسات الرسمية، بما فيها العسكرية، والتي شهدت نوع من تكريس معيار القرابة للرئيس في التعيين، سيلتزمون بالدستور حيال الانتخابات؟
- نحن نؤمل بالطبع. والقضية كلها نضال نحو الحق، ولا بد من أن يبذل الناس جهدهم حتى يغيروا هذا. نؤمل من هذه الأجهزة أن تسلك المسلك الذي يمليه عليها الحق الوطني والدستور.
وفي النهاية ليس أمام الناس إلا أن يناضلوا حتى يتغير الوضع، وهذا التغيير لن يحدث تلقائيا.
ومشكلة اليمن ليست الرئاسة فقط، لكنها في توجه الحكم والسلطة؛ لذا لا بد أن يتحرك الناس من أجل التغيير، لأن هذه الأوضاع ليست دستورية وليست قانونية وليست وطنية وليست دينية.
ونحن نؤمل ونتوقع أن تكون هذه الانتخابات متغيرة التوجه، نحو احترام احتياجات التداول السلمي للسلطة، وليس استغلال السلطة لتكريس الأحادية.
> في المسلك العملي، كل الدول التي حصل فيها انتخابات رئاسية كانت مكوناتها مكتملة، حيث أن الأحزاب المعارضة ليست خصماً للسلطة السياسية، لا السلطة تنظر إليها كخصم، ولا الأحزاب تعمل خارج النظام العام. في اليمن الوضع مختلف: تخوضون الانتخابات من أجل رئاسة بلاد ليس لأحزابكم كمعارضة أي علاقة معلنة وقانونية وطبيعية بأي مؤسسة من مؤسسات السلطة التنفيذية. ألا ترى في ذلك خطورة على التنافس من أجل الرئاسة، وهذا ما كانت الأحزاب تعبر عن الخوف من التنافس في ظله؟
- ربما، لكن هذا حاجز لابد من اجتيازه، وثانيا فإن البلدان الأخرى كانت في مرحلة من المراحل مثل مرحلتنا، ولم تبدأ كما هي عليه الآن.
نحن مصرون على استخدام حقنا الدستوري والقانوني، والمنافسة وبكل جد، ولايهمنا النتائج بعد ذلك.
ونجاح التداول السلمي يعتمد على كفاءة المجتمع بشكل عام، سواء أكان الحاكم أم المحكوم.
> هل تعتقد أن الأحزاب في وضع يساعدك على أن تكون هذه الرؤية هي رؤية اليمنيين، أو على الأقل رؤية تُسوَّق لليمنيين بشكل صحيح؟
- لم يكن هناك وقت كاف لمناقشة هذه الأوضاع، لكن الكلام الذي نسمع ونقرأ يبشر.
الخطوة نفسها: التفكير الايجابي، تعتبر خطوة جبارة تكشف عن شجاعة وديناميكية فكرية وسياسية عالية جداً لهذه الأحزاب.
> هناك إجماع على أن اللقاء المشترك هو الذي يجب أن تبدأ منه الحياة السياسية اليمنية، كيف يمكن استغلال هذه الانتخابات لتعميق "المشتركـ"، ومنع تحوله إلى مجرد أداة يحاول كل حزب من مكوناته استخدامه ليحافظ على ذاته بعيدا عن نقد المجتمع؟
- واقع الحياة الإنسانية ليس هكذا. الممكن الوحيد المطلوب في اللقاء المشترك، هو أن تكون هنالك أهداف وطنية عامة في الحد الأدنى، تفسح المجال لمنافسة حقيقية بينهم كلهم فيما بعد، بطريقة قانونية سليمة.
لا يمكن أن نحلم بأن اللقاء المشترك سيكون متماثلاً في الرؤى كلها، لأنه في هذه الحالة لن يكون مشتركاً.
> لكن من المهم أن كل حزب يقر -من حيث المبدأ- بحق الآخر في أن يختلف معه، ليس بسبب أنه يشاركه التحالف ولكن حتى ولو اختلفوا؟
- هذه هي الميزة في اللقاء المشترك. فهذا اللقاء كل طرف فيه يعترف للآخر بالخلاف معه في قضايا كثيرة، لكنهم متفقون على قضايا وطنية محددة، هي في الحقيقة تشكل الوعاء العام الذي يمكن كل واحد داخله أن يمارس قناعاته وإقناع الآخرين به.
