مقاومة الخراب باللون .. والصلصال- جمال جبران
هي اشياء مفرحة وتبهج القلب . اشياء تحمل في داخلها كما خارجها الضوء الى أيامنا المعتمة هذه .تقول أن ثمة نقطة منيرة في جدار الحالة التي وصل اليها البلد . أتحدث عن ثلاثة معارض تشكيلية واحد منها ضم عمل تشكيل صلصالي. وحدثت كلها دفعة واحدة وفي ظرف أسبوع واحد .سيقال بمبالغتي هنا وبحثي عن الكمالي والترفيهي في زمن البحث عن لقمة العيش ومحاربة طواحين الفساد. لايهم . اسمح لنفسي فرحها بكل هذا الكمالي والترفيهي، هذا ان كان الفن ترفيها وليس ضرورة .واعتقد الأخيرة .
لابأس من ثغرة نور ، وفتحة تهوية . لابأس من محاولة لتلطيف الجو والمناخ . لابأس من أخذ الناس الى فسحة تلعب فيها أرواحهم . لنحسبه وقتا مستقطعا من الوقت الضروري لملاحقة لقمة العيش ومحاربة طواحين الفساد التي لايشبع أهلها . لنشبع أرواحنا نحن فقط بالممكن وبالراقد في كفة اليد .اللوحة تُحارب ايضا.اللوحة قوة وعتاد وذخيرة للروح إذا ما جاعت وتعرت . .ثلاثة معارض تشكيلية في اسبوع واحد . ماكل هذا الفرح الكثير ..علينا!
الصلصال /اللون
مساء الأحد الماضي كان موعدنا ، في البيت الألماني ، بمعرض " الصلصالاللون" للفنانين ، الفرنسية جان بونيفي ميركيرالي والفنان اليمني الشاب ناصر الأسودي . الأولى عملت تماثيل مصنوعة من الصلصال في حين قام الثاني بتركيب لوحات جرافيك .
درست جان الأدب الفرنسي الحديث ثم دخلت لاحقاً في دراسة الفن . قالت لي أنها لاتشعر باختلاف الدراستين . هي تعتبرهما حالة تكاملية . كل دراسة تخدم أختها .
بالنسبة للخامة التي تستخدمها في شغلها ، قالت جان أنها تعتمد على مواد يمنية مائة بالمائة . لم تفعل ابدا ان استخدمت موادا خارجية " أرغب في عكس طبيعة الحالة اليمنية " تقول جان . وعن طريقة شغلها قالت انها تعرف مسبقا ان عملها سيؤول للكسر بمجرد دخوله الفرن الناري. فاحتمال تكسر المادة أكبر من احتمال سلامتها . " ولهذا أخسر كثيرا " تقول ضاحكة .
بالنسبة للفنان اليمني ناصر الأسودي فيبدو أنه داخل في سباق مع ذاته . من اشتغال لغيره ننظر أن هذا الفنان الشاب لايتوقف ولايود استراحة .اشتغاله الحالي يقول بهذا ويؤكده . من الاشتغال والاعتماد على اللون بدرجة أساس الى دخوله مراهنات الاشتغال الجرافيكي عبر التصوير والحفر والأسيد . عندما أخبرني عن طريقة اشتغاله تلك اللوحات المصبوبة على نحاس لم أفهم جيدا ماقاله . طريقة اشتغال اسمع بها للمرة الأولى . ولم يتوقف عند هذا . اخبرني انه يشتغل ، خفية ، بطرائق ابتكرها لوحده ويخشى من محاولة " تكسير عظام " ( وهذا التعبير لي لكني استشفيته من نبرة حديثة ) ، فقواعد اللعبة الفنية لاتسمح كسر الثابت والمكرس . هو قال انه بصدد اخراج هذا العمل الجديد الى النور . وانا واثق من انه قادر على هذا .. وأكثر .
***
كثيرعلينا كل هذا
صباح اليوم ، الثلاثاء ، ذهبت الى بيت الثقافة بصنعاء راغبا مشاهدة " معرض الفن التشكيلي الأردني المعاصر " . لم أجد أحدا من المشاركين . لم أجد غير لوحاتهم المعلقة على جدران المكان . ( علمت لاحقا من صديقي حكيم العاقل أن المشاركين في قيامة هذا المعرض الحافل ذهبوا الى عدن بغرض الزيارة ) . لم أجد أحدا ، قلت . لابأس اذن بجولة استرخاء صامتة مع كل هذا الفن المرسوم على لوحات معلقة في جدار " بيت الثقافة " .
