الغنّامي اسم لمع طويلًا في عالم المال والأعمال محليًا، وامتدت شهرته إلى كوريا وبريطانيا واليابان..
إطارات "بريدجستون"، "يوكوهاما" و"دنلوب"، وأشهر بطاريات "كلورايد" المشهورة عالميًا، سم بريك "لوكهيد"، وأشهر البلاكات، ومختلف وكالات العالم لقطع غيار السيارات...
نسبة كبيرة جدًا من سوق قطع غيار السيارات والإطارات، كانت تتبع بيت الغنامي... إمبراطورية الغنامي امتدت من عدن إلى محافظات ومدن الشمال..
كيف كانت البداية؟
عقلان سعيد الغنامي، الركن الأول للبناء، كان يذهب إلى الصومال للتجارة، ويعود إلى قريته "المِهدار" قدس حجرية، حيث كان فيها محمد سعيد شقيقه...
انتهت مرحلة الصومال ليبدآ مرحلة جديدة في القرية، بواسطة الحمير طافا أسواق المنطقة من "غُبَيرة" إلى سوق "الأحد" إلى "الاثنين" و"الربوع" و"الثلوث"، كانت الحجرية تلك الأيام أسواقها تشهد الناس والتجار طوال أيام الأسبوع، باستثناء الجمعة، وكانت "المصلى" نافذتهم إلى البحر عدن، حيث الحلم هناك سكن...
واصل الأخوان بدايتهما الحقيقية بجهد لا مثيل له، وعرق عرفت الطرق لمن يعود طوال سنوات، وعلاقة إنسانية سنبين بعض ملامحها في الأسطر القادمة، قلّ مثيلها...
بدأت المرحلة الثالثة بهبوط محمد سعيد الغنامي وابن أخيه غالب عقلان، إلى عدن، ليرتاح عقلان في القرية بعد سنوات الجري في كل اتجاه...
ذات مساء دلفت من باب ذلك البيت المشهور الذي تحته لوحة عمرت طويلًا، حتى سرقت عدن الحلم من قلوب الناس وعقولهم "الغنامي لقطع غيار السيارات"، الـ"سبير بارتس" كما كان يردد أحد أشهر السواقين "أحمد باولة"...
بدأ غالب الغنامي وعمه بالزيوت، في الجانب الآخر كان هائل سعيد غير بعيد، هو الآخر، يسجل ضربة البداية... والمهيمن على عدن تلك الأيام الأربعينيات، كان "البس"، ذلك الفرنسي الذي صنع من أولئك القادمين من قرى الشمال، بأمانتهم، تجارًا كبارًا... كان جزاؤه في ما بعد "التأميم" العشوائي، لكنه كان فرنسيًا ذكيًا يدرك ما لم يدركه من أممت ممتلكاتهم ومتاجرهم التي أوجدوها وأسسوها بعرق جباههم!
استطاع بعد أن أفلت من السجن بضمانة هائل سعيد الذي لم ينسَ جميله، حيث لاحظ أن هذا الرجل القادم من الأعروق أمين وفي، يأخذ من بضاعة البس، ولا يتأخر في التسديد، هنا أشار البس على مدرائه أن افتحوا المخازن للسعيد هائل الذي لم ينسَ المعروف، فضمنه في ما بعد في إثيوبيا من السجن، ليخرج، وبالقانون الدولي استعاد ما خسره نقدًا! هكذا تقول الحكاية.
قال عبدالعزيز الغنامي، وهومن الجيل الثالث:
تخيل، كان هذا البيت الصغير يكفينا كلنا! البيت في كريتر، وتحته الدكان "مستودع الغنامي"، وعلامة إطارات بريدجستون المشهورة بادٍ للعيان، استمرت تلك اللوحة مثبتة حتى بعد التأميم سيئ الذكر، والذي نهب حق الناس الذين أسسوه بعرقهم وجهدهم... يواصل عبدالعزيز: أسرة جدي، وخالتي وعمي نعمان وأسرته ومن يأتي من البلاد، بني البيت الشاهد على مرحلة كانت عدن فيها تاج الحلم على النمط الهندي دارة وغرفة وحمام...
قلت ربما كانت أنفس الناس هي الطيبة، مثلما كان يردد اليمني:
"النَّفَس في القلوب".
من ذلك الدكان توسع الغنامي، وكبر، وأصبح يشار إلى الاسم بالبنان، انضم نعمان إلى غالب، وأولاد محمد سعيد كبروا:
علي
عبدالله
وسعيد اتجه إلى الدراسة
وكذلك صلاح
أما العم عقلان فقد استقر في القرية
من عدن ذهب اسم الغنامي إلى تعز، وهناك وتحت أول عمارة في شارع 26 سبتمبر "عمارة الغنامي"، افتتح عقلان ومحمد سعيد "مستودع القنال" تيمنًا ربما بأحداث مصر وتأميم قناة السويس...
أدار معرض الإطارات وقطع غيار السيارات، ويقف في الشارع بابور "الفورد" الذي اشتهر أيام ما كانت تعز تخرج مستقبلة السلال إلى المطار الغربي، لا يتردد أحمد الغنامي في أن يطلب من "خلاّف" أن يذهب بالطلبة إلى الاستقبال، وخلاف شخصية كاريكاتورية كان من علامات الشارع...
استمر مستودع القنال حتى توفي أحمد الغنامي، ليستقل الجنوب اليمني، ويأتي الاستقلال بكارثة التأميم التي نهبت جهد الناس وعرقهم...
كان الغنامي بنى عمارة مقابلة للقديمة المشهورة، وتحتها افتتح الحاج محمد سعيد وعقلان معرضًا كبيرًا أداره عبدالله محمد سعيد الغنامي، ليتمدد الغنامي إلى الحديدة، ويتولى علي محمد سعيد إدارة الفرع، وإلى صنعاء ذهب نعمان، وبنيت عمارة في باب اليمن، وفتح معرض صنعاء...
تأثر محمد سعيد بما جرى من قبل التأميم سيئ الذكر، فكنت تسمعه كل صباح وهو جالس في بوابة المعرض الكبير، يردد وبلهجة الحجرية:
"لو بِه لبن شِحْلُبه سالم"، كان يقصد سالم ربيع علي.
زادت شهرة الغنامي حتى خيل لمن يعرف الحديدة في السبعينيات أن نصف شارع صنعاء كان للغنامي...
لم يشهد أحد -حسب العلم- علاقة كما كانت علاقة عقلان بمحمد سعيد.. علاقة إنسانية ليس لها شبيه... حتى توفي عقلان.. جلس محمد سعيد في بوابة مقبرة ماجل الدمة يدعو ربه:
"خذني بعده"، مجرد أشهر حتى سقط مريضًا، ذهبوا به إلى ألمانيا، عاد ليتوفى ويلحق بشقيقه...
لم يتنبه الجيل الثاني إلى أهمية الإدارة، فكان ما كان..
وفي القرية ظلت "دابة" عقلان البيضاء أثره الذي استمر حتى توفيت.
كانت طفولتنا تجبرنا على الجري وراءه كل صباح، وسط خضرة كدرة قدس التي لا تنتهي...
أمثال عقلان ومحمد سعيد يفترض أن تكتب سيرتهما كملهمة للأجيال.
قليلون من يدركون أهمية ذلك.