في واقع الحال، كثر الكلام في هذه الأيام عن إعلام عربي لم يرتقِ إلى مستوى المهنية، فكل ما نجده في الوقت الراهن عبارة عن صحافة، وقنوات إعلامية غير مسؤولة تابعة لأنظمة عميقة لا تواكب الأحداث الراهنة في العالم العربي، وبقي إعلامها أسيرًا لذلك الماضي البئيس.
الجدير بالذكر، أن إعلاميين كثر في العالم العربي لم يستوعبوا طبيعة المرحلة الجديدة، وإن ما قبل ثورات الربيع العربي التي اشتعلت شرارتها بدءًا من تونس (17 ديسمبر 2010م) لن يعود مرة أخرى. فالثورات بعد هذا التاريخ ستظل متجددة ومتصدية لأي حكم تيوليتاري مستبد، ولافظة لزمن الفقر والقهر والعسف والفساد.
لذلك، فلا مجال لهدر الوقت دفاعًا عن تلك المرحلة تعشمًا في عودة الأنظمة من جديد إلى سدة الحكم، والأولى تشجيعها على الاستثمارات في بلدانها بدلًا من فقدانها منفعة دول أخرى، فالشعوب أصحاب الحق أجدر برجوع أموالهم. وعليه، لا مجال للنفاق الإعلامي والسياسي ومسح الجوخ لأنظمة غير مرغوب في عودتها للحكم.
وعلى صعيد آخر، إن العالم العربي يواجه تحديات جسامًا تكاد تعصف به، في حين أن النظام العربي السياسي والإعلامي عاجز عن الارتقاء إلى مستوى المواجهة.
في واقع الأمر، إن الإعلام أظهر عجزه في مسايرة التطورات الراهنة بالتصدي للإعلام المناوئ أو إظهار تماسكه على الأقل في فضح ما يرتكبه الكيان الإسرائيلي الصهيوني الغاصب للأراضي الفلسطينية المحتلة، وبخاصة في قطاع غزة، من إبادة جماعية للإنسان والشجر والحجر التي تفوق جرائم النازية والفاشية معًا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، وكذا جرائم "الكاوبوي" لسكان البلاد الأصليين في العالم الجديد قبل قرنين ونصف القرن.
وما يجري حاليًا هو محاولة مستميتة لتصفية القضية الفلسطينية بمساندة ودعم الاستعمار الصهيوني الأنجلوسكوني (الأميركي - البريطاني) والحكومات الغربية، والتنفيذ الممنهج لخارطة الشرق الأوسط الجديد، ومشروع القرن الذي يشمل إقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، والاستحواذ على ثروات المنطقة العربية، والسيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية في المنطقة كأمر واقع، وتفتيت المنطقة إلى دويلات متناحرة لا تقوم لها قائمة.
مع العلم، إن ما يكتنزه الوطن العربي من إمكانيات ومقدرات تفوق الشرق والغرب ثراء، وما يلزم هو الحراك العربي السريع صوب إنشاء "اتحاد عربي" وإقامة "سوق عربية مشتركة"، والتعامل الند بالند مع التجمعات الدولية الأخرى. ويفضل أن يوجه الإعلام صوب القضايا العربية الراهنة، وإصلاح الأوضاع الداخلية في بلدان عربية تتعرض للتجزئة والحصار، وعلى الجميع أن يدرك أن الدور سيأتي على كل الدول لا محالة.
ومما يزيد الطين بلة، أن الأنظمة العربية العميقة ماتزال تسيطر على الإعلام وتوجيهه لمصالحها حنينًا وشوقًا للماضي، وهذا الأمر -حسب شعوب المنطقة- بعيد المنال. ومن المأمول، أن يتفهم الجميع من أحزاب وإعلاميين أن ما قبل ثورات الربيع العربي لن يعود إلى الوراء مطلقًا، وأنه لا مجال لأحلام اليقظة الرامية إلى عودة أنظمة أفسدت في الأرض.
قمين بالذكر، إن إنقاذ العالم العربي بعد أربعة عقود جثت على الصدور وأوصلت الأمة العربية إلى تزاحم الموتى في القبور، لن يتأتى إلا بسواعد شباب الأمة التي ستظل تحمل الشعلة، ولن تضل الطريق بعد "ثورة الياسمين" الطليعية المتجددة.
وأؤكد من جديد، أن المؤامرة كبيرة على العالم العربي من قبل الاستعمار الصهيوني. وما يقتضي سوى اليقظة والحذر والإعداد الجيد للحؤول دون تنفيذ المخطط الاستعماري لتقسيم المنطقة.
وليس بمستبعد أن تعود الأمة العربية بإمكانياتها المادية والبشرية، لما تصبو إليه من عزة ورفعة، وكرامة، إذا خلصت النوايا، وتعززت الثقة.
رحم الله الشاعر محمد مهدي الجواهري:
ردي يا خيول الله منهلك العذبا
ويا شرق عد للغرب فاقتحم الغربا
وآخوا بنا شعبًا وهانت أخوة
إذا كنت تلقى عندها الفرد لا الشعبا
إعلام عربي عفا عليه الزمن
2024-02-01