نحو ستة وثلاثين فنانا أردنيا قاموا بصناعة كم هائل من اللوحات . كم مبالغ فيه كما ومباغت لنا ، نحن اللذين نشتاق للوحة فلانجد . كان عليهم أن يعرضوهم علينا واحدا واحدا كيما نرى اليهم بعين واحدة . سأذكرهم هنا اسما اسما ، هذا حقهم ، أعتقد ( ابراهيم الخطيب ، احمد نعواش ،انيسة ابو بكر ، بشارة النجار ، جهاد العامري ، خلدون ابو طالب ، خليل الكوفخي ، خولة صيدم ، الشومان رضا ، رفيق اللحام ، روان العدوان ، سحر القمحاوي ، سمر حدادين ، سمية جابر ، صالح ابو شندي ، صفاء عوض ، عبد الحي مسلم ،عبد الرؤوف شمعون ، عبد المجيد ابو حلاوة ، غازي النعيم ، غسان ابو لين ، فادية عابودي ، فاطمة بور حاتمي ، فايدة ماتوخ ، كمال ابو حلاوة ، محمد ابو زريق ، محمد الدغليس ، محمد العامري ، محمد بشناق ، محمد بكر ، محمد عوض ، محمد نصر الله ، محمود صادق ، مها المحيسن ، مها خوري ، نصر عبد العزيز ، وليد قصوي ) .
أنت هنا ، وفي هذا المعرض الكثير الكثير ، تحتاج لأكثر من عين ولأكثر من بصر وبصيرة . رأيت الى اللوحات مطولا . شعرت بحاجتي لرؤية أخرى . لكن وقتي لم يكن مفتوحا . كنت مع موعد آخر ، مع جمال آخر . حيث المساء موعدنا مع معرض " جماعة الفن المعاصر " . هل قلت هنا بزحمة فن تشكيلي تحدث في البلد وفي هذا الوقت المعتم من الأيام ؟ نعم قلت .
النظر من زاوية أخرى .. وجديدة
أصدقائي الأعزاء ، آمنة النصيري ، طلال النجار ، مظهر نزار . جماعة الفن المعاصر . هل نسيت أحدا ؟ لا . كانوا أربعة فصاروا ثلاثة . الفنانة ريما قاسم راحت لوحدها . هذا معلوم ومتداول ، وعليه لم أنس أحدا .
قام هؤلاء الثلاثة بفعل معرض جديد بقاعة في المركز الثقافي الفرنسي . هل أقول أن ختام هذا الاسبوع التشكيلي والصلصالي كان متميزا بمعرض متميز ؟ هذا يعني اني لم اضف شيئا . لقد كان أكثر من هذا .
آمنة النصيري:
هنا والآن ، جديدة وتفعل قفزاتها واعادة تشكيل التشكيل الذي تفعله . من معارضها السابقة ، قبل المعرض الأخير ببيت الثقافة ، والنصيري في دائرة واحدة . في معرض بيت الثقافة بدت آمنة كمن تحاول التفوق على آمنة . لقد فعلت معرضا مبهرا . واليوم ، في معرض " جماعة الفن المعاصر " بدت آمنة في زاوية أخرى . اشتغال لوني يذهب في ذات دائرة الفكرة التي تقول أن هذه الفنانة تسابق نفسها .
طلال النجار .
ماذا يمكن لقولي أن يكون إذ قال عنه شيئا ؟ لن يكون إلا مديحا طويلا. أعرف هذا . لا أقدر القفز على علاقة خاصة تربطني بهذا الفنان، كان حلقة وصلها " عفيف " شقيقه الأصغر ورفيق دراستي الجامعية . أكون مرغما هنا بالصمت وعدم الكلام . الكلام بما هو كتابة . ( يحدث ويعن لي أحيانا أمر تحويل كلامي الى كتابة ) . لكن هي جملة واحدة فقط أقولها هنا لطلال . أسعدني اليوم شغلك الحروفي الجديد . أسعدني أكثر مما تعتقد وتتصور .
مظهر نزار .
مرات قليلة ونادرة هي التي التقيت فيها بهذا الفنان الذي اشعر أن بيني وبينه صلة وصلات وحبل واحد يمتد طويلا . كلما يُذكر مظهر نزار أمامي أشعر مباشرة أنه يذكرون شخصاً قريبا من قلبي .
هل اقول شيئا عن اشتغاله الفني ! المساحة المتاحة هنا ، متاحة للون واللوحة والصلصال . لامساحة كافية للكتابة . من يرغب في رؤية مارأيت من جمال ، فعليه الذهاب الى قاعة المركز الفرنسي حيث يعرض جماعة الفن المعاصر نتاجهم الذي قام بتنقية روحي من الصخب الذي فيها .
ليست خاتمة
هل اضيف شيئا هنا ، كخاتمة لما كتبت عاليه ؟
هل افعل نهاية لما فعلت بدايته ؟
لايحتاج هذا الأمر الى نهاية . يحتاج الى زيارة فقط . زيارة هذه المعارض التي قلت بها وعنها . زيارة ، واقول هذا مؤمنا ، زيارة كفيلة باصلاح ماكان للروح من علل وعطب ، ومرض . . زيارة فقط .
مقاومة الخراب باللون.. والصلصال
2008-11-27