مهمة اللقاء المشترك: بناء نظام يقبل كل الناس مهما اختلفوا، لكن يضع لهذا الاختلاف قواعد عامة لا تضر بالبلد، وهذه القواعد المشتركة تعطي كل واحد منهم الحق في أن يقول ما يشاء في حدود التنافس والاختلاف الطبيعي الموجود بين الناس.
> أنقل لك تساؤلا نسائيا عن رؤيتك لمشاركة المرأة في اليمن؟
- من أية ناحية؟
> كيف تنظر لعمل المرأة أو نشاطها السياسي، وما الذي ستقدمه للمرأة في برنامجك؟
- النساء مكلفات شرعاً مثل الرجال. وللقيام بهذا التكليف فإن لهن الحقوق نفسها، ما دام عليهن الواجبات نفسها. المرأة حرة مثل الرجل تماماً، لها أن تفعل ما تشاء من النواحي السياسية والتجارية والاقتصادية، ولا أري عائقاً في أن تزاول المرأة ما تشاء من حقوقها.
> ستخوض انتخابات رئاسية لأحزاب تخوض أيضا انتخابات محلية، كيف ستدار الحملة الانتخابية؟ ألا تخشون من أثر فشل التنسيق المحلي على الرئاسيات؟
- اللقاء المشترك سيكون لديه قائمة موحدة في المحليات. ومن حيث البرنامج فأعتقد أن قانون السلطة المحلية قد أفرغ ولم يعد قانون حكم محلي، لأن أي قرار يصدر من المجلس المحلي لا يكون نافذاً إلا بتوقيع المدير العام في حال المديرية أو المحافظ في حال مجلس المحافظة، وبهذا يصبح رأي شخص معين أهم من رأي أشخاص منتخبين.
عندما (47) ولم يكن هناك مجال لتفسير آخر، وصيغ القانون على خلاف الدستور، ثم عدل الدستور ليتلاءم مع القانون.
> إذا سيكون من أهدافك تعديل قانون السلطة المحلية؟
- بالتأكيد. والتعديل سيكون بما يحقق انتخاب المجالس المحلية بالكامل، ثم إبعاد المركزية المالية، بحيث يكون هناك تنافس بين المجالس المحلية في الخدمات التي تقدمها.
> هنا تنشأ مشكلة لا يلتفت لها المتحدثون عن المحلية في اليمن، وهي: الفوارق الكبيرة في الموارد المحلية، لأننا حين نقارن بين محافظتين مثل مأرب ولحج مثلا، سنجد فارقا في المصادر لصالح الأولى؟
- ما هي الوفرة الموجودة في مأرب وليست موجودة في لحج؟
> النفط.
- النفط ليس مورداً محلياً، بل هو مورد سيادي، ونحن حين نتحدث عن السلطة المحلية ومواردها في مأرب ولحج وحضرموت والحديدة، لا نتحدث عن الموارد السيادية. أنا ضد هذا الكلام، وهو لا يجوز، فهذه موارد سيادية.
صحيح هذه الأماكن التي يخرج فيها النفط تتضرر بيئياً، فيمكن القول أن يتم معالجة الأضرار البيئية، لكن لا يصح أن نخصص موارد سيادية لموقع من المواقع.
أعرف أصدقاء، وهم مهندسون زراعيون، زاروا مأرب والجوف، وقالوا لي إن إمكانيات هذه المحافظات لا تفعل مطلقا.
> لديك موقف متشدد تجاه المنظمات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. كونك مرشحاً للرئاسة، ألا ترى أن موقفك هذا قد يثير القلق لدى مؤسسات تقول إها تريد أن تساعد اليمن على حل مشكلات داخلية؟ هل تبشر بإيقاف التفاوض مع منظمة التجارة؟
- ليس لي موقف متشدد، بل لي رأي، وأنا لا أوجهه لهذه المؤسسات، بل أعتقد أننا كبلاد بحاجة لإدارة علاقتنا بشكل متوازن مع هذه المؤسسات، طالما وهدفنا المشترك هو تنمية الثروات المحلية لنا كمجتمع وشعب.
