صنعاء 19C امطار خفيفة

أصداء الأمل: حكايات غزة تحت الحصار

2024-05-24

منذ الأيام الأولى للحرب الوحشية على غزة، ومن قلب مخيم الجلزون برام الله، انهمك الكاتب الفلسطيني زياد خداش، الحائز على جائزة دولة فلسطين التقديرية عن مجموعته "خطأ النادل"، في نسج حكاية للأطفال. حكاية عصفورة فريدة تجابه مطاردة صياد ماكر، مدفوعًا بإيمانه بأن القصص لها القدرة على شفاء جراح الحروب، وترميم أوجاعها. يقول زياد: "لجأت إلى سرد القصص لأبناء أصدقائي، محاولًا تخفيف وطأة الحرب عنهم، وإبعادهم عن الرعب الذي يشهدونه".


رسائل الفنانين والفنانات العرب إلى أطفال فلسطين لقطة شاشة من فيديو الرسالة الأولى رسائل الفنانين والفنانات العرب إلى أطفال فلسطين لقطة شاشة من فيديو الرسالة الأولى (سالي سمير)
مع توالي القصف العنيف وانقطاع الكهرباء، لم يعد بإمكان زياد سرد قصصه لأطفال غزة. في تلك الأوقات العصيبة، لجأ إلى نشر تجربته على إنستجرام، وما لبث أن لاقى تفاعلًا واسعًا من فلسطين والعالم العربي. يؤكد زياد: "كانت اللحظة عفوية جدًا"، ويستطرد: "استجابة لصوت داخلي يحثني على أن أكون جزءًا من هذا المشهد، وأن أسهم بالطريقة الثقافية والفنية التي أجيدها، فالثقافة هي ما أستطيع تقديمه".

"إيمان والطائرة الورقية"


ديمة سحويل، كاتبة أدب طفل فلسطينية ديمة سحويل، كاتبة أدب طفل فلسطينية
في برلين، تفاعلت الكاتبة الفلسطينية ديما سحويل، الحائزة على وسام الشرف من المجلس العالمي لأدب اليافعين، 2010، عن قصتها "إيمان والطائرة الورقية"، مع المنشور بشكل مختلف. رأت ديما أن القصة هي شكل من أشكال المقاومة، وأن الشرارة التي أضاءها زياد يجب أن تستمر وتصل إلى كل أطفال غزة. ومن هنا، بادرت بإكمال حكاية العصفورة، وإلهام حكايات جديدة تعين الأطفال على تجاوز محنة الحرب. تقول ديما في حديثها لـ"النداء" إن "زياد كاتب سخي، لن يتردد في إلهامنا جميعًا لنجمع أقلامنا ونوحد أصواتنا؛ لنرسم سماء فلسطين بالحكايات التي غابت عنها أصوات الجدات في زمن الحرب الوحشية".
وكانت هذه المبادرة شرارة لإنشاء مجموعة "بزر بطيخ"، إذ فاق تفاعل كتاب توقعات ديما: "أثبتت المجموعة أن حدود الوطن والمشاعر أقوى من كل المخططات الاستعمارية، توحدنا في الحزن على أطفال غزة، كتبنا ورسمنا وسجلنا أصواتنا لننجو من الظلمات التي رأيناها على شاشات الأخبار".

القضية الفاصلة بين الحق والباطل


العصفورة في القصة، التي كانت تفر من مطاردة الصياد، وجدت ملاذًا آمنًا عندما فتحت لها الفنانة التشكيلية الفلسطينية أماني البابا، الباب، لتعبر إلى قلوب الفنانين في الوطن العربي كله، ليس لتختبئ، بل لتواجه الصياد وتنتصر عليه، ولتستمر الحكايات بالتدفق من فسلطين ولبنان ومصر واليمن وسوريا والعراق وعمان والكويت، ومن كل أرجاء الوطن العربي، بحماس وحب كبيرين.
أماني البابا فنانة تشكيلية فلسطينية أماني البابا فنانة تشكيلية فلسطينية
أماني، التي كرست فنها لخدمة القضية الفلسطينية، ترى أن قوة حضور القضية كانت الدافع وراء النمو والتفاعل الذي شهده المشروع: "نما المشروع كبذرة بطيخ، لأن فلسطين هي القضية الفاصلة بين الحق والباطل، بين الإجرام والإنسانية، بين النور والظلام. سنستمر في العمل، ولن نفقد الإيمان أمام وحشية هذا العالم المتحضر".
وتستمر أماني في سرد الأفكار التي تجاوزت حكاية العصفورة، وأثمرت عن مبادرات جديدة نتيجة تفاعل أعضاء المجموعة. "فكرة القصص المسجلة والمرسومة، فكرة البطاقات البريدية المنشورة ورقيًا وعلى مواقع التواصل، وغيرها من الأفكار التي ستبقى تعمل من أجل ألا تموت قضيتنا، قضية يؤمن بها الأحرار في العالم كل يوم".

