صنعاء 19C امطار خفيفة

الكتابة بدون احتراس

2006-06-07
الكتابة بدون احتراس
الكتابة بدون احتراس - محمد ناجي احمد
دع قلمك يكتب دون ان تحترس من القارئ ودون ان تقع في مطب إرضائه، ربما كنت أخشى أن تنطق كتابتي.
اريد كتابة صماء بكماء حتى لا يساء فهمها أو حتى لا تفهم أو تشير أو تبين.
الكتابة «بخفة» و «دقة» و «سرية» و«وضوح» هي ما ابتغيه لكن ما أكتبه يكتنفه الثقل والغموض والبطء واحياناً السقوط في هاوية إرضاء القارئ او اسقاط الخصم.
سآخذ مثالاً على الانتصار على الخصم: مقالتي التي كتبتها قبل فترة عن العنصرية والشعرية البلهاء، وكان موضوع المقالة «احمد العواضي».
المقال وجد تسويقاً في المقابل ولدى العامة، والأكثر ادهاشاً لدى القوميين، المقال الذي كان المنتصر فيه هو «العواضي»، وليس أنا... انتصرت عليه لأصبح «محمد ناجي التعزي» هنا اصبحت هو والهاوية التي كنت انتصر عليه تلبستني.
الهويات فيما اعتقد وهم وهذا لا يعني انها ليست موجودة. كثيرة هي الاوهام التي تحشد خلفها الجماهير. كانت المقالة استسلاماً للقارئ الشعبوي التي تحركه الاوهام ويصطف خلفها.
هل يمكن لي التوقف عن ممارسة الثقافة الشفهية والتحرر من إغراءاتها.
الثقافة الشفهية ألجأ إليها هروباً من الكتابة، لأن الكتابة تستعصي على الاندثار، وتقاوم رغبة الزمن في المحو.
استكين للثقافة الشفهية لأنها ليست محددة وليست دقيقة وفيها التكرار والاطناب والمراوحة، هي نقيض الاشتغال على شيء لانها استهلاك، تماماً كما استهلكني «احمد العواضي»، وبصمته عن «الرد» لم يؤكد -كما قيل- صحة مقولاتي، بل اكد انتصاره لأن هناك من اعتلى «التبة» بدلاً عنه، ليصبح اميناً على تلك الثقافة التي حولتني إلى «محمد ناجي وبهوية تعزية».
اعود إلى الرواج «الشعبوي» الذي لاقته المقالة فاضيف إلى ذلك دخول الثقافة الشفهية في تكوينها.
انجذبت إلى الشفاهية لأنها وسيلتي الاحترازية لمقاومة الكتابة.
 الشفاهية إعدام للكتابة، فهي ليست مسؤولة وليست موثقة وتتلاشى بمجرد الانتهاء منها، ولأن الشخصنة وهي جزء من «الهويات القاتلة» للكتابة تدخل في تكوينها.
العلاقة بين الكتابة والكلام علاقة عكسية.
الاحتراس وعودة الألماني إلى رشده»:
في صحيفة «النداء» الاربعاء الماضي، كتب «جمال جبران» عن «عودة الالماني إلى رشده» لـ«رشيد الضعيف». وكما احترس «رشيد الضعيف» أو «حصن نفسه» على حد تعبير «جمال جبران» تجاه القناعات الجماعية، يحصن «جمال جبران» وهو «الجاد» في اشتغالاته «النقدية» بالقفز على بعض الرؤى من خلال «الايجاز في الكتابة» تؤدي فيما يبدو إلى انعدام الوضوح وانتقال الكتابة من خفتها إلى بطئها وبالتالي غموضها في سياق اعتقد ان الاحتراس والتحصن من القارئ الذي «يمثل القناعات الجماعية» يعطل الكتابة كقدرة لتحل محلها المشافهة..
لم يكن سرد «رشيد الضعيف» بعيداً عن التعقل وكبح الجماح وبالتالي لم يكن وصفه «للمثلية» وصفاً محايداً، فابتداء من العنوان «عودة الالماني إلى رشده» نجده يتخذ موقفاً مسبقاً من «المثلي» ويضعه خارج «الرشد» بهذا كان «رشيد» «راشداً» وكان الألماني «يواخيم هلفر» خارج نطاق الرشد.
 وعندما يصف ما يتمناه لابنه -وهو الا يكون مثلياً او مدمن مخدرات- بوعي وليست بتسرب للقناعات الجمعية يطابق ويماثل بين الادمان على المخدرات و«المثلية» مما يجعل السارد داخل القناعات الجماعة التي ترى «المثلية» «مرض» وحالة «غير طبيعية». ويزداد موقف السارد وضوحاً تجاه «المثلي» من خلال تغطيته لشعر صدره ويده، واضعاً «المثلي» في صورة سبقية «غير طبيعية» ف «المثلي» يختلف عن «الغيري» لأن الاخير يستطيع ان يكون معقولاً ومتوازناً جنسياً بخلاف «المثلي» الذي لا يبحث سوى عن «المثليين»، امثاله وهم متواجدون في «علب ليليَّة». كل ذلك يجعل من الكاتب اقل حيادية في موقفه علىالاقل مقارنة بآخرين تطرقوا لمثل هذا الموضوع لعل آخرها قناة «نيو TV» وبحلقتين كانت فيها من الجرأة والحيادية ما جعل الموضوع «عربياً» وخارج «علب الليل».
وعندما يبدأ السارد بمحاولة التحرر من «قناعات الجماعة» يقول في ص13: «لا شك اطلاقاً أنني مازلت أفضل، الآن وأنا اكتب هذه الكلمات، وبلا ذرة تردد، ألا يكون ابني مثلياً، لكن هذا لا يعني انني كنت تخليت عنه لو أنه كان خلاف ذلك، كنت وقفت إلى جانبه بالتأكيد».
اذن «المثلية» هي مرض يحتاج من السارد «العربي» و«المتحرر» أن يتعاطف معه باعتباره قَدَراً ينبغي التعامل معه، وكلا الموقفين من وجهة نظري -سواء المتعاطف أم المشمئز- يلتقيان في التشخيص ف«المثلية» لديهم حالة المانية وليست موجودة في لبنان إلا في علب الليل او في بطون التراث.
باستثناء بعض القناعات السطحية التي عمل «الالماني» على تغييرها لدى «رشيد الضعيف» مثل موضوع (النظافة/المرأة) ومماثلتها بمتلازمة (النظافة/الرجل)، يظل العمل في الاخير غير مكتمل على الاقل قناعات «رشيد الضعيف» وسلوكه من وجهة نظر «يواخيم هلفر».
مقتطف من الكتاب:
 «لم اضطر إلى اخفاء شعر صدري لأن الطقس كان بارداً في برلين وكنت ألبس كنزة صوف تلفّني حتى العنق، لكنني فاجأت نفسي اشد كم قميصي من وقت لآخر بشكل تلقائي لاخفي ما بان من شعر يدي، كما تشد المرأة الجالسة فستانها لتخفي ما استطاعت من فخذيها» ص17
عناوين مقالات لـ«كالفينو»

إقرأ أيضاً