صنعاء 19C امطار خفيفة

الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024م والوضع المضطرب في المنطقة

أ. الانتخابات الرئاسية الأميركية 5 نوفمبر 2024م:

 
حتى يتذوق الرئيس الأميركي المنتخب عسل الشهد الانتخابي، عليه انتظار البيان الرسمي بالفوز. وعندها تدق طبول الاحتفائية من قبل الحزب الفائز، لكنه من يدري أن هذا الفوز قد يتحول حنظلًا أمام المشاكل، والمصاعب غير المتوقعة.
 
وبصرف النظر عن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، أو فوز المرشح الديمقراطي كاميلا هاريس، فإن السياسات الخارجية تظل محكومة من جماعات الضغط الصهيونية، ناهيك عن أن "مجلس الشيوخ" يلعب دورًا بارزًا متحكمًا بأي قرار استراتيجي يتخذه الرئيس أو مجلس النواب في المسائل ذات الأهمية، وإنما لا يلغي سلطة الرئيس في كل القرارات التي يريد أن يصدرها بموجب تخويل دستوري له في بعض المسائل التي تخدم السياسات العليا الثابتة للأمن القومي الأميركي، ولكن كل هذا لا يمنع من أن يتشاور مع إدارته ومع جهات ذات علاقه بالأمن القومي قبل اتخاذ القرار وتنفيذه.
على كل حال، يمكننا أن نؤكد، فوق ذلك كله، أن عمل الرئيس لم يكن في النهاية أكثر من وظيفة "مدير عام" في إدارة "البيت الأبيض"، ولأربع سنوات، وله الحق في أن يرشح نفسه لولاية ثانية، وأخيرة.
 
من المعتاد، أن نجاح أية إدارة من الإدارتين في الانتخابات، مرهون بما تقدمه من خدمات في الشؤون الداخلية للشعب الأميركي، في مجالات عدة، منها التوظيف (معالجة البطالة)، والرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، والتأمينات، والتعليم، وكل ما يتصل بشؤون المواطن الأميركي، والوضع يختلف بالنسبة للشؤون الاستراتيجية (ما وراء البحار)، الهدف منه تعزيز التفوق الاقتصادي، والعسكري، والأمني الأميركي في العالم.
 
وفي هذا السياق، لا يختلف الأمر بين عمل "الإدارتين" في التوجه والهدف، فكلاهما تكملان بعضهما البعض، وإن اختلفت طريقة التنفيذ، والغاية هي تمكين المصالح الأميركية في العالم دون عوائق.
 
الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة الأميركية، أصبحت تدير العالم أحاديًا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق ومنظومته الاشتراكية، (1989/1990م)، بعد تنافس اقتصادي بين النظامين دام 70 عامًا، وتمت الغلبة في النهاية للنظام الرأسمالي (حلف الأطلسي) على النظام الاشتراكي (حلف وارسو).
 
في واقع الأمر، خرجت أميركا منتصرة في الحرب الباردة، ولم تجد أمامها سوى الصين كمنافس اقتصادي قادم بقوة.
إنها الصين التي اختطت منهجًا اشتراكيًا مغايرًا للاتحاد السوفييتي، يتمثل بالوسيط التجاري (الكمبرادورية)، حتى قيض الله لها نفرًا من بنيها تمكن من إخراجها من عزلتها إلى العالم بعد عام 1969م (الثورة الثقافية)، فشهدت تطورًا اقتصاديًا ارتقى مع مرور السنين إلى منافسة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في غزارة الإنتاج. ومن المتوقع أن يتطور ليبلغ غايته خلال العقود الثلاثة القادمة.. مع العلم أن كفة الميزان التجاري السنوي لصالح الصين على الدول الغربية.
لذلك، لجأت الولايات المتحدة الأميركية إلى محاولة كبح رسن المارد الصيني، وإثنائه عن إحكام قبضته على الممرات الاستراتيجية في العالم، ومضايقته التجارية والاقتصادية في المناطق الغنية باحتياط النفط والغاز والمعادن الأخرى، بغية الحد من برنامج الطموح الصيني في المنطقة العربية، المتمثل بمشروع طريق الحرير.
 
ومن هذا المنطلق، كرست الولايات المتحدة الأميركية نفسها بإجراء ما يمكن لعرقلة تقدم الصين لأمد أطول مما كان يتوقع له، بحيث يكون هذا القرن قرنًا اقتصاديًا أميركيًا صهيونيًا بامتياز.
ولهذا الغرض، سبق أن صاغت الولايات المتحدة الأميركية في الثمانينيات من القرن الماضي "مشروع الشرق الأوسط"، للسيطرة على المنطقة العربية ذات الموقع الاستراتيجي، والزاخرة بمواردها وثرواتها، والحد من تنافس الصين.
 

ب. الوضع المضطرب في المنطقة:

 
في واقع الأمر، إن اليمن وقعت فريسة لأطماع خارجية للظفر بجزرها، وموانئها، وبناء قواعد عسكرية عليها، بذريعة محاربة القرصنة، والإرهاب.
ويرى مراقبون أن الأوضاع اليمنية الداخلية لا تبشر بخير، وبالمناسبة ذكرني هذا الوضع بقول الكاتب والشاعر اليمني المبدع مطهر الإرياني:
"يا قافلة عاد المراحل طوال
وعاد وجه الليل عابس
يا قافلة رصي صفوف الرجال
واستنفري كل الفوارس"
كل ما في الأمر، أنه يتضح يومًا بعد يوم محاولة تجريف الجزر اليمنية، وإحداث تغيير ديموغرافي، للاستيلاء عليها، إما من خلال الاستفتاء كما هو الحال في مستعمرة "جبل طارق" بين إسبانيا وبريطانيا، ومستعمرة "جزر الفوكلاند -ماليناس" بين الأرجنتين وبريطانيا... الخ، أو من خلال الاستثمار المفتوح الطويل الأمد للولايات المتحدة الأميركية في "غوانتانامو" في كوبا، و"دييغو جارسيا" في موريشيوس.
 
قمين بالذكر، أنه لا يوجد هناك ما يمنع وبالطرق الرسمية المتعارف عليها دوليًا، أن يتم التفاهم بين اليمن وتلك الدول على أن باب الاستثمار مفتوح لكل الدول الشقيقة والصديقة، ومن شاء أن يستثمر فأهلًا وسهلًا به، ولكن حسب قانون الاستثمار اليمني، عدا ذلك أمر مستحيل، يرفضه، ويلفظه الشعب اليمني.
 
وما يجري اليوم في الجزر اليمنية، يشكل اعتداء سافرًا على السيادة اليمنية، كما يعتبر تحديًا صارخًا للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن.
حقيقة الأمر، إن اليمنيين تعلموا درسًا علقمًا، في أحلك ظروف شهدتها اليمن في تاريخها، لن ينسوه أبدًا، وبخاصة في ظل فرقة، وانقسامات، وفساد مستشرٍ.
 
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك من بصيص أمل يرتجى بمراجعة النفس، وحسن لقاء يجمع الفرقاء اليمنيين، تسود فيه الحكمة، وتغليب المصلحة الوطنية من أجل خاطر اليمن قبل يبابها؟
فلا أدل من تعبير على واقعنا الحالي كيمنيين سوى قول العلامة الإمام الشافعي، طيب الله ثراه:
"نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضًا عيانا"

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً