دغدغة المتورطين ليس حلاً.. الآثار.. في طست مثقوب!! - محمد العلائي
برود قارس ,غير متوارٍ, وكما لا ينبغي إهدار طاقة من أي نوع لاستجلائه. اذ يسع –تحديداً- من يطأ أياً من المحاكم المبسوطة امامها قضايا استباحة واهدار الآثار اليمنية اكتشاف كم أنها مركونة على مبعدة من بؤر الاحتفاء والرعاية.
محكوميات ناعمة ذات ملامسة رخوة ومتفسخة في آن, بتعبير مسؤول أثري, تشي كما لو أن المدانين يتلقون دغدغة تميتهم أمناً وسلاماً.
أزيد من فوهة يمكننا الولوج عبرها إلى تفصيلات الطامة الآخذة في التمدد, فمن العام 2004م -والذي ضبط في أحشاء مطار صنعاء قرابة 1000 جزئية أثرية كانت آيلة للإنسراب من بين اصابع السلطات الأمنية بالتأكيد, بينها قطع برونزية وحجرية وسبائك ذهبية وعملات ومخطوطات ايضاً - يمكننا البدء.
تالياً, نهاية يناير 2005م على وجه الدقة, وجد العراقي شاكر اياد نفسه متوسداً قبضة رجال الأمن الذين صادفوه في شقته وسط العاصمة وبحوزته نحو 780 جزئية تراثية ثمينة تنطوي على نقود إسلامية بائدة ومجسمات فنية للغاية مضافاً اليها كيلو جرام من الذهب القديم.
وساعة كان 3 سوريون, مطلع العام الفائت, يتحينون الفرص على التخوم الحدودية مع الجارة السعودية لتهريب 21 قطعة عائدة للعصرين السبئي والحميري وأخرى للعصر الاسلامي, باغتتهم السلطات الأمنية اليمنية بإلقاء القبض عليهم وإيداعهم دائرة مكافحة الجريمة المنظمة.
وليس من شك في أن خلية مما سبق لم تكن تنشط في الظلام فقط وإلا لكانت حسمت تدابير تبعد عنها غائلة المحاكمات وإن انتهت في الأخير «ببوسات مفلفلة».
إلى هنا لم تنته قائمة من تهافت، قدراً ربما, إلى أيد ,على أية حال, بدت أمينة وحانية كفاية، بل لحق سمير جاد الله أردني وعمر السنوسي سعودي، الأخير لفقت له سيوف فضية ومخطوطات كان يحسبها عتيقة وجديرة بالمجازفة غير أنها خدعة لعبت ضده باحتراف.
زار اليمن بداية بذريعة ترميم وصيانة المساجد واعمارها، موكلاً أمر استجلاب ما أتى لأجله, حقيقة, لـ«محمد عبدالله الزبيدي»-يمني. مع عودته من الزيارة الأولى كان الزبيدي قد جمع له قدر ما ينبغي من المخطوطات الفريدة، استطاع الأول الاجتياز بها المنافذ وإخفاءها من ثم وعاء متماهياً في الغموض.
يبدو أنها صفقة مربحة جرته مرة أخرى لمعاودة الكرة ولكن هذه المرة ترصدته المصيدة فوقع فيها. ذلك أنه في طريق عودته الثانية قبض عليه من الأمن السعودي بحجة منع ادخال السلاح الأبيض. أعيدت السيوف وبعض المقتنيات إلى منفذ حرض وصودرت حوالى 30 مخطوطة أخرى إلى أيادٍ سعودية خالصة.
مقتنيات السنوسي المضبوطة فردها وكيل نيابة الآثار عبدالاله غانم أمام حشد في فناء محكمة استئناف الأمانة, لافتاً, بسخرية, إلى أن جلها زائف وأن المهرب السعودي لم يكن حصيفاً شأن الخلايا النشطة الأخرى والبارعة في اقتناص ما هو غالٍ ونفيس.
وإذ هناك لم تكن تخلو المحادثات من همسات خافتة عن احتمالية ضلوع شخصيات رفيعة في ابقاء قضايا الآثار مندفنة أو مراوحة بين أشداق التغاضي في الأقل.
في السياق عينه أدى نشوب خلاف حاد بين سمساري الأردني سمير جاد الله, اليمنيين, إلى قيام احدهما وهو مسؤول محلي بمديرية الصلوب محافظة الجوف بخطف الآخر الذي يمتلك متجر تحف في العاصمة صنعاء. الأول ويدعى محمد احمد شملة كان عليه دوماً اقتناء ما تدره التنقيبات في مناطق القبائل ويعمد التسلل بها إلى محطتي الشراء، جاد الله أو أمين احمد البعداني، هما بدورهما يبتاعانها منه بالأجل قبل إرسالها إلى أي من عواصم العالم.
حدث أن احتاج شملة لبعض المال وبعد مماطلة مضنية انتزع احد رفيقيه وهو امين البعداني فاراً به جهة منطقته, الأخير كان نبيها بالتأكيد ارسل masseg من هاتفه إلى قريب له وأبلغ الأمن بذلك فقبض على الاثنين وساقا معها زميلهما الأردني في عملية لم تكلف السلطات الكثير.
لحظة مداهمة جاد الله كان بحوزته 600 جرام ذهباً حميرياً خالصاً، وخرز اثري. ووكره آنئذ كان ما يشبه معملاً مثمراً جداً. فهو, ولحاجة في نفسه, يدمغ كافة المنحوتات الذهبية بدمغات يهودية ما يعني زيادة عائداتها.
