هل تتحول «النقعة» إلى بؤرة جديدة في صراعات الإقليم المذهبية؟
- المحرر السياسي:
تبدو اليمن مرشحة لسداد ضريبة الاستقطاب المذهبي الدائر في «الشرق الأوسط الصغير».
بدءاً من أول أمس الاثنين راحت الأزمة القائمة في صعدة تتدحرج بسرعة لتأخذ دور البؤرة الجديدة في صراعات الاقليم ذات الطابع المذهبي. ويبدو أن أطرافاً عديدة في السلطة والمعارضة لا تمانع في إقحام اليمن في دائرة الاستقطابات دون القومية (وما قبل الوطنية) يقع مركزها في بغداد، وتشمل الخليج ولبنان و(ربما) اليمن.
ظهيرة الاثنين وجَّه محافظ صعدة اتهامات صريحة لحكومتي ليبيا وإيران بدعم «التمرد المسلح» في صعدة. ونسبت مواقع إخبارية إلى مسؤول حكومي تصريحات تنتقد القيادة الليبية التي تريد تصفية حساباتها مع السعودية عبر استغلال أحداث صعدة. المسؤول الحكومي وصف ما يجري في صعدة بأنه تصفية حسابات اقليمية ودولية تسعى من خلالها إيران إلى مواجهة واشنطن.
على الجهة المقابلة يتهم عبدالملك الحوثي حكومات عربية بتحريض أطراف في السلطة لقمع من يطلق عليهم «الحوثيين». وتعتبر مصادر مقربة من الحوثي ما يجري في صعدة حرباً سعودية في أحد وجوهها.
يمكن النظر إلى نهار الاثنين باعتباره نقطة فارقة في مسار الأزمة الناشبة في صعدة منذ صيف 2004. في هذا اليوم أظهرت الحكومة اليمنية انحيازها لمحور الاعتدال في مواجهة محور التطرف. وعبَّرت عن هذا الانحياز في أكثر من موقع. ففي أبو ظبي أعلن المستشار السياسي لرئيس الجمهورية أن لا مناص من استئصال الارهابيين من أتباع الحوثي «لأنهم أصبحوا ورماً خبيثاً». وفي مدينة صعدة وجهت الحكومة على لسان المحافظ اتهامات صريحة لطهران وطرابلس الغرب بدعم التمرد. وفي العاصمة كان رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني خلال اجتماع مصغر ضم اعضاء من المجلس ورئيس جهاز الأمن القومي علي الآنسي، يقرِّر بأن الأمر (في صعدة) لم يعد يتعلق بقضية داخلية، فهذه الجماعة (أتباع الحوثي) تقوم بمهمتها الانقلابية بمساعدة وإسناد داخلي وخارجي». وفي اللقاء ذاته جرى تعيين عبدالملك الحوثي كإرهابي خطير «يمارس أنشطة ارهابية استهدفت شخصيات اجتماعية ومشائخ وأعيان محافظة صعدة والمنجزات التنموية فيها»، حسبما قال رئيس جهاز الأمن القومي ومدير مكتب رئيس الجمهورية.
في حروب صعدة السابقة عندما كانت شوكة «الحوثيين» أصلب، لم تأخذ الأحداث هذا المنحى التصعيدي. وعلى الرغم من نشر وسائل إعلامية موالية للسلطة أخبار عن تورط حكومات في الاقليم وقوى سياسية ودينية عربية واسلامية في دعم حسين بدر الدين الحوثي وأنصاره في حرب 2004، فإن المسؤولين في الدولة امتنعوا حينذاك عن الإدلاء بأية تصريحات من شأنها إظهار اليمن وكأنها باتت ساحة لحروب الآخرين.
والآن فإن تصريحات كبار المسؤولين في السلطة التنفيذية والمجلس الاستشاري تكشف عن نية صريحة لقيادات الدولة في الانضمام إلى محور ضد آخر في لعبة اقليمية خطرة لا تشبه بأية حال مشاركة المنتخب اليمني لكرة القدم في بطولة الخليج الأخيرة، مثلما أن إلصاق تهمتي الشيعية والارهاب بعبدالملك الحوثي لن يجعل منه نسخة يمنية من حسن نصر الله الذي يخوض في لبنان مواجهة متعددة الأبعاد ضد مشروع اميركي لإعادة صوغ المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
في بقعة قصية شمال اليمن، بعيداً عن العاصمة وضاحيتها الجنوبية (!) يعيش عبدالملك الحوثي، 27 عاماً، معزولاً عن مراكز التأثير السياسي والاقتصادي والثقافي والاعلامي في اليمن.
وقبل ثلاثة أيام كان في طريقه لتسليم نفسه إلى مسؤولين في محافظة صعدة ، لوضع حد لصراع غير متكافئ يتغذى من المعتقدات والمثل ودعاوى الكرامة والكبرياء.
