مصلحة الصهيونية العالمية في اليمن حاليًا تتمثل في إنجاز الحلقات الأخيرة لمشروع تفكيك الجمهورية اليمنية إلى كانتونات صغيرة على أسس مناطقية ومذهبية، وهذا يتطلب بالضرورة أن يظل الحوثي هو الأقوى على الساحة، ولا يعني هذا أن الصهيونية لا تثق في أغلب -إن لم نقل- في كل قيادات مكون الشرعية، فالمؤكد أنها تثق فيهم كلهم وإن بدرجات متفاوتة!
مسامير صهيونية جاهزة لتغرز في الوقت المناسب على مواضعها المحددة لها في نعش الشرعية كما في نعش الحوثيين، وقد تم غرز المسمار الأول في نعش الشرعية من خلال خُذلان دول التحالف لها، فضلًا عن نجاح دول التحالف في تقسيم الشرعية وتجزئتها وفرض قادة لمكوناتها لا يجمعهم جامع من جهة، ولا يثقون في بعضهم البعض من جهة ثانية، ومن جانب آخر فلم يعد أغلب المواطنين في مناطق سيطرة الشرعية بالذات يثقون فيها، ولا في الأشخاص القائمين عليها، بخاصة وقد أزكم فسادهم أنوف خلق الله كلهم في الأرض قاطبة، ولأنها (الشرعية) أصلًا لم يعد لها رقم يذكر على الساحة اليمنية والعربية والدولية، قياسًا بالحوثي (حاليًا)، من ناحية ثالثة، وبالذات بعد أن قامت قوات الحوثي العسكرية بشن عدد من الهجمات في البحر الأحمر ضد السفن الإسرائيلية والسفن غير الإسرائيلية المتجهة إلى إسرائيل، وتستهدف هذه الهجمات -بحسب إعلام الحوثي- نصرة القضية الفلسطينية. وبصرف النظر عن مدى كون تلك الهجمات تصب حقيقةً في خانة مصلحة القضية الفلسطينية من عدمه، فقد أوجدت مؤيدين لها في الساحة اليمنية وفي الشارع العربي كله!
أما على الساحة الدولية فالاعتراف الدولي بالشرعية لم يخدم القضية اليمنية كما ينبغي، وكما كان متوقعًا، لاسيما ورئيس البلاد الشرعي حين إعلان تأييدها للشرعية ورفضها للانقلاب الحوثي، كان عبد ربه منصور هادي الذي كان حظي بتأييد دولي غير مسبوق، وكان المتعين على دول ألعالم الحر أن تقف مع شرعيته وتناصرها حتى المنتهى، لكنها مع الأسف خذلته، بل خذلت الشرعية الدستورية للجمهورية اليمنية، وتغاضت عن إشعال الحروب في اليمن، بل باركت هذه الحروب عدد من الدول تحت غطاء دعم استعادة الشرعية! ولأنها (الشرعية) من ناحية رابعة شرعية قد أصبحت جديرة بالإشفاق، كونها أصبحت مكسورة الجناح بعد تراجع أغلب اليمنيين عن دعمها ومناصرتها معنويًا، كرد فعل لخذلانها لهم، فوق كونها في حالة عوز عسير مرير يجعلها بدون دعم دول تحالف وبالذات السعودية والإمارات في حكم العدم، ومن جانب آخر فالشرعية تتساوى وبقية القوى السياسية والفصائل المليشياوية الأخرى المتحكمة في الشأن اليمني، دون استثناء، في كونهم جميعًا خُدامًا لخُدام الأدوات الرئيسية للصهيونية في المنطقة، وبالذات أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، بدليل سوءات أفعالهم الإجرامية بالغة القسوة التي أنهكت اليمنيين في اليمن كله من أقصاه إلى أقصاه، والتي تصب في النهاية لمصلحة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا تحديدًا!