إدارة مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب تولت التحقيق مع ثلاثتهم وسلموا اثر ذلك إلى استئناف محكمة الأمانة.
تمخضت المحاكمة إياهم عن إدانة الأردني بتهمة الاحتفاظ بآثار قديمة ومعاقبته بغرامة قدرها 10000 ريال. ليس هذا فحسب بل كوفئ أيضاً بأن عوض عن خسارة المضبوطات التي قرر الحكم تسليمها إلى الهيئة العامة للآثار. فيما بُرئ كل من شمله والبعداني. بالطبع استنأنفت هيئة الآثار الحكم لتحريك القضية مجدداً.
الحكم مارّ الذكر صدر من لدن القاضي عبدالملك المروني ووصفته (الحكم) جهات ذات صلة بالتراث أنه لم يكن سوى مسعر تهريب ويحرض على استمرارية مزاولته.
كنا اثناء تجوالنا بأروقة المحكمة نجد من يتحدث بشكل خافت عن أن نقل القاضي المروني من محكمة الاستئناف إلى مكان قصي ما كان إلا «ضربة جزاء» لحكمه المتواطئ حسب وصفهم.
وليس من غضاضة هنا, فيما لو أعدنا عرض المحكوميات التي واجهتها عصابات التهريب.. فالسوريون الثلاثة ايمن محمد طاهر , رامز محمد سالم عمر, ومحمد سالم الشيخ عمر, مرفقاً بهم اليمني بكيل احمد مطهر، برأهم القاضي المروني جميعاً وكان قراره مثار لغط قانوني, لما اسماه مختصون تناقضات شابت منطوقه، ذلك أنه برأ المتهمين أخيراً وكان قد أدانهم في البداية «بالجريمة المنظمة». وسوغ إجراءه فيما يخص المتهم رامز محمد سالم عمر بعدم توافر ما يكفي من الأدلة.
أما العراقي إياد شاكر غُرم 100 ألف ريال وأوقف تنفيذ البند الثاني من المنطوق "حبس سنة". وصودرت جميع المضبوطات.
وفي مطلق الأحوال, فما من تطمين يمكن للمتابع الحصول عليه, فكل شيء يصادفه يبعث الريبة والقلق على مصير البقية الباقية مما لم يعثر عليها بعد , أي ان الآثار التي لم تزل باقية دفينة نفضل, والحال هكذا, ان تظل في أجداثها ثاوية.
«لا توجد في القضاء صرامة موازية لما يحدث للتاريخ اليمني» يقول هشام الثور مدير عام حماية الآثار في سبيل إيضاح بعضاً من أطراف الإشكال.
وزاد: «قمنا بصوغ قانون عقوبات ومع انه غير كافٍ إلا أنه لا يُلتزم به أيضا».
القانون المذكور, العقوبة الاشد فيه حبس خمس سنوات للتهريب وأدنى عقوبة عامين للاتجار بالآثار.
وبتحسر، كان هشام الثور يأسف لعدم وجود محكمة مختصة إلا أنه حمل المسؤولية جميع الأطراف بما فيها الجهات الأمنية المعنية بالمنافذ البرية والجوية.
داعياً إلى استحداث قانون يواكب مستجدات السطو على شواهد التاريخ اليمني. وارجع قصور التوعية الإعلامية إلى شحة الإمكانات. وأضاف: «بصراحة أكثر إذا لم تكن ضمن سياسة الدولة بشكل رئيسي فليس ممكناً عمل شيء».
وعن القطع التي فقدت بالفعل وباتت مستلقية على فاترينات متاحف عالمية قال الثور: «نسعى لاستعادتها بعد ترصدها وقد اعددنا ملف بالتعاون مع اليونسكو وبعض الدول يحتوي على قوائم حصر لما بيع إلى الخارج».
وعلى ذكر إعادة ما تطاير إلى إناءات خارجية فقد استعاد المتحف الوطني بعدن بداية العام 2006م قطعة قيمة سرقت أثناء حرب صيف 94م إلى الولايات المتحدة الامريكية وهي تعود للدولة القتبانية القديمة ويطلق عليها «ذات حميم» أي «آلهة الخصوبة». اعيدت وقد اصابتها شروخ لم تكن فيها من قبل, أكدت مصادر رسمية هناك أنها ستخضع للصيانة. ومعلوم أن متحف عدن فقد نحو 60قطعة اثرية في خضم حرب 94م.
إذاً، مهما يكن من شيء، فإنا لمسنا كيف أن التهريب يبلل الوطن حد الغرق , وان استباحة الآثار والمخطوطات ذات طابع كابوسي حقاً.
عثرنا وقت تفتيشنا في أمرها على مخطوطات فريدة وجوهرية تتشذر في متاهات المحاكم جيئة وذهاباً دونما عناية تذكر.
ومهم حقا التأكيد ان هذه الخلايا الاجنبية حسب علم هشام الثور هي كل ما تم ضبطها وهذا بالتأكيد يدلل انه من غير المستبعد وجود غيرها حال تقاعس الحكومة دون ردعها بما ينبغي.
alalaiyMail
دغدغة المتورطين ليس حلاً.. الآثار.. في طست مثقوب!!
2006-11-08