ومنذ اندلاع الحرب في صعدة قبل أقل من 3 سنوات، فقد عبدالملك 4 من أخوته، أبرزهم زعيم «جماعة الشعار» حسين بدر الدين الحوثي.
وإلى إخوته الذين صرعتهم «حرب تجري خارج السياسة»، يعيش عبدالملك في منطقة النقعة الحدودية بمعزل عن أبيه المرجع الزيدي بدر الدين الحوثي، 87 عاماً، الشيخ الطاعن في السن المطلوب للسلطات، والذي يعتقد أنه يتنقل رفقة عبدالله عيضة الرزامي، رفيق حسين، الذي توارى في منطقة جبلية نائية، آخذاً منحى صوفياً في مقاومته للسلطات، بحسب مصادر حسنة الاطلاع. أبعد من ذلك، تجري أحداث صعدة خارج السياسة وفوق المؤسسات الرسمية والحزبية والمدنية. وإلى صمت الأحزاب واستمرار قادتها في ادعاء الجهل بما يجري في محافظة يمنية (وهذا تواضع غير معهود من قادة الأحزاب اليمنية) واصل البرلمان تجاهله نزيف الدم في صعدة، وفاجأ أول من أمس مندوبي الصحافة عندما قرر ترحيل موضوع التصعيد الخطير في صعدة، لكأنه يؤجل مناقشة احد التقارير العتيقة التي تزخر بها جداول أعماله. والشاهد أن أحداث صعدة توشك أن تتحول إلى بؤرة أخرى في صراعات الاقليم. يتمدد الخارج لملء الفراغ السياسي والمدني والحقوقي في الداخل. تدخل السعودية باسم احتواء الخطر الشيعي، وتدخل اميركا بدعوى مكافحة الإرهاب وضمان أمن المواطنين اليمنيين من أتباع الدين اليهودي، وتدخل ليبيا للحد من النفوذ السعودي.
والحال أن جيباً ضيقاً في أقصى شمال اليمن يتحول إلى «ضاحية» مطلوب نزع سلاحها، ونشر ثقافة السلم في عقول أبنائها.
وطبق رسالة وجهت السبت الى رئيس الجمهورية، أكد أعضاء لجنة الوساطة وجود رغبة أكيدة لدى عبدالملك الحوثي على النزول من الجبال وإغلاق ملف الحرب «استجابة لتوجيهات الرئيس الكريمة بالعفو العام وحل المشكلة من جذورها».
الرسالة المذيلة بتوقيعات أعضاء اللجنة لفتت الى معوقات تحول دون عودة «الأخوة الموجودين في الجبال» إلى بيوتهم وأعمالهم. بين هذه المعوقات-يفيد الوسطاء- اعتقال من نزل من الجبال ومن أفرج عنه (سابقاً)، وبالذات في منطقة خولان بن عامر، وتعرض المواطنين في مرَّان وبقية مناطق خولان، وساقين لمضايقات مذهبية، وصلت حد الأمر بإجبارهم على أداء صلاة الجمعة في يوم السبت، وحبس كل من لا يضم يديه. وحول هذه الجزئية قال مصدر في اللجنة لـ«النداء» إن مواطنين من مرَّان يقاطعون صلاة الجمعة تجنباً لسماع خطب أئمة سلفيين تتضمن إساءة لمعتقداتهم الدينية، ما يعرضهم لاحقاً للأذى. وتعرض الرسالة الى ممارسات أخرى تنطوي على انتهاك لكرامة وخصوصيات الأهالي. ما حال دون توفير بيئة آمنة للشباب المتحصنين في الجبال.
وقع على الرسالة من لجنة الوساطة الشيخ صالح الوجمان وابراهيم محمد المنصور، ومحمد عبدالله الشرعي والشيخ علي ناصر قرشة ومحمد المؤيدي وفضل المطاع وحسن زيد.
وطبق مصدر في اللجنة فإن لدى عبدالملك الحوثي نية اكيدة على إنهاء المواجهات، و«الدخول إلى صنعاء مع جماعته». المصدر أكد بأن عبدالملك الحوثي لم يرفض قط طلباً تقدمت به لجنة الوساطة، مشيراً إلى أن «من يوصف بالإرهابي» يريد إنقاذ الشباب الذين معه من القتل لأنه «رجل عاقل لا ينوي التصعيد».
في المقابل انتقد المصدر نشاط يحيى الحوثي (شقيق عبدالملك وعضو مجلس النواب عن المؤتمر الشعبي المتواجد في الخارج منذ عامين)، وقال إن يحيى فقد قدرته على التمييز، وانتقد تصريحاته وتنقلاته في الخارج وزياراته لدول عربية التي «لا تثمر شيئاً سوى التحريض على تصفية الحوثيين».
هل تتحول «النقعة» إلى بؤرة جديدة في صراعات الإقليم المذهبية؟
2007-02-07