كمهتمين ومتابعين لشعر المحضار، وهذا الاهتمام والمتابعة لا نعده شيئًا، بل إن أردتم اعتبرونا من المتابعين والمهتمين من الدرجة الأخيرة.
كثيرًا ما تشدنا من دواخلنا التساؤلات المحضارية التي هي الأخرى دومًا ما نرى المحضار يطلقها في مقطوعاته الشعرية، خصوصًا مطالعه الشعرية الجميلة لكثير من قصائده.
وهنا ندعوكم جميعًا لنستمع لشيء من تلك التساؤلات في إحدى قصائده العذبة، وفي مطلعها الشعري العذب الرقراق يقول بومحضار:
وشكم بعد غيبتكم
يا حلان في الغيضه
وصفوا الناس طيبتكم
واياديكم البيضا
وقالوا كل شي عندكم زين
وقالوا في ثراكم دواء العين
ونا محروم حتى من الشوف
طريق أهل الهوى كلها نوف
ولا جاذب قريبة ولا حوف
طريق أهل الهوى كلها نوف
هذا المطلع الشعري الجميل لقصيدة نجزم القول إنه مضى عليها من الوقت الشيء الكثير.
وكذلك مضى على رحيل قائلها وقت لا بأس به قد يتجاوز العقدين وأكثر.
المطلع رغم تباعد سني ولادته، إلا أنه يظهر كأنه وليد هذه اللحظة، وما كان لهذا الحضور أن يكون لولا اكتنازه واحتفاظه بكل مكونات جماله وروعة تناسقه الشعري المحضاري الذي اعتدناه في شعر أبي محضار.
هذا المطلع يحضر بقوة كلما لمحنا أحدًا من أهل تلك الأرض الجميلة بجمال طبيعتها الخلابة وطيبة أهلها وكرمهم اللامحدود، إنها أرض المهرة الساحرة بكل شيء، خصوصًا بجمالهم وصفاء قلوبهم.
وهذا المقطع دون غيره من يثير فينا حالة من الإثارة والانبهار والتشويق لما بعده.
مع أن المحضار يسأل ويتبع تساؤله بشيء مما يتناقله الناس القادمون من هناك، الذين يصفون الطيبة والأيادي البيضاء، مع وجود الأشياء الزينة المحببة لكل إنسان
هو بيت شعري واحد من ضمن قصيدة بها أبيات كثيرة، كل بيت يتفوق على سابقه بما يحمله من المعاني والوصف الآسر الذي يجرك جرًا لتتبع ما بعده.
فنغمس أنفسنا أكثر ونتخيل، بل نترك الخيال جانبًا، ونجعل أنفسنا نعيش الواقع لا الخيال في تلك الأرض، ونردد هذا القول:
وصفوا الناس طيبتكم
واياديكم البيضا
وقالوا كل شي عندكم زين
وقالوا في ثراكم دواء العين
وماذا عسانا أن نقول مع هذا الإبداع المحضاري.
نقولها صراحة نقف عاجزين وخائري القوى، وليس لنا من قول إلا تواتر حالات الإعجاب والانبهار بما أمامنا من شعر باذخ الجمال.
المحضار لم يكتفِ بتقييد حركتنا، بل إنه عطل كل الحواس، وتركنا حيارى أمام ما قاله من قول إبداعي متفرد.
وإن كان لا بد لنا من الرد، فسنرد على المحضار ومن شعره الغزير، أليس هو القائل ذات مرة في مثل ما نحن فيه الآن في مقطع شعري قديم في إحدى قصائده القديمة:
وادمى جراحي
وعطل علي كل النواحي
وخلى الجسد ظاهره صاحي
وباطنه مضرور
هذا حالنا أبا محضار.
فنواصل الاستماع والاستمتاع بالبيت الآتي الذي أباح فيه المحضار أمنية في اللقاء بمن هم هناك الذين دون غيرهم من حركوا مشاعره وأحاسيسه للبوح بأمنية اللقاء بهم، إذ يقول:
ودي نلتقي معكم
ولا ربشه ولا فوضى
بداوه ع سجيتكم
عرب ما تعرف الموضه
وهنا في الشطرين الآتيين يظهر المحضار الموانع في عدم اللقاء بقوله:
ولكن الفرص ما يسمحين
وأحوال الزمن ما يتمين
لقن في وسط ظهر الجمل سوف
كل هذا الكم الإبداعي المحضاري يظهر في البيتين الأولين، فننظر للبيت القادم الذي من خلاله ينقلنا المحضار من مطارحنا هنا في حضرموت، إلى المهرة والعاصمة الغيضة، لنرى ما لهم من خيرات أرضهم الغنية بالخيرات الكثيرة.
تلقي زرع جربتكم
طمت ع الحبس والروضة
ونا قسمي بذمتكم
لقو لي قسم في غوضه
ولو تبغون في القرص ميتين
أنا ماباها قرضة ولا دين
ثقوا وستامنوا ليش ذا الخوف
طريق أهل الهوى كلها نوف
ولا جاذب قريبة ولا حوف
المحضار لا يريد أكثر من طعمه شي من ثمار تلك الجربة في أرض المهرة التي تخطت الحبس والروضة في وفرة ثمارها.
والحبس والروضة هما مزرعتان من خيرة مزارع ساحل حضرموت.
المحضار سيدفع نقدًا، ولا يريد القرضة أو الدين، مع تنبيه لهم بألا يدعوا للخوف طريقًا في السيطرة عليهم، ويتمكن منهم، بقوله:
ثقوا وستامنوا ليش ذا الخوف
لن نتوغل أكثر في هذه القصيدة الرائعة حتى لا نفسد عليكم فرصة القراءة في كل ثناياها لتعرفوا مدى عبقرية المحضار الشعرية.
فكلما توغلنا أكثر في هذه الرائعة المحضارية، ازداد الشوق والرغبة الكبيرة للمضي قدمًا في كشف كثير من التفاصيل التي احتوتها هذه القصيدة.
لكن نكتفي بما تقدم على قلته لعله يعيد للبعض شيئًا من تلك الأيام المحضارية الجميلة التي رحلت مع صاحبها ولم يتبقَّ لنا منها إلا الحنين والتذكار الجميل لها ولصاحبها أبي محضار، عليه رحمة الله.