ظُهر أحمر.. في بيتي وقت الغداء.. طرق خفيف على بابي.. اللهم اجعله خير.. فتحت.. رأيت قدامي الفنان الكبير خليل محمد خليل رمادة، عميد ندوة الموسيقى العدنية الشهيرة، واقفاً بطوله الفارع وبيده شنطة سامسونايت بنية مائلة للسواد... خليل؟! أثار مجيئه دهشتي.

مرحباً.. اهلاً استاذ اهلاً.. فتحت الباب الى آخره.. تفضل استاذ.. اهلاً.. دخلنا الى غرفة الاستقبال، حماتك تحبك يا استاذ.. غداء.. بسم الله معانا جيت وقته.! ابتسم وشكرني.. قال: ما قدرتش استنى من فرحتي.. لقيت لك حاجة حلوة وانا اقلب اوراق السفارة.. كان اسمك مكتوب مع من خدموا في الجيش ايام بريطانياً..

 انبسط يا عم.. لك مبلغ 12 الف شلن مستحقات نهاية الخدمة مع الانجليز.! وفتح الشنطة واخرج منها ظرف بداخله المبلغ، وبيده قلم بايرو.. وورقة وقال: وقع على الاستلام قدام اسمك!

 كان الاستاذ خليل يعمل في سكرتارية السفارة البريطانية في عدن.. قال: من فرحتي قلت باجيب لك حقوقك بدل التأخير والمشاوير.. شكرته بحرارة شديدة من فرط فرحتي.. يا الله يا استاذ.. لقمة معانا عيش وملح.. شكرني وتصافحنا بحرارة وانا اودعه على الباب.. وخرج.!

  والله واجأ الدواء يا اهل الهوى يا اهل الهوى.. انا أفدا قلبك يا خليل.. اثار اعجابي تواضع الرجل الجم وهو من هو.. ومجيئه الكريم بنفسه الى بيتي.. خليل.. اعرق الاسر العدنية واقدمها.. ابن الناخودا الاكبر الذي سكن حافة حسين التي كانت تسمى قديماً بيت المصري (راجعوا المنشور الذي شاركته عنه هنا لمزيد من المعلومات).

  قبل محمود شودري كان خليل الواردن الآمر اي المدير لسجن عدن المركزي "صورة مدخل السجن مع صور خليل" وفي ايامه الجميلة اسس ندوة الموسيقى العدنية لشدة حبه للفن، ووضع بصمته على طابع الاغنية العدنية لأول مرة.. كان مع جماعة من اصحابه كبار موظفي الحكومة والبلديات يقومون بأداء الاغاني على الهوى من اذاعة عدن التي بدأت تابعة لشركة كيبل اند واير ليس.. ولم يكونوا يجرؤون على الافصاح بأسمائهم حفاظاً على هيبة المناصب.!

انا وحبيبي اتنين... اتنين.. يا ريت كل الايام اتنين.! احبك يا غالي وأعيش في غرامك.. والوردة الحمراء يا سلام يا سلام.! لم تعجب الوردة الحمراء الرئيس سالمين، وفي خطاب له ذات مرة على مسرح اول مايو العمالي قال: بلا وردة حمراء.. بلا بيضاء.. نشتي اغاني ثورية! ولما زرت خليل في فيللته العامرة على طريق الطويلة.. عبر ونحن نتجاذب الحديث عن استيائه بحذر.. قلت له صادقاً: لا تأخذ في خاطرك.. سالمين هكذا.. اللي يطلع برأسه يقوله، والعمال يحبونه.! هدأت نفسه قليلاً وقال: يعني معاد اغنيهاش؟ قلت.. دع الوقت يمر.. فبلادنا ورجالها ذاكرتهم قصيرة!

 مصائب قوم عند قوم فوائد.! يرجع سبب صرف بريطانيا لحقوق من خدموا معها مباشرة وكاش لهم كما فهمت الى اخلال حكومة الثورة باتفاقيات الاستقلال التي ابرمت، واول خروقها يرجع لقرار السيد علي سالم البيض، الذي كان وزيراً للدفاع بطرد الخبراء البريطانيين من عدن على عجل.!

 في منتصف السبعينيات عقدنا او مؤتمر لقيام اتحاد للفنانين، مسرحيين وموسيقيين.. برعاية رئيس الوزراء علي ناصر محمد.. وكان من دواعي سروري دعوة الاستاذ خليل لحضور حفل الغداء الذي اقيم بمناسبة ختام المؤتمر في براق كبير رتب له الاخ امذروي مدير السدود والمشاريع بداخل معسكر سيداسير لاينس (ابو عبيدة بعد ذلك)

  وفي اللقاء برئيس الوزراء تداول الجمع في شؤون واحوال اهل الفن المعيشية الصعبة.. فأوصى رئيس الوزراء بتوظيف الراغبين وصرف مرتبات اعانة للباقين.. وكانت احوال خليل كغيره قد اصابها الانكماش مما اضطره الى تأجير سطح بيته لاقامة احتفالات الافراح والاعراس.. وشملته لحسن حظنا مرتبات الاعانة.!

 لا اذكر ان احداً قد طلب مشاركة خليل في فرح او مناسبة او حتى في مبرز قات وتخلف عن تلبية الدعوة.. وعندنا بالذات كان يسعدنا بحضوره الدائم مع زميليه الدائمين المصري ود. عبده سالم، والاردلي صاحب المشلى للتلقيح في عيادة الميناء الاثيرة... ما كان اشد تواضع ذلك الرجل الفنان الانسان الذي يمد يد الخير والعون كلما استطاع الى ذلك سبيلاً لكل طالب... في رجال عدن الاصلاء.. يتقدم خليل محمد خليل رمادة ابن اوائل النواخيذ الكبار الذين قدموا من مصر ليملأوا عدن بالفرح والمسرات..

احبك با غالي واعيش في غرامك.! وهل بعد الحب ما هو احب؟

انا وحبيبي اتنين... اتنين.. وياريت كل الأيام اتنين.. اتنين.. اتنين!