رحل والده في حادث سير مؤلم، فما كان أمامه من خيار إلا تحمل المسؤولية بحكم أنه أكبر إخوته.
والمسؤولية ليست كما يظن أو يعتقد البعض، أنها مسؤولية عادية مختصرة في رعايته لإخوته واهتمامه بهم، بل هي مسؤولية كبيرة تخطت هذا الظن والاعتقاد.
إذ إنه باتت عليه مسؤولية كبيرة، وهو تزعمه لقبيلة، وهو ذلك السن الشبابي، بحكم أنه والده كان مقدم قبيلة.
وكما هو معروف للجميع أن أغلب القبائل إن لم تكن جميعها، تعاني من المشاكل الكثيرة، ومن تزاحم الزعامات، ففي كل قبيلة أكثر من مقدم قبيلة وشيخ، وهذا ما جعل تلك القبائل في معضلة هذا التزاحم والأشياء الدخيلة عليها.
سالم مبارك الفتى الصاعد من رحم المعاناة وحزن الفقد، أي فقد والده، بدأ خطواته الأولى في إجماع الناس في قبيلته على كلمة سواء، وهذا التوجه ينم عن أن الرجل يمتلك الذكاء الكافي، وصاحب رؤية مستقبلية بعيدة المدى.
فإصلاح البيت من الداخل هو المهم جدًا، ومتى ما صلح البيت كانت الانطلاقة موفقة، وكانت النظرة للبعد مواتية وذات التفكير الجدي، وبعدما تأكد له أن أبناء قبيلته تحت إمرته في الصالح العام، وفي ما يخدمهم ويخدم الناس من حولهم، بدأ خطوته الثانية، وهي خطوة مشرفة له ولقبيلته، وحظيت هذه الخطوة بالتأييد والمناصرة في كل مكان، كيف لا يكون سالم مبارك هكذا، فهو لم يلاقِ نفسه في دولة تحافظ على حقوق مواطنيها، وتعطيهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، وبما أن الخدمات الضرورية في هذا البلد باتت شبه معدومة، من كهرباء ومياه وصحه وطرقات وأشياء أخرى كثيرة، فنهض سالم مبارك يتقدم الصفوف، ومعه بعض الخيرين من الشرفاء والمخلصين من أبناء وادي عمر بمديرية الديس الشرقية، مطالبين بحقوق مديريتهم من خدمات.
هذا النهوض الديسي المتوقع كان صادمًا جدًا للسلطات المحلية، مع أنه في محله، ومن صميم الواقع المرير الذي يعيشونه بوجع لا يوصف.
فما كان من هذه السلطة إلا التخبطات في التعامل مع ما خرج من أجله سكان مديرية الديس الشرقية، فبدلًا من تفهم مطالب الناس، ومحاولة تلبيتها، ظهرت هذه السلطة بوجه أكثر عنفًا وجبروتًا، فقامت بتجييش الحدث المدني الحضاري، وتحويله، بل قلبه رأسًا على عقب، فاعتقلت الكثير من المشاركين في هذا الخروج.
هذا الوجه من سالم مبارك هو الذي عرّف الناس البعيدين والقريبين أن سالم مبارك هو الصادق والمخلص ليس لأبناء الديس الشرقية وحدهم، بل لعموم أبناء حضرموت، وهذا الصدق والإخلاص لم يتزحزح عنه قيد أنملة، فمازال على عهده وإخلاصه لأهله وناسه في حضرموت، بعيدًا عن محسوبية القرابة وما إلى ذلك من كلام، بل بشيء من الصدق.
ألم تروا معي أن سالم مبارك أحدث تغييرًا كبيرًا، وأبعد مسألة الخوف من التبعات لما قد يقدم عليه سكان كثير من المديريات المحرومة من الخدمات؟ وهذا ما نتوقعه منهم، فالكل يتوجع، والكل يتألم.
فاليوم الكل مدعوون للنهوض والاستقامة، فالوقت من ذهب، فلننهض جميعًا، ونترك غبار الذل والمهانة، والأعمار بيد الله، ومن عمره بالمائة ما مات بالسبعين.
بقي أن نقول تحية من القلب لهذا الرجل الذي علمنا كيف تنتزع الحقوق بالطرق السلمية المتعارف عليها بعيدًا عن الشطحات والغلو في الأفعال.
فسر وثق أن مسيرك يلاقي المحبة والإعجاب الكبير، وهو -أي مسيرك- ما سيجعل الجميع يقترب منك.