وهناك تجارب عديدة.. إنك حين تفاوض هذه المؤسسات بمنطقية وعلم، يمكنك تعديل الكثير من مواقفهم، ويتراجعون.
> إذاً ليس لديك موقف أيديولوجي؟
- لا، لا، بالعكس هم لديهم موقف أيديولوجي.
> لكن الخطاب العربي الإسلامي هو في أساسه إيديولوجي تجاه هذه المؤسسات؟
- أساسه ينبع من الهيمنة، ومن أن الخطاب الآخر مؤدلج.
> هل تعتقد أن هناك مشكلات في اليمن، إذا عالجنا جذور هذه المشكلات لن نحتاج إلى برامج مع صندوق النقد أو البنك الدولي؟
- قد نحتاج إلى قروض، لكن ستكون في أدنى الحدود، وبشروط وطنية، هم سيقبلون بها.
إدارة علاقتنا مع هذه المؤسسات مشكلة كبيرة، نحن كنا في الجنوب مثلا نحصل على قروض لا ندفع عليها فوائد إلا عند استخدامها، وإذا لم نستخدم هذه القروض لا ندفع فائدة.
الآن نحن في الجمهورية اليمنية نستلم القرض فندفع فائدة عليه كاملاً أو من بدايته ونحن لم نستخدمه.
وحين سألنا عن هذه المشكلة قالت لنا هذه المنظمات إن اليمن تحجز قروضاً ولا تستعملها. وإذا نظرت للقروض ربما ستجد أكثر من مليار دولار أمريكي قروضاً غير مستغلة. ولذا فهذا يجمد هذه الأموال حتى لو لم تستخدمها اليمن, فتلجأ هذه المنظمات للفائدة. وفي كل الأحوال يكون المواطن اليمني هو الذي يتحمل الأعباء.
ثم لدينا مشكلة أخرى تتعلق بسوء إدارة القرض، الذي يذهب لمجالات إنفاق غير ضروري، لا علاقة لها بالمشروع الأصلي، كالرواتب العالية والسيارات.
وعموما ليس لدينا مواقف مسبقة، من أحد.
> ماذا بشأن رؤيتك للعلاقات الدولية: العلاقات مع واشنطن وموضوع مكافحة الإرهاب، وكذا مع دول الخليج والسعودية؟
- هذه علاقات يحكمها تاريخ وثقافة، ولا يمكن أن تكون نظرتك للخليج أو السعودية أو غيرها من الدول العربية، هي ذاتها لأمريكا أو أوروبا.
> ماذا بشأن قضية مكافحة الإرهاب وقد كنت رئيسا للدفاع عن معتقلي جوانتانامو؟
- الإرهاب يجب أن يُعرَّف، حتى لانتعامل مع شيء غير.
> يا أستاذ هناك قوانين وقرارات دولية ومحلية صدرت للتعاطي مع هذه القضية، وارجو ألاَّ تتحدث عن حق المقاومة المشروعة في فلسطين أو غيرها، فأنا أسأل عن الإرهاب واستخدام العنف لأغراض سياسية في المجتمع المحلي أو الدولي أو في أي دولة من بريطانيا إلى أميركا وغيرها؟
- أولا نحن ضد أي خرق للقانون. وتطبيق القانون يجب ألاَّ يتم لمجرد إرضاء أميركا أو أي دولة أخرى. تطبيق القانون ضد أي مخالفة له، نعتبره واجباً وطنياً، ولمصلحة وطنية بالأساس.
> ماذا بشأن مكافحة الإرهاب والعنف؟
- لا أعتقد أن المطلوب مني أن أحدد موقفا من استعمال العنف، وتاريخي وخطابي ومواقفي دائما معروفة ضد العنف. أنا أرفض أي عنف في الداخل في أية قضية من القضايا، محرم قطعاً.
> والمصالح الدولية؟
- نعم، أي شيء خارج القانون مرفوض.
ولكن لديَّ توضيح مهم، وهو أنه حينما تنشأ مجموعة من الناس تعتقد أن الدولة تعمل شيئاً خطأ، فتخالف هذه الجماعة القانون، هذا لا يبرر للدولة أن تخالف القانون أيضا، وإلا أصبح الجميع خارج الشرعية والمشروعية.
