في المواصي،
كانت الرمال تهرب تحت أقدامنا كأطياف أجداد،
وكان البحر يطوي صدره
كمن يخبئ أسراراً لن تقولها المياه.
حين حملنا أحلامنا في أكفنا
وسرنا بين البرق والمطر،
كان الرمل يئن،
وكانت أصداء الخطى
كأنها تسحق ذاكرة قديمة
تصرخ ولا تُسمع.
البحر خلفنا لم يكن ودوداً،
كان كابوساً مفتوحاً،
بلا أفق،
بلا شاطئ ينتهي إليه.
وأمامنا،
كانت المواصي تلمع في ظلال البرق،
مثل وعد مكسور الجناح،
مثل وطن صغير
أصغر من أن يحملنا جميعاً.
في الليل،
كنا نحفر في الرمال
كأننا نزرع أحلامنا فيها،
لكن المطر كان ينهمر بغزارة،
يغسل حكاياتنا،
يمحو أسماءنا
ويتركنا عراة كأشجار ميتة.
كنا نحلم أن البرق سيعيد لنا الضوء،
لكن البرق كان يضحك،
يضحك بلا صوت،
يترك السماء جرحاً مفتوحاً
والمواصي خنجرَ غياب.
أحلامنا كانت تسافر معنا،
لكنها كانت أصغر من خطواتنا.
وحين اختفى المطر،
كنا نحن الغيم،
نحمل ظلالنا الثقيلة،
وننتظر حلماً آخر
يعرف كيف يهدّئ الغياب.