صنعاء 19C امطار خفيفة

عزرائيل أرحم من مدير الأمن وأقرب من الراتب - علي الفقيه

2007-03-08
عزرائيل أرحم من مدير الأمن وأقرب من الراتب - علي الفقيه
عزرائيل أرحم من مدير الأمن وأقرب من الراتب - علي الفقيه
آخر لحظات حياته قضاها في سجن لا آدمي، كئيب.. هناك كانت نهايته حيث لا هواء ولا ضوء ولا رحمة.
صرخ، استنجد.. استجمع قواه ليدق الباب، فكانت طرقاته أضعف من أن يسمعها سجّان, ونداءات رفاقه في السجن أغمض من أن يفهمها الشاوش والفندم؛ فالرسامة والتعيون هي مجموع كلمات يفهمها حماة القانون ومن أوكلت اليهم مهمة حماية المواطنين وتوفير الأمن لهم.
محمد محمد أحمد القاضي (معلم) حبس على ذمة ما يسميه مسؤولو الجباية بالزكاة, وببساطة أبلغ مدير أمن مديرية بلاد الطعام أن المواطن المذكور لم يسدد الزكاة، وهي زكاة حبوب و(عصر) أعلاف الحيوانات، لأرض ورثها عن والده هي في الأصل لاتنتج ما يمكن أن يعيش عليه لمدة شهر من حبوب إذا ما نزل المطر.
لا شيء من تلك الدعاوى يدفع المسؤولين هناك الى سجن رجل مصاب بضيق في صمامات القلب، وضيق في العيش في سجن هو الآخر لا يليق بالآدميين الأصحاء قبل المرضى بهكذا نوع من الأمراض.
تمكن المعلم القاضي قبل سنوات من إجراء عملية لصمامات القلب على حساب فاعل خير بحث عنه كثيرا بحثا عن إنسانيته ورغبة منه أن يحيا دون النظر الى كيفية الحياة التي يعيشها.
محمد (38عام) وأب لستة أطفال، آخرهم ولد وأبوه في السجن، لم يقدر لهما أن يرى أحدهما الآخر, لم يكن معلما بسهولة فذلك كان نتيجة لرحلة من النضال خاضها دون أقرانه الذين فضلوا أن يكونوا عمال حجر وطين.
عندما وصل الى إدارة الأمن التي يصل اليها بصعوبة نتيجة لمرضه وانعدام طريق للسيارات طلب من المدير أن يمهله في دفع الزكاة حتى استلام الراتب، فراتبه موقف من قبل مدير التربية لصرامة تعاملهم مع أمثاله من الضعفاء, طلب من المدير التدخل للإفراج عن راتبه المتأخر أصلا، لكن: «شلوه الحبس لما يسلم الزكاة، عاقي والديه» هي الإجابة الأخيرة ليقضي يومين في سجن أشبه بالكانتونة.
أوضح أخوه أن تقرير الطبيب الشرعي أكد أن ضعف التهوية كان سبب وفاته كونه مريض قلب وبعلم الجميع, بالاضافة الى حرمانه من العلاج والطبيب.
هي إجمالا 20000 ريال زكاة تراكمت عليه حوالي خمس سنوات هي سنوات المرض والبحث عن قيمة علاج, ولقمة عيش تستدان من أصحاب المحلات في أكثر الأوقات.
فما جهد معلم مريض فقير بإعالة ستة أولاد في هذا الزمن الصعب, وهل له قدرة على تحمل مسميات الزكاة التي تتعدد وتتنوع على الضعفاء (شتوي, خريفي, صيفي, عصر, حبوب, فطرة, متأخرات) بينما آخرون لا يدفعون واجبات كثيرة, فمن السهل على أمن ريمة أن يحبس مواطنا حتى الموت، لكنه يصعب على الدولة ضبط تجار يتهربون من دفع الجمارك والضرائب التي تصل الى مئات الملايين.
وعلى الرغم من تفاؤل المواطنين في مديرية بلاد الطعام، النائية، بوصول النيابة في نفس اليوم للتحقيق في القضية، والحيلولة دون تمكين مدير الأمن من طي الموضوع خاصة أنه طلب من أهل الميت أخذ الجثة ودفن الميت دون نقاش, بعد أن أخرجه من السجن الى حوش الإدارة تحت خيمة هي جزء من مواد الإغاثة التي «تفيدها» المسؤولون في المنطقة وحالوا دون وصولها إلى مستحقيها أثناء خراب بيوتهم من الأمطار.
تقرير النيابة، التي حققت مع كل الأطراف بمن فيهم السجناء الذين رافقوا القاضي في لحظاته الأخيرة، وطلبوا من السجان إخراجه وهو في الرمق الأخير فوعدهم بإعطائه الكفن صباحا, أعاد الى المواطنين قليلا من الأمل بأن أحدا سيسأل عن سبب موت مواطن في السجن.
فهل تتمم الإجراءات التي ستتخذ ضد الأطراف التي يثبت تورطها في المشاركة في قتل القاضي؟! خاصة أن مدير الأمن المسؤول (بالوراثة) له سوابق عديدة وشكاوى من المواطنين, وكان آخر ما يدينه هو تقرير المجلس المحلي الذي تحدث عن مخالفاته قبل الحادثة بيومين، سواء بابتزاز المواطنين أو بالممارسات غير القانونية التي أصبحت ديدنا لكل المسؤولين في المنطقة.
أطفال الضحية وأمهم الأرمل مع جدتهم الثكلى لن يجدوا من اليوم الأول لفقد عائلهم من يقاسمهم الأسى ويواصل معهم رحلة العيش الصعبة في جبل قاحل، وهم ما يزالون كـ«مدينين زكاة»، متهمين بالتمرد على الدولة وربما نفذت ضدهم حملة عسكرية يوما ما تحت هذا المبرر.

إقرأ أيضاً