مبادرات جديدة


أما زياد خداش، فيرى أن المشروع تطور وأصبح واسع النطاق، وشاركه فيه العديد من المبدعين العرب، مما أعطاه شعورًا بالرضا والراحة، وإن لم تكن كاملة.
زياد خداش، كاتب فلسطيني زياد خداش، كاتب فلسطيني
هذا الشعور بالحاجة إلى تقديم المزيد، دفع المجموعة لتبني مبادرات جديدة، وسرعان ما تم التعاون بين المجموعة ومؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، وهي واحدة من أعرق المؤسسات الثقافية الفلسطينية، التي تأسست في رام الله خلال الانتفاضة الأولى، بهدف نشر الوعي بين الأطفال من خلال المكتبات والأنشطة وإصدار الكتب.
المشروع الجديد كان عبارة عن 28 رسالة بريدية موجهة لأطفال غزة، الذين يعيشون تحت وطأة الحرب والقصف والجوع والألم، رسائل مليئة بالحب والأمل، شارك فيها كتاب وفنانون ومؤدو صوت، يحملون الأمل الكبير بأن تصل رسائلهم للأطفال ويسمعوها، ويعرفوا أنهم مصدر إلهام، وأن هذه الرسائل كتبت خصيصًا من أجلهم.
بذور البطيخ تسنيم مرغني بذور البطيخ تسنيم مرغني

شعار أيقوني من البطيخ


اكتمل العمل في البطاقات البريدية بعد كتابتها ورسمها وتسجيلها، وبدأت في الانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وستُطبع ورقيًا لتصل إلى الأطفال في كل أنحاء غزة. خلال العمل، برزت الحاجة إلى شعار أيقوني يعبر عن المجموعة ويختزل أهدافها بصورة بسيطة وقوية، وقدمت الفنانة المصرية تسنيم مرغني شعارًا رائعًا يعكس رؤية المجموعة المستقبلية.
تسنيم مرغني، فنانة تشكيلية مصرية تسنيم مرغني، فنانة تشكيلية مصرية
تسنيم، التي تخرجت من جامعة الإسكندرية، وصممت العديد من شخصيات الرسوم المتحركة، ورسمت كتبًا للأطفال، تحدثت عن فلسفة الشعار والمشاعر التي رافقت تصميمه: "المشاعر التي اندلعت بداخلي في أول أيام الحرب، والتي شعرنا بها جميعًا، دفعتني للتعبير عن بعضها من خلال الرسم. رمز البطيخ هو رمز متعارف عليه يعبر عن فلسطين، إذ إن ألوانه تشبه ألوان العلم الفلسطيني، وهذه البذور رمز للجيل الجديد الذي منه ارتفع، ومنه سيكمل المشوار، وتظهر الكثير من الأجيال التي تعبر، وكل طفل يمسك نوعًا من الفاكهة يرمز لإحدى المحافظات، ومنهم من يرفع علامة النصر، وهو النهاية المتوقعة، والتي نعرفها جميعًا".
https://youtu.be/JwcDzH2Nbm4?si=kb9y1m8oPPY6Mtwm
منذ ولادة المجموعة في اليوم العاشر للحرب على غزة وحتى اليوم، قدمت 12 قصة للأطفال و28 بطاقة بريدية، نُفذت جميعها بجهود طوعية خالصة وبحب لا حدود له. يصف السيد إبراهيم، الكاتب المصري لأدب الطفل، وصاحب أكثر من 50 إصدارًا للأطفال، مشاعره عندما تلقى دعوة للانضمام إلى المجموعة: "لم أستطع النوم حتى كتبت نصًا وأرسلته مع التسجيل الصوتي، وكنت سعيدًا جدًا بالمشاركة".
السيد إبراهيم، كاتب أدب طفل من مصر السيد إبراهيم، كاتب أدب طفل من مصر
ويضيف: "اخترت أن أوجه بطاقتي للطفل رمضان أبو جزر، المراسل الغزاوي الشجاع، وسجلتها بصوتي أيضًا"، مؤكدًا أن "أقل ما نستطيع أن نفعله لأجل أطفال فلسطين هو الكلمة".
الحروب قد تدمر البيوت وتمحو المدن، لكنها لا تستطيع أن تغتال الأمل، ومجموعة "بزر بطيخ" هي بذرة صغيرة لشجرة أمل كُتب لها أن تنمو وتتفرع وتزهر ولا تتوقف عن النمو.
https://youtu.be/aZTjJMU-_rE?si=NYPqWbcFj-hKs9QB
 
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً