حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني ومرافقيه، ومقتلهم، تثير الكثير من الأفكار والأسئلة.
وعمومًا لنعتمد أهم فرضيتين للسقوط:
الأولى سوء أحوال جوية، ومعلوم أن الملاحة الجوية مقيدة بشروط سلامة صارمة في الحالات العادية، فما بالكم بوفد رئاسي. وبالطبع للمروحيات قدرة مناورة كبيرة، خصوصًا طائرات البحث والإنقاذ في حالات الكوارث الطبيعية، وقد تكون مروحية الرئيس من هذا النوع.
وهنا نستنتج التالي:
النظام الإيراني، بقدر إزعاجه وإلحاقه ضررًا في بلدان المنطقة، إلا أنه بقدرات أقل من قوة إقليمية؛ معطيات غير دقيقة، تقنيات بالية، العجز عن الحفاظ على رموز البلاد، والعجز عن القيام بأساسيات المهام، منها البحث والإنقاذ لرئيس دولة، حتى إن طيارة بحث تركية دلتهم على مكان السقوط، بعد أن ظلت فرق الإنقاذ تبحث نصف يوم في المكان الخطأ.
إيران من أعلى دول المنطقة حوادث طيران، ولم تتمكن من تحديث وصيانة معداتها بشكل عام، بسبب العقوبات، وهذا يعني أنها تذهب إلى الهلاك، ولكن بالتدريج البطيء، وثمن العقوبات غير هين.
تبعات الحادث على الأذرع الإيرانية ستكون كبيرة، لأن هذه الحادثة ستهز مكانة الدولة السند، وتضع الجميع أمام حقيقتها وقدرتها كقوة إقليمية. إذ لا يكفي إسقاط النظام الخصم، بل يجب استنهاض النظام الحليف، وخلق ظروف معيشية وظروف هيمنة وتقنية وتعليم تتناسب ووعود العهد الجديد. ثم إن إيران وخصومها في تنافس محموم للتسلح واكتساب التقنية. وهذه الحوادث تدل على خسران إيران نقاطًا في هذا السباق، بل خروجها من التصفية.
الافتراضية الثانية هي أن الحادث كان بتدخل خارجي، وقد تكون إسرائيل وراء الحادث.
وهذه الافتراضية أسوأ من السابقة بكثير، لأنها لو صدقت فهي حادثة غير معزولة عن تدخلات إسرائيل ضد إيران بدقة متناهية، وعجز إيران عن الرد الحقيقي والمماثل. لدينا آخر حادثة كانت قصف القنصلية في سوريا، ومقتل عدد من كبار قادة ضباط الحرس الثوري.
تتعرى قوة إيران، وتبدو بلا حيلة، خصوصًا إذا كانت إسرائيل وصلت إلى استهداف رئيس النظام، لإدراك إسرائيل محدودية قدرة إيران التقنية في الحفاظ على رموزها، وعجزها التام على الرد بالمثل.
في نظام كالنظام الإيراني ليس لرئيس الجمهورية أهمية، وذلك لوجود نظام موازٍ تمامًا، إلا في حالة الرئيس الحالي، وفي هذه المرحلة التي تعد فيها العدة لتعيين خليفة لمرشد الثورة. أي أن رئيسي له أهمية بيروقراطية وأهمية روحية، وفقدانه يعقد ملف الخلافة، ويعزز من الخلافات الداخلية. هذا إذا لم يكن الحادث شأنًا سياسيًا داخليًا صرفًا. أليس المكر يحيق بأهله؟ ما المانع أن تنعكس أدوات التدمير داخليًا؟
ما يلفت انتباهي في كل حادث داخلي إيراني، هو حالة الإرباك الشديدة التي تنتاب مؤسسات وأركان النظام، إلى درجة ارتكاب سلسلة أخطاء لوجستية وتواصلية قد تكون قاتلة.
لنعد بالذاكرة إلى حادثة قصف طائرة مدنية في إيران اعتقادًا أنها طائرة عدو. القصف بحد ذاته دليل فشل منظومة اتصالات وارتباك عسكري لا يفرق بين الطيران المدني والحربي، وليس لديه معطيات. ثم ماذا كانت التبريرات؟
وهكذا الحال مع حادث طائرة الرئيس، حد الكذب أن طايرة إيرانية اكتشفت مكان السقوط، ونكران دور طائرة إكنجي التركية.
الحقيقة أن هذه الحادثة تقزم مكانة إيران بين القوى الإقليمية الأخرى. وربما على أتباعها معرفة قدراتهم وحدود الضامن الإقليمي، والوقوف عند هذه النقطة بجدية، والشروع في التصالح مع محيطهم المحلي، خصوصًا اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
يفترض بهذه الحوادث أن تضع حدًا للمغامرة الإيرانية في المنطقة، وأن يدرك الجميع هشاشة ما يسمى المشروع الإيراني: هشاشته الفكرية، لأن ثوابته طائفية إقصائية، وهشاشته البنيوية، لأنه بلا أسس استدامة ونهوض، ولا أفق تنموي له.
حدود المغامرة الإيرانية
2024-05-20