> في كلمتك في حفل الترشح (الأحد) إشارة عابرة ولكن لافتة عن مشكلات اليمن منذ 1948، هل هي تعبير عن حاجة اليمن لبرنامج يستحضر أجواء 1948م؟
- طبعاً، أنا قلت: في 1948 بدأت اليمن تحاول أن تعيش عصرها وبأساليب العصر، لكن هناك دعوات وممارسات تعيد الجميع إلى ما قبل هذه الإرادة. ونحن لاحظنا أنه، ورغم قيام الوحدة وما حملته من خطاب وطموح، فإن السلطة عادت بعد 1994م إلى اعتماد النظام القبلي وليس القانوني. ونحن نعرف أن النظام القبلي الذي تجاوزه اليمنيون الذين كانوا يعيشون في الجنوب عاد إليهم بشكل سياسة حكومة.
قضية القات: أنا عملت إحصائية للفترة 95-2000، حسب تقارير الإحصاء، ووجدت أنه ليس صحيحاً أن القات هو المحصول الأول الذي يمكن أن يستفيد منه المزارع في 1995 كان البطاطس هو المحصول الأول، يليه البرتقال ثم القات.
على أي حال، أقول: ليس صحيحاً أن الثابت في أذهان الناس أن القات هو الأربح للمزارع، هنالك محاصيل أخرى أفيد للمزارع وأفيد للوطن وللمجتمع. ولكن كلما تقدم المجتمع قليلا أعادته السياسات الحكومية للوراء.
لهذا فقد قصدت من الحديث عن الحركة الوطنية من 1948م أن أقول إن الظروف تغيرت، وبالتالي الأدوات والوسائل تتغير. ولكن الهدف في التقدم والتحديث لايزال ينتظر اليمنيين، مع تأكيد أنه ليس مقبولاً أن نتخذ أية وسيلة للتغيير غير النضال السلمي فقط.
> لم أقصد 1948م الثورة، وإنما قصدت المنهج الإداري للحياة؟
- (ضاحكاً) وهي فرصة لتأكيد أننا مع التحول الديمقراطي وليس مع الثورة.
> فيصل بن شملان هو مرشح اللقاء المشترك، ألن تتطور الأمور في لحظة من اللحظات ليصبح بشكل ما مرشح الجنوب أو مرشح حضرموت؟
-لا.
> أتحدث عن المزاج الشعبي؟
- لقد قرأت الرسالة التي نشرها "نيوزيمن" من شخص اسمه عبده باكرمان، ومع أني لا أذكر أني قابلت شخصا بهذا الاسم، فإني أختلف معه في تسمية الانتخابات الرئاسية مسرحية، لأنني مؤمن أن التداول السلمي للسلطة هو أكبر وسيلة لحماية اليمن ووحدته.
وهذا يريد تدافع حقيقي.
وقد جاءني آخرون يقولون: إنك بترشحك تعطي شرعية للنظام. وأريد التوضيح هنا أني أشارك في انتخابات رئاسية لليمن، اليمن الذي يعاني مشكلات متشابهة، ولن يحل مشاكله إلا متحدا. وأعتقد أن مشاركتي هي لخدمة الوحدة وتنميتها. مع أني كنت اقترحت على المعارضة أن تختار مرشحا من الشمال.
> لكنك كنت عضوا في ملتقى أبناء الجنوب؟
- هذا شيء آخر، فقد حاولنا أن يكون هناك حلول جزئية لمشكلات غير سياسية، ومع ذلك أقول لك. حين راجعنا المشكلات الوظيفية مثلا، فإن كثيراً من المتقاعدين من الجنوب كان تطبيق القانون عليهم آليا هو السبب، لأن كثيراً من أبناء المحافظات الشمالية الموظفين لا يسجل في وثائقهم تاريخ ميلاد أصلا. ولهذا سعينا لحل هذه المشكلة، وإلا فمحافظة الحديدة هي أكبر المحافظات اليمنية معاناة في كثير من المجالات.
