نظم منتدى الشقائق العربي، في تجربة فريدة، فعالية دعا فيها عدداً من الناشطات والاعلاميات والكاتبات لسرد معاناتهن جراء الإقصاء والقمع الأمني والتخوين والتفكير.
صباح الخميس الماضي عاش جمهور نوعي تجارب مريرة لمجموعة من الناشطات اليمنيات. وقد تحدث في الفعالية كل من: حنان الوادعي، أروى عثمان، سامية الأغبري، هدى العطاس، عفراء حريري، رضية شمشير، نبيلة الحكيمي، وأخريات.
فيما يلي شهادات ثلاث منهن:
حنان الوادعي: خطفوني لأني ركنت سيارتي جوار سفارة إيران
في يوم السبت 17 مارس 2007 خرجت من عملي من المنظمة السويدية لرعاية الاطفال كالمعتاد الساعة الرابعة عصرا، وبعد أقل من ثلاث دقائق وبينما أنا أقود سيارتي اعترضت طريقي سيارتان، واحدة من الخلف والأخرى من الأمام وقفز منهما أكثر من خمسة رجال وامراة يرتدون ملابس مدنية وقاموا بإخراجي بالقوة من سيارتي واقتيادي إلى إحدى السيارتين بمساعدة رجال الشرطة والأمن الذين استغثت بهم دون فائدة، وبسكوت غريب من المارة والمتجمهرين حول السيارة!
الجميع يستطيع أن يتخيل شعوري وثلاثة رجال يخرجونني بالقوة من السيارة ثم يعاونهم آخرون على إدخالي سيارة أخرى وأنا لا علم لي بهويتهم: ماذا يريدون مني، إلى أين سيذهبون بي؟
بعد أن سألتهم أكثر من مرة عن هويتهم وماذا يريدون أخبروني أنهم من الامن وأني مطلوبة بسبب بلاغ مفاده أني أوقفت سيارتي إلى جانب السفارة الايرانية ودخلتها! وعندما اوضحت لهم أني أعمل بالمنظمة السويدية التي تقع بالقرب من السفارة الإيرانية وأني لم أغادرها مطلقا مدة الدوام الرسمي حتى الساعة الرابعة أكدوا كلامي وقالوا أنهم رأوني أخرج من مبنى لا علاقة له بالسفارة الايرانية وعندما سألتهم لماذا لا تطلقوني إذن، قالوا لي إنها اوامر الوكيل (يقصدون وكيل الامن السياسي)!!!
بعد ذلك قاموا باقتيادي إلى مكان اجهله. كان واضحا أنه مقر أمن أو سجن ورفضوا حتى أن يقولوا لي أين أنا حتى سمعت أحدهم يتحدث مع شخص اخر في الهاتف ويقول له أني في السجن المركزي.
وكانت تلك هي اللحظة التي انهرت فيها تماما لأني كغيري أسمع كلاما كثيرا ومخيفا عن السجن المركزي ومقر الأجهزة الأمنية ولأني تأكدت لحظتها أن ليس لديهم أي نية لإطلاقي!
بعد أن تسلمني اشخاص في السجن بدا على أحدهم أنه ضابط رغم زيه المدني رفض أن يتكلم معي وهددني أكثر من شخص أن اخرج من السيارة طوعا حتى لا يلجأوا إلى العنف!! سألتهم أكثر من مرة إذا كانوا يعلموا ما هي تهمتي؟ وكيف استلموني بدون عرضي على جهة تحقيق وصدور أمر قضائي بحبسي؟، قالوا أن لا علم لهم بطبيعة تهمتي ولماذا احضرني الامن لكنها اوامر وعليهم تنفيذها!!
ويمكرون ويمكر الله، فبينما هم يحصرون ما في السيارة لم ير أحدهم أن الضابط كان قد أعاد الهاتف إلى حقيبتي قبل قليل، فقام بوضعها على الكرسي المجاور لي بينما يتحدث إلى آخر يقوم بحصر اشياء اخرى، فالتقطت الهاتف بسرعة وفتحته ثم ضغطت على الرقم وتواصلت مع أهلي بسرعة وكلي يرتجف (خشية) أن يكتشفني أحدهم. وفعلا لمحني احدهم وقام بأخذ الهاتف مني بالقوة لكني كنت قد أعلمت أهلي عن مكاني وسبب اختطافي.
بعد حوالي ساعة ونصف (ربما أكثر) من دخولي إلى السجن قاموا بإطلاقي دون تقديم أية توضيحات أو تفسيرات..!!