الصهيونية تفضل في العادة التعامل مع الطرف القوي في أي صراعات داخلية لأية دولة استطاعت أن تشعل فتيل الصراعات الداخلية فيها، والطرف القوي في الكارثة اليمنية (حاليًا) هو الحوثي، فهو أكثر مقدرة من الشرعية في بسط سيطرته الفعلية على المحافظات والمناطق التي يسيطر عليها، بصرف النظر عن أخلاقية أو عدم أخلاقية وسائله وأساليبه المتسمة بالقوة المفرطة والعنف المبالغ فيه في تعامله مع المواطنين من أجل إثبات هيبته وبسط سطوته وتأمين سلطانه وحماية استبداده، كما أنه فوق ذلك يشكل تهديدًا جديًا على بقية المحافظات والمناطق الخارجة عن سيطرته والتي تقع في نطاق سيطرة الشرعية!
وإذا كانت أدوات الصهيونية العالمية تدخلت -ولاتزال- بشكل مباشر وغير مباشر، عن خلق الظروف والعوامل الداخلية والإقليمية والدولية التي تجعل من الحوثي الأقوى في الساحة، فما ذلك إلا لأنها أدركت مبكرًا أنه الأجدر -مؤقتًا- باستحقاق دعمها الآني، ولأنها تثق كلية في أن لديه توجهًا مذهبيًا عنصريًا جهويًا هدامًا مرحبًا به من جانبها، كون تنفيذه يصب في صميم رغبتها ومصالحها، بصرف النظر عن هزلية شعاره "الفارسي" العدائي الداعي لموت أمريكا وإسرائيل، ولأنها كذلك تثق في مقدرتها على ترويضه عند الحاجة بأريحية تامة، مثله مثل غيره من أطراف الكارثة اليمنية كلهم، وفي أن تفرض عليه بكل أريحية كذلك لزوم احترام مصالحها وتقديمها على ما سواها، ولأنها أيضًا قادرة على تقويضه، بل إزاحته هو وأتباعه من المشهد السياسي اليمني كله، بكل سهولة، بعد أن يكون قد أنجز المهام التي كان إنجازها هو الغرض من دعمه ليكون الأقوى في الساحة، أو متى بدا لها أنه لم يعد قادرًا أو راغبًا في القيام بالدور الموجب لدعمه!
ومع أن الشرعية تتبنى مشروع الدولة المدنية، وهو المشروع جدير بالوقوف لمناصرته، في حين أن مشروع الحوثي مشروع "الولاية"، وهو ما يجب دعوة الحوثي لنبذه، لأنه مشروع خاسر، وترفضه قوى الشعب اليمني في غالبها الأعم، إلا أن الشرعية تتماثل مع الحوثيين في شيوع الفساد في أوساط أغلب كبار وصغار مسؤولي الطرفين، وفي سوء التعامل مع المواطنين، وعدم الاهتمام بكفالة الحد الأدنى لضروريات الحياة المعيشية اللازمة لهم، وفي كثير من العوامل الكفيلة بلزوم أن توقظ في الناس الرغبة الجامحة لرفض الأوضاع المتردية في البلاد، وسفه وطغيان القائمين عليها من جميع الأطراف، بما يؤدي وفق قواعد التاريخ والسياسة إلى قرب مآل سقوطهما معًا (الشرعية والحوثي) تحت سطوة غضب الجماهير، وقد يسبق الحوثي الشرعية في السقوط، لأنه أكثر منها في تعمد المبالغة المستمرة في تجويع الناس وإفقارهم واستبدادهم والإفراط في استخدام القوة والعنف في التعامل معهم، وفي تعمد دوام استفزاز أبناء الشعب اليمني الجمهوري الوحدوي، والتمادي في اختبار صبرهم على كثرة تعمد مساسه بمبادئهم ومسلماتهم النابعة من هُويتهم الوطنية الجمهورية، كما في حالات قيامه بمحاولة إلغاء الهوية الوطنية اليمنية وإحلال هوية بديلة خارجية، وكما في قيامه بمحو وإلغاء كل ما يذكر بواحدية الثورة اليمنية: ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963، وأبطالها، آخرها قيامه بإعادة ترميم البوابة الرئيسية لدار الرئاسة، وتعمد محو عبارة 26 سبتمبر واستبدالها بعبارة 21 سبتمبر، والتلميح بالاتجاه نحو العبث بمسمى الجمهورية اليمنية وعَلَمها وطبيعة نظامها السياسي المقر وفقًا للدستور..!