وعموما فأنا أرفض الاصطفاف في القضايا الوطنية على أساس مناطقي، وموقفي معروف أني رفضت الحمى التي عرفتها اليمن من 92 إلى 1994م من مؤتمرات ومنتديات على أسس مناطقية. وحاولنا أن يكون ملتقى أبناء الجنوب تجمعا لقضايا محددة ومن أعضاء منتخبين ضمن النظام الدستوري لليمن الموحد هم أعضاء مجلس النواب، ويراعي خصوصيات تتعلق بإدارة النشاط اليومي والمستوى الذي حققه هذا المجتمع أو ذاك في ذلك.
وقد اتصل بي أعضاء مجالس نواب من محافظة حضرموت، يطالبونني بعدم الترشح للرئاسة حتى لا تتضرر مشاريع المحافظة، ولذا ليس هناك خوف من الاصطفاف المناطقي السلبي.
> طالبت الإعلام أن يقول خيرا أو ليصمت، ولدينا حساسية من ادعاء الموضوعية التي تحول الخطاب إلى مجاملات؟
- شعاري هو "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". ولست مع تخيير الناس بين: إما الفجور وإما الكذب والمداهنة. نريد حملة انتخابية نبدأ معها عهدا يمنيا جديدا يحترم القانون والدستور ويعطي للناس المختلف أو المتفق معهم حقوقهم غير منقوصة.
> كيف تتصورن إدارة الحملة الانتخابية في مواجهة مرشح المؤتمر الشعبي العام، خاصة أنها المرة الأولى التي تشهد فيه اليمن تنافسا سلميا وسياسيا من أجل منصب الرئاسة، وهو المنصب الذي ظلت تتحكم به الحروب والصراعات العنيفة؟
- لسنا معنيين بما يقررونه خطابا لهم. أما أنا فما كنت أعترف أنه إنجاز للمؤتمر وللرئيس الحالي سأظل أعترف به، أثناء الحملة أو بعد فوزي إن شاء الله، وما أراه نقصا وخطأً سأكتفي بنقده أثناء الحملة الانتخابية، وسأعمل على تصحيحه بعد ذلك بموضوعية.
فأنا أنافس مرشح المؤتمر من أجل المستقبل، وليس ضمن صراع الماضي؛ لأن الحملة الانتخابية ليست عملية ثأرية، بل هي من أجل تصحيح مسار الحاضر والمستقبل ليحكم فيه اليمنين حياتهم وفقا للدستور والقانون، ويصلحون أوضاعهم ويبذلون كل جهدهم لتكون بلادهم موطناً صالحاً يشارك في صناعة عالم يقر بالشراكة والاحترام.
> ماذا بشأن القطاع الخاص.. أنت أقرب إليهم منك إلى الأحزاب السياسية؟
- القضية الرئيسية هي وجوب تكامل دورهم وحقوقهم وواجباتهم، فمثلما أن عليهم أن يتجاوزا حالة الضعف التي يعيشونها، وينظروا إلى اليمن كإمكانيات كبيرة يمكنها أن تسهم في الاقتصاد الإقليمي نحو مساهمة إقليمية أفضل في العالم، فعلى الدولة أن توفر لهم الأمان بدلا من ابتزازهم والضغط عليهم لمشاركتهم في حَّر مالهم، وعلى الدولة والقطاع الخاص أن يرسموا خطة للتنمية المحلية تلبي حاجات اليمنيين كشعب.
> ماذا بشأن التكنوقراط، وهم الذين ازدهرت الحياة السياسية اليمنية على حسابهم، مع أن الأحزاب اليوم وعبر ترشيحها لواحد من كبار التكنوقراط في اليمن تعلن عودتها للرشد؟
- يقال ان في كل شيء لا بد من أول مرة، وأتمنى أن نقدم، أنا والأحزاب، نموذجاً ينتصر لأهل الخبرة اليمنية، التي حين غابت في إدارة الدولة رأينا كل هذه المشكلات.
وأتذكر أننا لو كنا أخرجنا الإنجليز من مصفاة عدن في السبعينيات لفشلنا تماما، ولما قبل العالم التعامل مع مصفاة دولة تتبنى النظام الاشتراكي وليس لها قوة حضور اقتصادي لا إقليمي ولا دولي، ولكننا أبقيناهم حتى وثق الناس بنا واكتسبنا خبرة.
فيصل بن شملان: لست مرشحا للجنوب والانتخابات ليست ثارات قبلية
2006-07-06