إن تلك الهمجية بدءا من إخراجي من سيارتي بتلك الوحشية وحتى اقتيادي إلى السجن المركزي بدون عرضي على جهة تحقيق ومحاكمتي هي سلسلة من إنتهاكات خطيرة للقانون ولحقوقي كانسانة ومواطنة يمنية تتمتع بكل حقوقها المدنية والسياسية والاجتماعية التي كفلها لها القانون والدستور..
إن ترويعي وإرهابي بذريعة حماية الوطن هو فعل يتناقض أصلا مع حماية الوطن ويستنكره ديننا وأعرافنا ومبادئ حقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن ومن قبل هذا عهدها مع الله أن تحمي مواطنيها وتوفر لهم الامن والامان.
ليس من أجلي فقط ولكن من أجل كل امرأة يمنية، أطالب الحكومة اليمنية وعلى رأسهم رئيس الدولة بالتحقيق في هذا الموضوع وتقديم كل المتورطين في هذه الجريمة النكراء، سواء من أفراد الامن السياسي أو من عاونهم على ذلك، وتقديمهم إلى المحاكمة بمن فيهم أفراد الشرطة والامن الذين سمحوا بأن اخطف أمام اعينهم بل وبمساعدتهم دون أن يطلعوا على أي أمر خطي بتوقيفي ودون إبلاغ أي جهة بعملية الخطف/ وتعويضي عن كل الأضرار النفسية والمادية والمعنوية التي طالتني جراء هذا الانتهاك السافر.
كما أطالب منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والناشطين في مجال حقوق الإنسان وكل شخص حر وشريف أن يتحدوا في مواجهة هذه الانتهاكات الخطيرة فاليوم أنا وغدا أحدكم..
وشكرا للجميع..
حنان الوادعي
28 مارس 2007 - صنعاء، اليمن
الاسم: حنان يحيي محمد الوادعي.
الوظيفة: مسئولة برامج في المنظمة السويدية لحقوق الطفل.
المؤهل العلمي: ماجستير في حقوق الإنسان من جامعة لندن.
***
رضية شمشير: التجريد من الجنسية
الحالة الأولى:
في تمام الساعة العاشرة مساء، وبعد عودتي من زيارة للجيران، فوجئت بالأسرة تبلغني بأن هناك شخصاً يطلب حضوري إلى مبنى النيابة العامة الكائن في الشارع العام الموازي للشارع الذي أسكن فيه. استغربت من حيث أولاً: إن الأول من مايو إجازة رسمية بمناسبة عيد العمال. ثانياً: ليس هناك جنحة أو جناية مرتكبة أو شكوى من جيران لا سمح الله.
عاد الرجل برفقة شرطي بزيه الرسمي طالباً التوقيع باستلامي أمر حضور للمثول أمام النيابة العامة للتحقيق(!!) في ماذا؟ غير مذكور في الاستدعاء. أبلغته أولاً بأن تصرف النيابة العامة غير قانوني، حيث أن الإستدعاءات أو المثول أمام أية جهة يجب أن تسلم وتبلغ للشخص المعني قبل الساعة 6:00 مساءً لحرمة المنازل ولعدم انتهاك حقوق الساكنين (الإزعاج.. القلق.. ردود الأفعال للأطفال من حيث الخوف وكانت هناك مواقف لا تحمد عقباها).
تواصلت مباشرة مع الأستاذ القدير هشام باشراحيل، والأستاذ المحامي بدر باسنيد.. لماذا؟؟ لعلمي بأن أسباب هذا التحرك للنيابة العامة تأتي على خلفية تشكيل اللجنة الشعبية لمحافظة عدن، التي بادر عدد من الشخصيات الإجتماعية والقانونية والإعلامية إلى تشكيلها في ظل تداعيات شهدتها محافظة عدن تتعلق بالمحاولات العديدة والمستمرة لطمس معالمها من حيث عشوائية البناء الذي أكل الأخضر واليابس، وتفشي البطالة بين الذكور والإناث من الخريجين بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من الموظفين والموظفات الذين تم الإستغناء عنهم من مؤسسات القطاع العام كعمالة فائضة بالإضافة إلى تفشي ظواهر إجتماعية ناجمة عن ظاهرة الفقر، والغلاء، وارتفاع تعريفة الزيادة في الماء والكهرباء.
نشرت صحيفة "الأيام" في عدد الثلاثاء 2/مايو/2000م الخبر في صدر الصفحة الأولى مشيرة إلى أن عدداً من أعضاء اللجنة الشعبية تم استدعاؤهم للتحقيق.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من اللجان الشعبية قد تشكلت في بعض المحافظات مستندة في ذلك إلى ممارسة حقها المكفول دستورياً وقانونياً انطلاقاً من أهمية دورها كهيئة مجتمع مدني، وانطلاقاً من أن الديمقراطية منظومة متكاملة تعني حق الإنسان في التنمية، العمل، التعليم، بيئه نظيفة، صحة وأمن وأمان الحق في مواطنه متساوية.
كنت أشعر بالملاحقة والمتابعهة الدائمة، فالهاتف مراقب، وتحركاتي رغم محدوديتها كانت تحت المجهر من قبل الجهة المعنية. محاولات عديده لزرع الخوف والترهيب، ثم التهميش والإقصاء تحت مسمى "الانفصالية".
الثلاثاء 2/مايو/2000م تحركت إلى مبنى النيابه العامة، العيون تلاحقني، البعض متعاطف والآخر ينتظر إنزال القصاص. دخلت غرفة التحقيق ترافقني المحامية أنيسة عباس لتعلن لممثل النيابة العامة إنها المحامية للمدعى عليها. (المضحك في الأمر أن ممثل النيابة العامة كان مسئول نيابة الصحافة والإعلام).
فتح التحقيق.. طرحت الأسئلة.. أغلق الملف!!
الحالة الثانية:
بادرت بعض الأخوات في محافظة عدن إثناء التهيئة والتحضير لانعقاد الدورة الإنتخابية البرلمانية الثانية – أبريل 1997 وهن الأخوات:
1- الفقيدة إعتدال ديريه رئيس اللجنة الوطنية للمرأة - م/عدن.
2 - المحامية راقية حميدان.
3 - الأستاذه اسمهان عقلان العلس.
4 - المحامية نظيرة شرجبي.
5 - أ/ رضية شمشير علي.
وكانت هذه المبادرة في أكتوبر 1996م، حيث تم وضع مشروع أسس وأهداف هيئة دعم المرأة المرشحة للإنتخابات العامة "هدات" تمكيناً لخوض المرأة في محافظة عدن المشاركة في الإنتخابات النيابية. وجهت الدعوة لقطاعات المرأة في الأحزاب السياسية سلطه ومعارضة في محافظة عدن. استجابت كل الأطراف وسارعت إلى المشاركة في الفعالية التي انعقدت في قاعة اجتماعات مستشفى عدن. وعلى الرغم من أن المرأة كانت في مواجهة أعضاء اللجنة التحضيرية مدفوعة من قبل الرجل، ساد الاجتماع الهرج والمرج.. إلى أن تدخل العقلاء ومطالبتهم اللجنة التحضيرية باستكمال كافة الخطوات والإجراءات المتعلقه ب"هدات".
واصلت اللجنة أعمالها وعقدت اجتماعاتها واتخذت القرار بتجهيز ختم خاص باللجنة و كلفت الفقيدة اعتدال ديريه بالتواصل مع مطبعة الحظ لإعداده.
في تمام الساعة 7:00 من مساء منتصف شهر نوفمبر 1996م، تلقيت مكالمة هاتفية من شخص ادعى أنه من الأمن السياسي يطالبني بعدم التحرك لاستلام الختم، فأجبته بأن المكلفة بذلك صاحبتكم اعتدال!! على اعتبار أنها تمثل المؤتمر الشعبي العام.
أجهضت المبادرة وهي في المهد، وبعد أقل من 48 ساعة، وبطلب من الشهيد جار الله عمر أن أخفف من تحركي بناءً على اتصال أجراه الأستاذ عبد الكريم الإرياني، تم تشكيل صندوق دعم المرأة المرشحة في العاصمة برئاسة د/ رؤوفة حسن!!
الحالة الثالثة:
وهي الأشد إيلاماً وقهراً عندما حاولت شرطة خورمكسر تجريدي من بطاقتي الشخصية. وكان ذلك بعد حرب صيف 1994م وتحديداً مع أوائل عام 1995م عندما توجهت لتجديد بطاقتي الشخصية، طالبني المسؤول بشهادة جنسية! شهادة جنسية لمن؟! لأسرة دفعت أحد أبنائها شهيداً لنيل الإستقلال الوطني!؟ لأسرة ولد الأب 1905 في المعلا وتربى على يد والده وتعلم في المدرسة الإسلاميه بكريتر!!
