تراهن دولة الاحتلال على تعب المقاومة في غزة، ورفعها الراية البيضاء لتوفير فرصة ذهبية لها للعدوان على جنوب لبنان الذي دمرت فيه حتى الآن عدة قرى تقع على مساحة 120 كم مربعًا، للقضاء على المقاومة اللبنانية التي من غير المفهوم لماذا لا تعجب البعض في وطننا العربي، وتنقل بعض أجهزته الإعلامية نقلًا حرفيًا ما يقوله الإعلام المعادي، مثل أن "حزب الله فصيل مسلح مدعوم من إيران"، للانتقاص من وطنيته، ومن دوره المقاوم وتضحياته ودعمه للمقاومة الفلسطينية.
الإعلام الغربي لا يفرق بين حزب الله وبين إيران، وبين الأخيرة وبين المقاومة الفلسطينية، وبعضنا للأسف انساق، وجعل من إيران خصمًا، ونسي إسرائيل وأمريكا عدوي كل العرب.
لقد راهن الكيان المحتل على تفتيت الأمة، ونجح إلى حد ما في خلق شعور عربي معادٍ لإيران ولحزب الله معًا، وكان حريًا بمن وقع في هذا الفخ مراجعة نفسه، بخاصة بعد غزو غزة وتدميرها، والعدوان على جنوب لبنان. أما الاحتلال فقد راهن على:
١. قدرته على التجريف البطيء لإرادة الشعب الفلسطيني، وإخضاعه، وفرض تطبيع تدريجي بالقمع المترافق مع وحشية الاحتلال العنصري الاستيطاني.
٢. قبول شعب غزة للحصار كقضاء وقدر وكمصير، ولكن المقاومة في غزة وفي الضفة خيبت أمله، وتمكنت في غزة من بناء قدرات عسكرية وبشرية مكنتها من الإقدام على هجمة 7 أكتوبر المباركة التي نتج عنها عمل انتقامي إرهابي متواصل، وغزو وتدمير شامل لغزة، وقتل همجي في الضفة لم تسلم منه معظم مدنها وبلداتها، إضافة إلى تشريع للاستيطان، وتمكين الإرهابي سموتريتش من التوسع الاستعماري في 60% من الضفة التي يعلن أنه لن يعيدها لأصحابها، ومن تدمير الحقول الزراعية وقلع أشجار الزيتون، وقتل ستمائة مدني، من بينهم نساء وأطفال، وسجن ما يقارب عشرة آلاف فلسطيني، من بينهم نساء وأطفال أيضًا. الديمقراطيون المفلسون أخلاقيًا في الغرب، والذين لا إنسانية لهم، لا يحبون حتى قراءة التقارير الدولية التي تجرم إسرائيل، ويركزون فقط على أسرى حرب 7 أكتوبر الاستعماريين الذين لا يعتبرونهم أسرى حرب، لأن المقاومة الفلسطينية في نظرهم غير مشروعة وإرهابية، وعليها أن تتعايش مع الاحتلال الذي لا تعتبره ديمقراطياتهم العنصرية احتلالًا لبياض بشرته.
التظاهرات والاعتصامات غير المسبوقة، ورفع علم فلسطين، والتضامن مع حقوق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال، ورفض تحالف أنظمتهم مع دولة الاحتلال ومدها بالقدرة العسكرية على التدمير، لا قيمة لها لديهم، بل لقد اتهم عضو كونجرس صهيوني دفعت منظمة آيباك الصهيونية نفقات انتخابه، بأن الطلبة والشباب المناهضين للاحتلال والقتل والتدمير، شيوعيون، وهو ما يذكّر بالحملة المكارثية الإرهابية في أمريكا قبل أكثر من نصف قرن، ضد المناهضين للسياسة الاستعمارية ولليمين الأمريكي. إن شعب فلسطين في نظر بائعي ضمائرهم للعدو ولمنظماته الضاغطة كآيباك، يرون أن الفلسطيني هو الذي يحتل، وأنه عدو لهم ولديمقراطيتهم المنحازة لدولة احتلال عنصري وتطهير عرقي.
لقد عجز التنظيم الدولي المعني بتصفية الاستعمار، وبإحلال السلام والأمن الدوليين، عن القيام بواجباته في إنهاء احتلال إسرائيل بسبب أمريكا التي يدير سياستها الخارجية ثلاثة من الصهاينة اليهود المعادين لحرية فلسطين، وهي بذلك تؤسس لانهياره، ولقيام تنظيم دولي جديد يعبر عن الحقائق السياسية والعسكرية والاقتصادية لعالم اليوم، يطوي نظام حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي هيمنت فيها أمريكا على العالم، وأفسدته وعسكرته وشلت منظمته. أما عن إسرائيل فيجب طردها من الأمم المتحدة حتى تنسحب من فلسطين المحتلة عام 1967، ومن الجولان السوري المحتل، ومن مزارع شبعا، بدون قيد أو شرط، وتلتزم بميثاقها، وتطبق حرفيًا اتفاقية جنيف الرابعة التي أضحت ملزمة حتى للدول التي لم توقع عليها، وهي الأكثر إلزامًا لدولة الاحتلال، سواء لحماية المدنيين مصالح وبشرًا، أو الامتناع عن قتلهم في وقتي السلم والحرب، وعدم إحداث تغييرات ديموغرافية بالاستيطان الإحلالي احترامًا لها وللقانون الدولي الإنساني.
إن احتلال إسرائيل ليس له نظير، فهو:1. استعمار، و2. نظام أبارتهايد، و3. سياسة ترانسفير غايتها النهائية طرد الفلسطينيين من وطنهم لبناء إسرائيل الكبرى التي تتجاوز النيل والفرات، وتصل إلى السعودية. ليس هذا وحده فحسب، ولكنها تضع نفسها مكان الفلسطيني، وتقرر نيابة عنه من سيحكمه في الضفة، ومن سيحكم غزة، لإدامة انفصالهما بما يشبه سياسة حاميتها أمريكا في تغيير الأنظمة التي تعجز عن وضعها تحت إبطها.
الأمم المتحدة وكل منظماتها تدين جرائم إسرائيل، ولكنها تعجز عن إلزام إسرائيل بالتوقف عن القتل والتدمير والتطهير العرقي. إن أمريكا والاتحاد الأوروبي النشطين جدًا في فرض عقوبة إثر أخرى ضد روسيا، يغمضان عينيهما عن جرائم إسرائيل، وحتى اليوم لم يصدر منهما لوم واحد لدولة الاحتلال العنصري، على ما ترتكبته من انتهاكات وجرائم وإبادة جماعية وتجويع ومجازر يومية.
لقد توقع العالم كله انفراجة في الحرب، ونهاية لجرائم إسرائيل بصدور قرار مجلس الأمن الذي كان في الأصل قرارًا إسرائيليًا ثم أمريكيًا، ولكن يبدو أن واشنطن وتل أبيب كشريكين استراتيجيين تديران الحرب، ولا تريدان حلًا ينهيها ويخلص الشعب الفلسطيني من نير احتلال دموي لم يرتوِ من دماء الفلسطينيين منذ عام 1948 وما قبله.
أمريكا هي أمريكا، وستظل العدو طالما أنها تفعل بنا ما تريد، ولا نعاقبها أو نعاتبها، ونتودد لها بتسميتها "شريكنا الاسترتيجي"! ولا نوصد أبوابنا أمام مبعوث إسرائيل الصهيوني أنتوني بلينكن، وزير خارجية تل أبيب وواشنطن.