صنعاء 19C امطار خفيفة

المثقف وسط الناس العاديين!*

2025-05-30
المثقف وسط الناس العاديين!*

فاجأني صديقي طارق السامعي، مخرج صحيفة «النداء»، قبل يومين بهدية نفيسة مشفوعة بطلب لا يمكن رده!

أرسل لي مشروع كتاب «أبو بكر السقاف»، وهو عبارة عن كل ما كتبه بالصحيفة بدءاً من عددها الثالث الصادر في 30 مارس 2005. وسيكون أول كتاب في سلسلة «كتاب النداء» التي تأمل أسرة «النداء» أن تصدر تباعاً خلال العام 2025.

 
كان مشروع الكتاب المنجز هو الهدية. ومع الهدية طلب مني كتابة تقديم للقراء ليتم إطلاق الكتاب، كتدشين لمشروع «كتاب النداء».
ها أنا أفعل.

في مارس 2005 تمكنت «النداء»، بحكم قضائي، من العودة للصدور بعد مصادرة عددها الأول قبل 6 شهور (13 أكتوبر 2004). تفاجأت بأن أبو بكر السقاف أرسل لي مقاله الأول لينشر في العدد الثالث، رغم وجود صحف أهلية وحزبية تتسابق على مقالاته. وقد خطر لي أنه أراد توجيه إشارة دعم لأسرة «النداء» التي صمدت في وجه آلة القمع التي استهدفتها.
عددت ذلك التفاتة كريمة إذ قرر أن يخص أفقر الصحف وأضعفها «عصبية»، بمقال من قبل أن تتأكد استقلاليتها ومهنيتها. كذلك صار السقاف نفسه «عصبية» «النداء». نحتمي باسمه ونأنس لحضوره مع تتالي الأعداد وتعاقب وصول المقالات!
اعتاد أن يرسل مقالاته عبر ثلاثة أشخاص، هم الدكتور أحمد الصعدي، زميله في كلية الآداب بجامعة صنعاء، أو شقيقه الذي كان غالباً يحملها إلى مقر «النداء»، والأستاذ القدير عبدالعزيز الزارقة، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي. وأحياناً تسلم لي باليد من قبل الأستاذ أحمد كلز، القيادي في حزب التجمع الوحدوي اليمني، أو الأستاذ عبدالباري طاهر، نقيب الصحفيين الأسبق.
مقالاته مكتوبة بخط يده، وخطه شديد الحدة صعب القراءة لمن لم يألفه. ولما كانت مقالاته تصل، غالباً، مساء الثلاثاء (وعادة بعد الثامنة مساء)، أي قبل ساعات من إرسال العدد إلى المطبعة، بما يرتب ضغطاً على الطاقم الفني والمدقق اللغوي المناوب. وهذا الأخير يجد نفسه أحياناً عاجزاً عن قراءة كلمة ما، فيضطر إلى الاجتهاد في انعدام أية وسيلة للتواصل معه ليلاً.
في مساء أحد الأيام اتصل بي الأستاذ عبدالعزيز الزارقة، يدعوني لمقيل في منزله في اليوم التالي، لأن الدكتور السقاف يريد أن يناقشك في موضوع يشغله. ذهبت بعد الغداء إلى منزل الزارقة في المدينة السكنية بحدة. كانا وحدهما ينتظرانني. دار حديث في شؤون يمنية وعربية، وعرجنا على مسألة حقوق الإنسان في اليمن والمنطقة قبل أن يسلمني السقاف ملفاً يضم كل ما يخص قضية طالبة الثانوية بسمة الزغير، المتهمة ظلماً بقتل أبويها.
كان محمد سالم الزغير رجل أعمال معروفاً، وهو مالك مطابع الجيل، حيث تطبع صحف معارضة وأهلية. اعتقلت بسمة فور مصرع أبيها وأمها. ثم إن اهتمام الرأي العام بالقضية تلاشى بعد أسابيع. قال لي إنه يقدر الدور الذي تؤديه «النداء» دفاعاً عن ضحايا القمع والفئات الضعيفة في اليمن. ثم بادرني بسؤال ظريف: «سامي، هل هناك قطيعة بين المدقق اللغوي للنداء وخفة الدم؟».
أوضح لي أنه يسخر من الحكام إذ يضيف إلى «اليمن السعيد» كلمة «بحكامه»، فيصير التعبير التهكمي هكذا: «اليمن السعيد بحكامه»، وهو تعبير كرره في مقالات لاحقة. قال لي ان المدقق اللغوي لم يستسغ التعبير التهكمي فقرر ان اليمن سعيد "بمكانه" وليس "بحكامه"!
 
عمل طارق السامعي بدأب على إنجاز هذا الكتاب وإخراجه في شكله النهائي في أبريل 2025. ولسوف يدهش القارئ وهو يقرأ مقالات كتبت قبل 20 عاماً تناقش قضايا، محلية وإنسانية، يعيشها الآن، بعمق ولكن أيضاً بخفة الكتابة الصحفية للناس عامة، في مواءمة مذهلة بين رصانة المفكر ورشاقة الكاتب الصحفي.
بقي أن أشير إلى أننا حرصنا على احترام ما تجنب السقاف إلصاقه باسمه من أوصاف وصفات من شاكلة الدكتور والمثقف والمفكر والفيلسوف. والحق أن كل هذه المفردات لا تضيف إلى اسمه ما يزيد على رسمه.
 
 *نص تقديم كتاب "ابوبكر السقاف- المقالات والتعريفات"
 
لقراءة الكتاب وتحميله يمنكم زيارة هذا الرابط:
 
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً