لقد اتفقوا: إنها الحرب
منصور هائل
لتنفيذ اتفاق 23 فبراير 2009 بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك المشتمل، على 3 نقاط، كان لابد من إبرام اتفاق آخر في 16 يوليو 2010، يتضمن 10 نقاط، ولا يخلو من صرعة جديدة تمثلت باتفاق الطرفين على تشكيل لجنة مشتركة تنهض بمسؤولية الحوار الوطني الشامل، وجرى التوافق على تحديد قوامها ب200 عضو بالتساوي من قائمتي الطرفين، ولا يجوز لأي طرف الاعتراض على ما يقدمه الطرف الآخر!
وفي حين تردد أن قوام عضوية اللجنة سيكون مفتوحاً، فقد كان لافتاً أن الاتفاق الأخير لم يشر إلى المسرح أو الساحة أو الملعب الذي سوف تنعقد فيه الجلسات والمداولات والعروض الكرنفالية الفلكلورية لهذه اللجنة الفضفاضة التي يبدو أنها ستكون مشكلة حقيقية بدلاً من أن تأتي بالحلول المرجوة للمشكلات والمعضلات الماثلة أمام جميع الفرقاء، والشاهد على ذلك أن خبر تشكيل هذه اللجنة كان مرسلاً وخالياً من الإشارة لمفردات برنامج أو جدول أعمال وإطار للأولويات و... الخ.
اللافت أيضاً، أن هذا الاتفاق قد تزامن مع إبرام اتفاق تجديدي تنفيذي لاتفاق الدوحة الذي أبرم في العام 2006 ليطوي ملف الحرب بصعدة، وتجدد الثلاثاء قبل الماضي عشية زيارة أمير دولة قطر حمد بن خليفة لصنعاء، ما أنعش الآمال بانفراج الأوضاع، وانفتاح كوة في جدار الانسداد السميك الذي وصلت إليه أحوال البلاد، وأوشكت على أن تنفجر بفائض عنفها وحروبها على محيطها الإقليمي، ومحيطها الزجاجي الخليجي بالدرجة الأولى.
والمؤسف أن غيمة الآمال الخادعة انقشعت بأسرع ما يمكن، واندلعت ألسنة الحرب الضارية في صعدة قبل أن يجف حبر الإعلان عن تنفيذ اتفاق الدوحة، واندلع لسان المستشار السياسي الرئاسي عبدالكريم الإرياني، الذي نفث بما يقوض الاتفاق التنفيذي لاتفاق فبراير قبل أن يجف حبر التوقيع عليه، وتكشف للعيان أن "الحاكم" لا يبرم أي اتفاق، ولا يوقع على أي ميثاق إلا من قبيل الانحناء القسري والمؤقت لضغط الأمر الواقع، ولضغط العامل الخارجي، أو الاستجابة لحاجة عابرة أو نزوة.
كما أن هذا الحاكم لا يوقع على أي اتفاق أكان في فبراير أو في يوليو أو في مايو، أو كان في عدن أو صنعاء أو الدوحة أو عمّان، إلا على سبيل الرضوخ لمنطق الهدنة، واستعادة الأنفاس والإمعان في ترحيل المشاكل بدلاً من حلها. وهو بذلك يستوي مع عتاولة كبار في "المعارضة"، حيث يلتقون معه تحت السقف المحكوم، بالذهنية القبيلية التي تعتمد نهج ترحيل المشاكل كقاعدة ذهبية، ولا تتعرف على نفسها إلا في إطار هذا النظام الذي يقع دون مستوى التاريخ، ويمثل الماضي وليس المستقبل في كل الأحوال.
الواضح أن هذا النظام يعتقد بعناد وتخشب أن أبسط استجابة لمطالب الناس والعصر تعتبر خسراناً مبيناً بالنسبة له، وهو لا يوقع على اتفاق سياسي إلا حين يكون قد تجهز للحرب؛ كونه لا يستطيع البحث عن حلول خارج ساحات الحرب. وهو بهذا المنحى يبدو منسجماً مع نفسه أكثر من المعارضة العاجزة عن إدارة وجهها عن السلطة، والإقلاع عن إدمان عادة زهرة عباد الشمس في الدوران حول هذه السلطة.
وليس ثمة من حل لمعضلاتنا القديمة –الجديدة، غير ما يمكن أن يقدمه العصر وقيم الحداثة وثقافتها التي تشترط استخلاص الحلول العصرية الكفيلة بإخراجنا من دوامة الحركة الدائرية التي أهلكتنا و"أرغمتنا دائماً على أن نبدأ كل مرة من جديد، كما في أسطوره سيزيف" -حسب أبو بكر السقاف.
لقد اتفقوا: إنها الحرب
2010-07-26