صنعاء 19C امطار خفيفة

هيلاري في صنعاء لأسباب أمريكية أولاً

2011-01-12
هيلاري في صنعاء لأسباب أمريكية أولاً
هيلاري في صنعاء لأسباب أمريكية أولاً
*عبدالعالم بجاش
أصعب الأوقات في الحياة العملية لوزير الخارجية أبو بكر القربي، حلت الآن مع مقدم نظيرته الأمريكية الى المنطقة لمباركة تحول تاريخي انطلق من جنوب السودان.. مثل هذه الأوقات واجهت أحد أسلافه، كانت أكبر تحدٍّ في المسيرة المهنية للدكتور الارياني.
ماذا تفعل هيلاري كلينتون في اليمن منتصف هذا الأسبوع؟ إدارتها تبنت استقلال جنوب السودان ودخلت بكل ثقلها المعترك طويل الأمد مع البشير وحكومته، والوزيرة الأمريكية استبقت جولتها في المنطقة بتأكيد رعاية بلادها للدولة الجديدة الناشئة في جنوب السودان، وحضرت للاطمئنان الى أن عملية صناعة التاريخ الجديد ستنطلق من السودان دون وقوع طارئ في اللحظات الأخيرة.
وزيرة الخارجية الأمريكية في صنعاء، لكن دون تاريخ جديد يُصنع، في الوقت الراهن على الأقل.. صحيح أن اليمن بلد مضطرب أكثر في هذه المرحلة، مؤشر التوتر مرتفع في الشمال وفي الجنوب، حداً يجعل اليمن المصنف بلد مزعج مسجل خطر لدول الجوار، غير أن هيلاري كانت هنا لأسباب أمريكية أولا، وليست واقعة تحت ضغوط شديدة سعودية خليجية، كما حصل سنة 1994 مع مادلين أولبرايت أثناء توليها وزارة الخارجية في عهد الرئيس بيل كلينتون.
لا يعني أي تباين بين أجندة واشنطن وأجندة الرياض في ما يخص اليمن، وأي اختلاف في رؤيتهما لحجم المشكلة وكيفية التعامل معها، وجود تعارض شديد في المصالح الأمريكية والمصالح السعودية يدفع الولايات المتحدة الى رسم وممارسة سياستها الخاصة باليمن دون أن تضع في الحسبان متطلبات خاصة للمملكة ودول خليجية لديها تصوراتها أيضا حول التغييرات الواجب إدخالها اليمن للحد من أي أخطار يمكن أن تشكل تهديدا من أي نوع للسعودية أو لدول الخليج الأخرى.
لكن كلينتون كممثل عن إدارة أوباما ليست مخولة لتغيير ما يعد أحد أصول السياسة الأمريكية في منطقة شبه الجزيرة والخليج، بالتالي لا يمكن لدولة أخرى خصوصا اليمن منافسة السعودية على مكانتها لدى الولايات المتحدة، حتى في الأحلام.. الأمر لا يقف عند تصنيف المملكة الحليف الاستراتيجي لها مقابل تصنيف اليمن الشريك المهم، إذ لا مجال للمقارنة، وفي ما يتعلق باليمن لا تفقد المملكة شيئا من تأثيرها القوي داخل الإدارة الأمريكية، وقدرتها ممارسة ضغوط على واشنطن في أية مرحلة.
ستكون المصالح الأمريكية هي الاعتبار الأول في أية سياسة أمريكية مع اليمن، وأية خطوة تخطوها الإدارة الأمريكية في هذا البلد، تأتي المصالح السعودية في المقام الثاني، قبل المصالح اليمنية.. في العامين الماضيين عملت المملكة على تقديم اليمن للعالم بوصفه بلد المنشأ للقاعدة ومنبع مصدِّر للإرهاب.
على الرغم من أن اليمن أحد البلدان المستوردة للقاعدة من مصدرها الأم السعودية، إلا أن الرياض استطاعت جعل اليمن الملاذ الثاني لعناصر القاعدة بعد أفغانستان.. فرار قياديين سعوديين في القاعدة الى اليمن سلطت وسائل الإعلام العالمية الأضواء عليهم بشكل درامي فاق حجمهم كأنهم من مشاهير العالم، كان مبررا لتغير السعودية من صورتها على حساب اليمن، ويصدق العالم أن اليمن، وليس المملكة، معقل تنظيم القاعدة والبلد الحاضن.. فالسعودية أرادت تحسين صورتها، ولديها مصالح حيوية في غاية الأهمية لكبرى دول العالم أمكن لها بسهولة أن تضع اليمن حيث تريد.
بالنسبة لواشنطن الأمر سيكون على الدوام مثل التضحية بالجنين لإنقاذ الأم، والسعودية هي المصدر الأم لقدر كبير من أهم المصالح الحيوية لأمريكا على مستوى العالم.. وإلى ما قبل التمثيلية السعودية كانت اليمن أحد أكثر بلدان العالم تضررا من الظاهرة العالمية التي تمثل أبرز ما قدمته السعودية للبشرية: تنظيم القاعدة، فقد كانت أرض المنشأ، ومنها تم تصدير عناصر التنظيم وأفكاره إلى دول كثيرة في طليعتها اليمن.. من حيث العدد، أكبر شريحة في تنظيم القاعدة سعوديون، يليهم اليمنيون، تليهم شرائح من جنسيات أخرى.. وأن تقول المملكة إن رأس التنظيم أسامة بن لادن من أصول يمنية، ليس مبرراً لتصوير اليمن موطن القاعدة الأم ومصنع الإرهابيين.
ستظل السياسة الأمريكية واضحة لصالح المملكة وإلى جانبها حتى في الأمور التي تتعلق باليمن وتعتبر شأنا داخليا.
والوضع أن وجود اليمن ملاذا لعناصر القاعدة لا يمثل مصلحة للقاعدة وحدها، فمصلحة المملكة تكمن أيضا في تنظيف أراضيها من أي وجود لهذه العناصر، وهي ستمضي بلا هوادة في عمليات الطرد المركزي لمواطنيها المنتمين للقاعدة، ودفعهم باتجاه اليمن أساساً.
وإذا كان ذلك يتقاطع مع المصلحة الأمريكية، منذ مراحل سابقة يتهم نظام الرئيس صالح بالتعامل المزدوج في موضوع القاعدة، ففي الباطن أتاح لعناصر التنظيم متسعا للعيش والحركة في اليمن على أساس عدم الإضرار بمصالح الدولة ومنشآتها، وعلى الطرف الآخر في جهود مكافحة الإرهاب التي لم يكن جاداً فيها، أخل بالتزامات اليمن، وفقد كثيراً من مصداقيته مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.. الثابت أيضا أن صالح استخدمهم ورقة في مراحل مختلفة، واستعملهم وسيلة للتكسب؛ جذب مساعدات مالية كبيرة من الخارج.. حاليا جاءت زيارة كلينتون لصنعاء، والمواجهة على أشد ما تكون بين الحكومة اليمنية والقاعدة، ولا مجال للشك مجدداً بجهود نظام صالح في مكافحة القاعدة، ويبدو ذلك من الأمور الجيدة للسعودية، لكن الواضح أيضا أن مثابرة النظام في اليمن على ملاحقة عناصر القاعدة سيضيق الخناق عليهم ويدفعهم للعودة إلى المملكة، أو الفرار إلى دول القرن الأفريقي بالنسبة لعناصر القاعدة اليمنيين.
سيجدون هنا في بلدهم سبلاً للتخفي، وستكون فرصهم في البقاء أو النجاة أفضل، المشكلة في عناصر القاعدة من السعوديين، وهؤلاء سيفضلون العودة الى بلادهم، بينما يبدو من المريح للنظام في المملكة دفعهم خارج السعودية بأي اتجاه كان: اليمن، العراق، أو أي بلد آخر.
