وقع في نفسي وقعًا محزنًا، الخبر المحزن الذي قرأته منذ قليل عن رحيل العدني الكبير نديم بغدادي، رحمه الله.. من كبار الأولد تايمرز العدنيين.. عاش حياة عدنية صميمة مثل أي تاون دويلر ذرع طرقات كريتر وشوارعها وحوافيها وحفيصاتها بالطول والعرض.. ولم يمل من الحياة.. ولا الحياة ملته!
منذ عام لقيته في كافتيريا، أو بوفيه ركن الزعفران المسمى "بكرة بلاش"، حيث كنت بقوة العادة أتناول فنجان شاي العصاري اليومي.. استوقفته ودعوته، تعال يا نديم.. فوطة طويلة وشميز مفتوح الزرار وشال روشاني حول رأسه: تعال يا نديم! طلع عتبة البوفيه بسهالة.. وجلس في المقعد المقابل: شاي حليب وإلا أحمر وإلا نيسكافيه؟ أخذ يتفرس في وجهي الشائب الذي رسمت سنو العمر أخاديدها عليه.. تفرس في وجهي.. تفرس كثيرًا! وسألته: ما لك يا نديم؟ تشتي تلتقط لي صورة؟ قال: اصبر اصبر.. عيني مليانة منك! مشي أنت العولقي؟ سعيد عولقي؟ وإلا أنا غلطان؟ أكدت له: نعم إنه أنا.. كيف أحوالك؟ قال: والله زيما تشوف.. يوم بصل.. ويوم كسل.. ويوم صانونة هواء.. إيييييه.. فين الأيام؟ تذكر سنين الحديد اللي كنا نجلس به قدام مقهاية كشر؟ أيام ما كنت تجي من الشيخ ببابورك الأوستن موريس ميني.. الله على ذاكرتك المليحة يا نديم.. أيوه.. نجلس فوق حاجز الحديد، ويجيب لنا كشر الشاهي إلى عندنا.. إيه.. أنت والخضر.. وبدر عوض.. وساعات يجي صالح قردش.. ومحمد سعيد منصر.. ومرة أجا عبدالرحمن باجنيد.. أيام!
أيام السلا الصحفي العدني اللي على أصوله، دخل البغدادي في خصومة مع عبدالقادر خضر.. فكتب عنه هجاءً في مجلته "النجوم".. فما كان من البغدادي إلا أن رد له الصاع صاعين في مجلته "المواهب" في الأسبوع التالي.. وتواصلت بينهما المساجلة إلى أن فرع بيناتهم أهل الخير.. وكنت مع المنصر من بينهم.
في الزعفران سألته ونحن نشرب الشاي: يا نديم من فين دخل عليك اسم البغدادي؟ هل أهلك من العراق؟
قال: والله مانا داري! بلكي حد من جدودنا كان من هناك.
كان نديم يحرص على صدور مجلته الفنية الاجتماعية، كما هو مكتوب في صدارتها.. كل أسبوع.. وأحيانًا كل أسبوعين وأحيانًا حتى أكثر.. قال لي وهو يضحك أنه أحيانًا حتى لا يأبه بقراءة محتوياتها.. فقط يحرص على متابعة الإعلانات التجارية لأنه هي اللي فيبه الرزق والبيستين!
أيام نديم بغدادي كانت من تجليات الزمن العدني البديع.. وغيابه عن المشهد العدني بلا ريب شكل فرقًا عند كل من عرفه أو حتى كل من سمع به وبأمجاده في عدن التي كانت!
أما غيابه عن المشهد العدني فقد كان بالضبط كأنك تنتزع حجرًا متينًا من عمارة البناء العدني الكبير.