فسحة.. غيمةُ القَطْرٍ العذبٍ
... في عيدها الواحد والسبعين الذي موعدُه في الواحد والعشرين من نوفمبر أفكرُّ: ماذا لو لم تكن فيروز؟ كيف كانت حياتُنا لولا نقطة النور هذه في ليلنا؟ كثيرا ما فكّرت كيف يمكن أن تكون حياتي دون وجود فيروز؟! قلتُ مرةً في مقال عنوانه "فيروز التي "أفسدتْ" ذائقتي"، كنتُ نشرته العام الماضي في جريدة "الحياة7-7- اللندنية بمناسبة سبعين فيروز: أفترضُ أن حياتي دون وجود فيروز كانت ستمتلئُ بالكثير من "البهجة". البهجة بالمعنى الحَرفيّ العابر لا الفلسفيّ العميق. صوتُ فيروز أغلق الباب في وجه أشياءَ كثيرةٍ كان من الممكن أن تُدخل حياتي في باب الفرح. لو لم تكن فيروزُ هناك لكنتُ واكبتُ كل ما هو مطروح من فنٍّ الآن، وما كان ابني مازن، ورفاقه، سينظر لي بشفقة كوني لا أعرف أيًّا من المطربين الجدد الذين تملأ صورهم غرفته ممن عمرّوا الحياةَ مرحا وطرباً.
... كيف ارتبط صوت فيروز بطيارة ورق، وباب غارق بالياسمين، وهدير البوسطة، وأم سليمان، وحنّا السكران، وطير الوروار، وذهب أيلول، وسيف يُشهر، وجسر العودة، وليالي الشمال الحزينة، ومرجوحة، والبنت الشلبية؟ نحن المصريين نعشق اللهجة الشامية بسبب فيروز وفهد بلان وصباح فخري الشحرورة صباح. ونحن لا نميّز كثيرا بين اللبنانية والسورية بلهجاتهما الكثيرة المختلفة فكلها بالنسبة إلينا نغمٌ في نغمٍ في نغم. وكثيرا ما أتذكر صديقتي "أملـ" الشامية التي كانت تسكن جواري. كانت تزورني لنشرب سويّاً قهوة الصباح، وأبادرها قائلة: يا الله اتكلمي! فترد بنغمة ممطوطة محببة شأن أهل الشام: شو بدك أحكي؟ فأجيبُ: أي حاجة، بس عاوزة أسمعك تحكي شامي. ومرة طلبت منها ان "تترجم" لي ما استغلق عليّ من كلمات أغنيات فيروز، وأذكر أنني صدمت حين عرفت معنى كلمة "ختيارة" وكنت طوال الوقت أظن أن معناها "الجميلة". وقتها قررت ألا أسأل مجددا عن معانٍ مستغلقة عليّ وأحتفظ بالقاموس الوهمي الذي صنعته لنفسي منذ طفولتي البعيدة. وأما ترانيم فيروز المسيحية فهي النعيم عينُه، ومن أجلها كنت أهرب من فصلي في مدرسة "كلية البنات القبطية" وأدخل خلسةً كنيسة المدرسة لأغني مع الأطفال ترانيمهم.
وجود فيروز في حياتي هو درعٌ ضدَّ الضياع والقنوط، وحبلٌ تُسقطُه لي يدٌ رحيمة في قاع الهوة، يأتي دومًا في موعده: في اللحظة الأخيرة.
تحية لك في عيد ميلادك أيتها الجميلة. جئتُ فقط لأقول: كم أحببتُك وكم أنا مدينةٌ لكِ فيروز!
- فاطمة ناعوت - «نوافذ»
فسحة.. غيمةُ القَطْرٍ العذبٍ
2006-11-23