المصالح الحيوية الكبرى للولايات المتحدة هي مع السعودية، في حين ليس لها في اليمن مصالح حيوية تتسم بأهمية كبرى. الهدف البارز، كما يبدو، القضاء على فلول القاعدة حتى لا يجدوا في اليمن ملاذا آمنا يمكنهم تدبير وتنفيذ أعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة ومصالحها الحيوية في أي مكان.. فبل زيارة كلينتون كانت نصيحة واشنطن لصنعاء العودة للحوار مع المعارضة وتأجيل إقرار التعديلات الدستورية.. كان مطلبا أمريكيا طارئا قوي اللهجة، في المقابل ظهر تصريح رسمي عن رفض اليمن طلباً أمريكياً بإنشاء قاعدة عسكرية في سقطرى، لأنه لا توجد اتفاقية بين البلدين بهذا الخصوص، من الممكن إيجاد اتفاقية وتحييد الموقف الأمريكي.
مجيء وزيرة الخارجية الأمريكية في هذا الوقت لا يحمل دلالة ذات خطورة تتعلق بمستقبل مختلف مقرر لليمن بعد السودان، وبرغم خطورة الأوضاع الراهنة في اليمن ما تزال هناك مسافة كبيرة عن الخطورة التي بلغتها البلاد في ذروة حرب 94، عندما تم استدعاء وزير الخارجية وقتها الدكتور عبدالكريم الإرياني إلى الولايات المتحدة، ليواجه أكبر تحدٍّ في حياته المهنية كما قال.
كان الهدف من الزيارة حضور جلسة يعقدها مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار بشأن الحرب في اليمن، ومما رواه الإرياني عن الموقف، أن الولايات المتحدة لم تكن مع الانفصال، لكنها كانت واقعة تحت ضغوط شديدة من جانب بعض دول الجوار لليمن. وكانت الإدارة الأمريكية غاضبة بشدة لحصول خرق لاتفاق وقف إطلاق النار في اليمن. بينما كانت قوات الشرعية على مشارف عدن، أطراف خليجية ضغطت بقوة معتبرة عدن خطاً أحمر. وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت أبدت غضب بلادها حول خرق اتفاق وقف إطلاق النار. على ما يبدو راوغ الإرياني لكسب وقت، وانسحب من لقاء مع مسؤول أمريكي رفيع المستوى، احتجاجا على كلمات مسيئة قالها ضد اليمن. كانت الولايات المتحدة على وشك التراجع عن موقفها باتجاه قرار يتم التحضير له في مجلس الأمن، واستجابة لضغوط خليجية المصدر. امتنع الإرياني عن حضور جلسة مجلس الأمن المقررة عندما تبينت النوايا باتجاه قرار دولي يسمح بتدخل قوات من الأمم المتحدة لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار على الحدود. كانت خطورة ذلك تؤدي حتما إلى الانفصال.. الإرياني أبلغهم قراره مغادرة نيويورك، لكنه استمر هناك لأيام، وسرعان ما جاءت ساعة الحسم العسكرى، أنهت الموقف.
اليوم، ما يزال بعض جيران اليمن يدعمون مشروع انفصال الجنوب، وأحداث الأيام الأخيرة صعدت أعمال العنف ضد قوات الأمن في المناطق الجنوبية. هذه النقطة ستؤمن دعم واشنطن للسلطة باعتبار أن القاعدة هي من يقف وراء العمليات، كما تقول الحكومة. لكن وزير الخارجية أبو بكر القربي سيواجه من الآن وصاعدا أكبر التحديات في حياته المهنية، فالحراك سيصعد من نشاطه ويحث خطى مشروعه المنادي بالانفصال، والأطراف الخليجية التي تدعم مشروع الانفصال ستمارس ضغطا على الولايات المتحدة بهذا الاتجاه، وسيكون على واشنطن العمل على أفضل مواءمة ممكنة بين مصالحها في اليمن وضغوط أصدقائها في الخليج، تتصدرهم السعودية الحليف الاستراتيجي.
إن تحدي الانفصال يلوح في الأفق، وعلى أيام مادلين أولبرايت كان كخطر حقيقي على بعد ساعات وأيام من قرار دولي بدا وشيكا ويفتح الباب إلى الانفصال.. فيما على أيامنا لا يزال هذا الخطر بعيدا على مسافة أعوام.

إقرأ أيضاً