الصهيونية لا يعنيها الكلفة الباهظة التي سيتكبدها اليمنيون من أجل إزاحة الحوثي من على الساحة، ومن أجل تمكين من تكون قد أعدته -الصهيونية- خلفًا له، سواءً أكان من رموز الشرعية الحاليين أو من أوساط الحوثيين أنفسهم أو من غيرهم، فستبرزه في الوقت الذي تراه مناسبًا ليبدو مخلصًا للشعب اليمني من جور ظلم الحوثي وطغيانه، وما هذا بجديد على واقع سياسات أدوات الصهيونية عبر تاريخها الأسود الغادر بأصدقائها وعملائها، فليس هناك من يجهل أن أمريكا مثلًا، وهي واحدة من أخبث أدوات الصهيونية العالمية وأقذرها، قد "دأبت على التخلي عن حلفائها عندما يصلون إلى وضع لا يستطيعون فيه أن يقوموا بالأدوار التي تدعمهم لأجلها"، فسياستها دائمًا هي أن "الحاكم كعود الكبريت يستخدم لمرة واحدة، ثم ينتهي بالنسبة لهم، بخاصة إذا كان هذا الحاكم لا يستمد قوته من شعبه، وليس له حاضنة شعبية"، أو أنه وصل إلى سدة الحكم بالغلبة والاستقواء بالسلاح بدعمهم المباشر أو غير المباشر. وأيًا كانت طبيعة شكل ذلك الدعم وتلك الصداقة سرية كانت أم علنية، فضحاياها من هؤلاء وأولئك كثر، أشهرهم "الرئيس الباكستاني برويز مشرف، وشاه إيران، والرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس، ومانويل نوريجا رئيس بنما، وإدوارد شيفارنادزه رئيس جورجيا، وسوهارتو رئيس إندونيسيا، وبينوشيه دكتاتور تشيلي، وباتسيا دكتاتور كوبا، وموبوتو رئيس الكونغو، وبن علي رئيس تونس، والملك السنوسي ملك ليبيا، وغيرهم من قادة دول العالم"، ولا أظن أن مستقبل أصدقاء الصهيونية من قادة وحكام وساسة بلادنا، قد يخرج أي منهم عن إطار كونهم كمن سبقهم مجرد أشباه أعواد الكبريت، كل واحد منهم يستخدم لمرة واحدة فقط، وسيندمون أشد الندم لتفريطهم بوطنهم اليمن أرضًا وإنسانًا. وبالمقابل يجب أن يثق اليمنيون كلهم أن النصر آتٍ، بل هو المصير المحتوم لليمن واليمنيين، وقريبًا بإذن الله وبمنطق التاريخ والدين والجغرافيا، وأن المصير المحتوم لمن يعبث بالوطن آتٍ قريبًا بإذن الله تعالى، وهو بمنطق التاريخ والدين والجغرافيا هو الزوال المخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة..!
علينا أن نثق وبقوة بأن اليمن الجمهوري الموحد -بإذن الله تعالى- بقليل من الصبر وكثير من العمل، سينتصر حتمًا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التاريخ لن ينسى قبح وجرائم من غدر باليمن وأشعل الحروب العبثية فيها، وتاجر بدماء وأرواح شبابها وأطفالها وشيوخها ورجالها ونسائها واقتات، وأثرى على حساب حياة الشهداء ودماء الجرحى في الحروب العبثية التي عانت من ويلاتها اليمن كلها!
ولله في خلقه شؤون!
حتمية انتصار اليمن الجمهوري
2024-04-28