نشرت صحيفة "التجمع" الواقعة، وكان الزميل القدير نعمان قائد سيف من حمل لواء الدفاع عني. وما هي إلا لحظات حتى فوجئت بزملاء المهنه الفقيد معروف حداد، الفقيد عبد الله شرف، نعمان قائد سيف، الفقيد علي فارع سالم، وآخرين..كانت زيارتهم بلسماً في ظل محاولات التجريح والتشهير.
ولم يكن هذا شأني، بل صادفه الكثيرون من أبناء عدن فهي كانت سياسية وخطاباً ابتدعته جهة التنفيذ لسياسة المنتصر.
تزامن هذا مع الموقف الذي حاولت بعض الأخوات في المكتب التنفيذي اتخاذه وكان تحت مسمى "محاكمة رضية" أنها أخذت بعض ممتلكات الاتحاد، وتجريدها من عضوية المكتب التنفيذي. وهنا أسجل شكري وتقديري للأستاذة القديرة الأم والأخت العزيزة عاتكة الشامي التي دافعت بكل قوة وشجاعة متمسكة بعضويتي مذكرة الأخريات بأنني من سعى إلى توحيد الإتحادين مع قيام دولة الوحدة!! إمرأة نادرة في زمن الغدر.
رضيه شمشير واجد علي
اليمن - عدن، 28 مارس 2007م
***
هدى العطاس: التصنيف منذ البدء في خانة الأقل
العنف نسق لا يتجزأ. لذا زغرودتان مقابل ثلاث زغاريد وأكثر لو كنت ذكراً. هكذا منذ الوهلة الأولى لوصولي إلى العالم أرادوا إخباري وتفطيني بأنني مصنفة في خانة "الأقلـ". ومن يومها قس على ذلك. دائماً تعبرني فكرة مرعبة: ماذا لو أبي نفذ ما أراد وزوجني في عمر الثانية عشرة!؟ وأتخيل نفسي الآن أجر خلفي ذيلاً من الأطفال.
وحينما صرخ والدي (بالعار والشنار) حتى يرغمني على الزواج ويمنعني من المدرسة، صاحت أمي في وجه العالم بحقي في التعليم والحياة (وتحديد المصير). ربما هذا ما شكل وعيي ألا أحفل بالقضايا الكبرى للأمة وهي في التحليل النهائي قضايا ذكورية، فلدي قضيتي كامرأة تصنف من قبل هذا المجتمع الذكوري منذ البدء في خانة الأقل.
وحينما استهجنت جارتنا ركوبي الدراجة، لأنني بنت وسيذهب ركوب الدراجة ببكارتي، بنية إقصائي من ألعاب الأولاد في نظرها، كان رد أمي أن اشترت لي دراجة أكبر وأجمل، وهكذا لقنتني كيف أجيب على منظومة الإقصاء.
ما سبق، في ظني، غبن عام يقع علينا جميعاً كنساء يرافق قول خالتي الشائع في المجتمع، والدائم على مسامعي: "اوبه من البنت تفهم! دق لها في الضبيرة وقسمها إلا الفقيرة!".
عندما بدأت الكتابة كانت الأشرطة الملونة تتدلى من شعري (ومازالت) أول موقف استنكاري ووجهت به من الآخر الذكوري: "ايش عرفها بهذا كله!؟".
إشارة ضمنية إلى أن البنت التي تعرف أكثر مما يجب مشكوك في سلوكها. سألني أحدهم بإدانة: "تكتبين عن الرجل في القهوة إيش عرفك!؟ والا انتي تجلسي هناك مع الرجال؟!!". سؤال ضحكت له حينها وجرحني فيما بعد حينما نما مع نمو التجربة الكتابية لدي, ونمت له أنياب.
وحينما يهز البعض رؤوسهم قائلين: "انتي كاتبة جريئة!"، في محاولة لإقناعي بإعجابهم وفي محاولة أخرى لتملق قيم الحرية والانفتاح والتحضير التي يعرفون في قرارة أنفسهم وأعرف مسبقاً عدم تحليهم بها، فخلف نظراتهم تتربصني التهمة الجاهزة: "كاتبة إباحية فاسقة!"، قالها عنهم (وبالميكرفون) خطيب المسجد المجاور لمنزلنا, وأنا مسترخية في جلسة الشاي مع أهلي عندما سمعنا إسمي يردد في سيل من الشتائم والتهم تكال لي، ويقيم عليها البرهان سدنة المنظومة الدينية بمقال كتبته أدعو فيه الملائكة للعب مع الأطفال. ويصرخ خطيب المسجد بإدانتي والحكم: "كيف تجرأت على ذلكـ" إن لم أكن كافرة! أذكر أن المقال ذكر النساء وطالب أن يسفرن عن وجوههن، فالوجوه صفحات القلوب. أنا على يقين أن هذا ما أثاره وهيج مرجعيته وأمثاله من يمتطون الدين لإحكام دائرة الإقصاء والتهميش والانتهاك علينا في اتساق متناغم مع منظومة العادات والتقاليد ورواسب السلوك الاجتماعي ضد المرأة.
