صنعاء 19C امطار خفيفة

كان يمسك الجدار في أعياد الثورة: أبو صلاح في رحاب الله!

2024-09-25
كان يمسك الجدار في أعياد الثورة: أبو صلاح في رحاب الله!
العم أبو صلاح رحمه الله ريشة رقمية النداء

مات العم أبو صلاح في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأربعاء 25 سبتمبر. 

يوم حزين! 

كل أولئك الذي عرفوا صاحب المكتبة التي تحمل اسم ابنه صلاح (مكتبة ابو صلاح) وترددوا على مكتبته طيلة 4 عقود يدركون أن الفقد كبير .. وحزين. 

شخصيا، شعوري بالفقد مضاعف فالرجل ومكتبته كانا أهم مصادر تنشئتي، وقد كان بمثابة "الأب الثاني" ففي مكتبته  امضبت ساعة على الأقل من مساءاتي في سنوات الثانوية، ثم لاحقا، أمسى أبو صلاح موضع وجهة يوميا اثناء عملي الصحفي. 

كان هو مثار الدهشة الصنعائية الاول، قبل ظهيرة يومي الأول في بيت الأسرة في حارة الزراعة اواخر السبعينات؛ كان لدينا جاران من قرية والدي ويسكنان هما وأسرتيهما في البيتين الملاصقتين لبيتنا، هما، على التوالي، حزام محمد مقبل (أبو صلاح) ومحمد حمود الهكري (الموظف في البنك المركزي). والرجلان كانا يذهبان إلى عملهما صباحا او يقضيان مشاويرهما، مساء، بالدراجة الهوائية (السيكل)، واستمرا في استخدامها 30 سنة على الاقل. في مدينة تعز، حيث طفولتي، كان السيكل وسيلة تسلية لا اكثر؛ إذ أن طبيعة المدينة، جبال وتلال ومنحدرات لا نهاية لها، لا تتيح استخدام السيكل للذهاب إلى المدرسة مثلا، أو لقضاء المشاوير. 

كان أبو صلاح يغادر إلى مكتبته باكرا، ساعة ذهابي إلى المدرسة. وفي أيام الاجازات والجمع ادركت انه يذهب يوميا بدراجته بعد 3 او اربع ساعات في المكتبة،  إلى سوق القاع لشراء مستلزمات الغداء لإعداد الغداء في البيت (يشرك أي يشتري لحمة باللهجة الصنعائية). 

يصلح ابو صلاح ومكتبته مصدرا للباحثين في الدراسات الاجتماعية لمدينة صنعاء، وهو وأخيه الذي يكبره يصلحان مصدرا لدراسات التحولات في اليمن ككل، فأخوه عبده محمد مقبل يرحمه الله، هو صاحب مكتبة "الوعي الثوري" في شارع 26 سبتمبر في تعز، وهما إبنان نجيبان لثورتي سبتمبر (1962) وأكتوبر (1963)، إذ أن علاقتهما ببيع الكتب والمجلات بدأتا في مدينة عدن حيث عملا في كشك لبيع المجلات والصحف قبل ان ينتقلا أواخر الستينات ومطلع السبعينات إلى تعز وصنعاء. 

على ذكر الثورة اليمنية لم تكن أعياد ثورتي سبتمبر وأكتوبر  سنويا لتمر دون لمسات ابو صلاح شديدة العمق. في اعياد ثورة اكتوبر بالذات كان له قفشته التي تجعلنا، كبارا وصغار، ننفجر ضاحكين، فهو - يؤكد- من ابطال ومناضلي الثورة الاكتوبرية المجيدة. وما هو دورك يا أبا صلاح؟ نسأله بإلحاح. يجيب بهدوء وبنبرة واثقة: كنت واحدا من الذين يمسكون الجدار وقوفا! 

تستدعي الصورة قليلا من التفكير قبل ان تنطلق الضحكات! 

وإذا، فإن ابا صلاح يزعم لنفسه بطولات وأدوارا ثورية لمجرد أنه كان أحد اولئك الذي تستوقفهم دوريات المستعمر الإنجليزي لتفتيشهم ووجوهم الى الجدار وأيديهم مرفوعة عاليا. يالها من قفشة! 

أعان الله على فقدك شريكة حياتك أم صلاح وإبنتيك أروى وأشواق، وابنك الأخ العزيز صلاح. والعزاء لأخيك (وزوج أختي الكبرى) الأستاذ القدير أحمد محمد مقبل (أحمد الشيخ)، ولحفيداتك وأحفادك، وجيرانك وجاراتك كافة، ومحبيك وإلى مرتادي مكتبتك الصغار  الذين كانوا … والكبار.

وداعا حبيبنا ومعلمنا وأبانا .. وداعا "أبو صلاح".

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً