يمر الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، ومن البحر الأبيض المتوسط إلى بحر العرب، في أعقد مرحلة تاريخية، فلا تخلو دولة عربية من اضطرابات، وفتن، وتدخلات في شؤونها الداخلية إقليميًا، ودوليًا، في حين يشن الكيان الإسرائيلي الصهيوني حرب إبادة جماعية على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، مسببًا مأساة مآسي الزمن العربي.
وفي هذا السياق، يستحضرني بعض أبيات للشاعر الفلسطيني الغزاوي الدكتور بسام مهرة:
يا ساكني خيم النزوح تمهلوا
وكفكفوا الدمع إن الدمع يؤذينا
عام من التهجير نشكوه ويشكونا
ما ظل في غزة مأوى ليؤوينا
كل المنازل بالقذائف دمرت
والشعب أصبح حيرانًا ومحزونا
وما إن أكملت كتابة هذه الأبيات المؤسفة، دار في خلدي ذكر بعض أبيات من الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي، مخاطبًا نائح الطلح:
يا نائح الطلح أشباه عوادينا
نشجى لواديك أم نأسى لوادينا
فإن يك الجنس يا ابن الطلح فرقنا
إن المصائب يجمعن المصابينا
لما ترقرق في دمع السماء دما
هاج البكاء فخضبنا الأرض باكينا
من الجدير بالذكر، أن بعض الدول العربية، في مقدمتها مصر وقطر والسعودية والأردن، وكذا الأمانة العامة لجامعة الدول العربية برئاسة معالي السيد أحمد أبو الغيط، قامت وماتزال بمساعٍ حميدة خلال الفترة (أكتوبر 2023م -أكتوبر 2024م)، لوقف الحرب المستعرة بين إسرائيل والمقاومة (حماس) وجبهة المساندة حزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي، وإطلاق سراح الرهائن، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة بما فيه معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر ومحور صلاح الدين، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وحل الدولتين.
وقد أكد السيد أحمد أبو الغيط موقف الجامعة العربية، أثناء زيارته الرسمية إلى لبنان، يوم 21 أكتوبر 2024م، على النحو الآتي:
- أهمية انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي احتلتها أو دخلتها.
- ضرورة التوصل لوقف النار الفوري في لبنان.
- أن يحصل لبنان على ضمانات بألا تعاود إسرائيل هجماتها.
- احترام سيادة لبنان وأمنه واستقراره، ورفض أي تدخل أجنبي في الأراضي اللبنانية. والتنبيه من خطورة الاعتداءات الإسرائيلية على الأمن القومي العربي.
وإزاء تلك التحركات الجادة، لم يلتزم الجانب الإسرائيلي بأي منها، بل استمر في إصراره على مواصلة الحرب والقضاء على المقاومة وأعضائها.
في واقع الأمر، إن جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي المغتصب للأراضي الفلسطينية منذ 1948م، وحاليًا في قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، ومعها لبنان، وفرض النزوح القسري على السكان، بمساندة صهيونية غربية، إنما هو بداية تنفيذ مشروع توسعي صهيوني في المنطقة وفقًا لخارطة الشرق الأوسط الجديد. كل ذلك يحدث في وقت ترزح فيه دول عربية في أتون مشاكل لا حصر لها، وبما يتيح فرصة للتدخلات الخارجية لتنفيذ وتسريع صياغة دول المنطقة بداية حلقاته تصفية القضية الفلسطينية.
يقينًا، إن ما يحدث من انتهاكات وجرائم إسرائيلية يومية، لا تهتز لها شعرة من قيم إنسانية وأخلاقية لدى الحكومات الغربية، وبخاصة الإدارة الأميركية، كما لا يعير لها الكيان الغاصب شروى نقير من مبالاة.
ولا مراء، إن الوقت قد حان للزومية التحرك على كل المستويات للوقوف أمام القوة المفرطة للكيان الإسرائيلي الصهيوني على الأراضي العربية في فلسطين ولبنان.
حقيقة الأمر، إن الموقف العربي، رغم ما تبذله بعض الدول العربية من جهود في إيجاد حل لمشكلة الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أنه لا يبعث في النفس الطمأنينة، لأن دولًا عربية أخرى منشغلة في معالجة أوضاعها الداخلية، والبعض الآخر منها يغرد خارج السرب.
من المؤكد، أن العرب يقابلون وضعًا خطيرًا في تاريخهم، وهم سامدون أمام كل ما يجري حولهم من مخططات وتآمرات استعمارية للسيطرة على ما يمتلكون من مقدرات وإمكانيات.
وللتأكيد، وبكل أسف، إن ما يحدث في دول عربية من فتن ومشاكل داخلية، يفقد العرب القدرة على مجابهة الاعتداءات الإسرائيلية التوسعية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
خلاصة القول، إن هناك فرصة تسنح للخروج من هذه المحنة التي ألمت بالعرب، وهم قادرون على تجاوزها إذا ما توفرت الإرادة القوية والنوايا الحسنة تنسيقًا وتعاونًا، قبل فوات الأوان، ولات ساعة مندم.