وهكذا أصبحت مستضافة دائمة على قائمة التكفير الديني ومنبر المسجد المجاور وربما منابر أخرى. في أحد الأيام اتصل الشاعر الكبير المرحوم محمد حسين هيثم يخبرني ويحذرني أن احترس لنفسي فأنا مطلوبة للقتل، قائلاً: إن هناك قائمة سوداء صدرت من مجموعة من الكتاب والسياسيين وحملة الرأي وأنا المرأة والوحيدة التي جئت في ذيلها.
ها هو الموت يصبح على مربط قلم أو فكرة أو رأي. لم أخبر أمي حتى لا يأخذها الفزع ويترتب على ذلك إجراءات أمنية من قبلها تتمثل في منعي من الخروج أو السفر تمتد الإجراءات بمطالبتي بالتوقف عن الكتابة بدافع خوفها وهلعها. معها حق، فالمسألة تهديد بالموت فربما في أي ساعة أودعها ولا أعود إليها. عشت ليالي أفكر في فجيعة أمي وأبكي مسبقاً على أم ثكلى لم يتوقف الأمر عند ذلك؛ بعد فترة أثيرت قضية رواية محمد عبدالولي التي نشرت في صحيفة "الثقافية" سجن رئيس التحرير حينها وكفر ومعه عدد من الشعراء والقاصين وكتاب الصحيفة، وكنت واحدة منهم ليعود أسمي يتردد في خطب المسجد. وها أنا في مواجهة جديدة ولكن هذه المدة مع الأقلام الأمنية في الصحافة. فعندما اختط زملاؤنا نبيل سبيع،نايف حسان, عمار النجار, وغيرهم، أسلوباً جديداً في الكتابة لإماطة اللثام عن المسكوت السياسي مما جعلهم هدفاً لدوائر الأمن والمخابرات وسودت صفحات في الجرائد وفرخت صحف وصحفيين لشتمهم كأحد أساليب الترهيب والتركيع من قبل السلطة ودوائرها الأمنية، وإذا بي أحشر بينهم، وهو شرف لم أبذل جهداً كجهدهم لنيله. ويكتب أحدهم ناعتنا بشلة الكتاب الشباب الفاسقين والمارقين الداعين إلى انحلال المجتمع. ويخصني بأني قد تحدثت عن الشواذ في لندن في أحد مقالاتي. وكنت مع موعد آخر مع دوائر الأمن والتلصص والمخابرات وذلك أثناء التهيئة لترشيحات الانتخابات الرئاسية. وعندما أعلنت الأستاذة سمية علي رجاء نيتها الترشح، كنت أقف إلى جوارها تبنياً لمبدأ الحق في الترشح، لأي مواطن، وعلى الأخص لإثبات حق المرأة وإشاعة أجواء الديمقراطية كما يجب. وإذا بي أفاجاء أن تليفوني ومكالماتي تخضع للمراقبة. وما أقسى أن تشعر بأنك منتهك وبأن خصوصيتك مباحة وأنك عار لا ستر يؤويك!! أصبحت مكالماتي جافة ومبتسرة حتى وأنا أتحدث مع زوجي؛ فهناك اذن ثالثة بيننا لا يحق ولا تستحق أن تسمع كلمة ناعمة أو بوح حميم. ومن حينها وإلى الآن ما زال تلفوني مراقباً والآن لا يخطر لي سوى هذا السؤال: حينما فر الإرهابيون من سجن الأمن السياسي بعد أن حفروا نفقاً، هل كان رجال الأمن حينها مشغولين بالتنصت على إحدانا في مكالمة عاطفية مع زوج أو حبيب ستقوض أمن الوطن؟!.
وهكذا تبدو المرأة التي تحمل رأياً وتعبر عنه، محاصرة تتربصها آذان وعيون ومخالب الثالوث السلطوي: المؤسسة الذكورية، المؤسسة الدينية المتطرفة، ومؤسسة الدولة بآلياتها القمعية).
هدى العطاس
فعالية يمنية مسبوقة لمنتدى الشقائق: ضحايا انتهاكات يعرضن تجاربهن
2007-04-04