فعلى إثر سلسلة منشورات تنتقد قمع وتجويع السلطات الحوثية لليمنيين والاستحواذ على رواتب الموظفين، توعده ناشطون يتبعون الجماعة بإسكات صوته، وعدم تركه "يروج لأمريكا"، حد زعمهم.
يوم 2 يناير الجاري، نفذ جهاز الأمن والمخابرات، المستحدث من قبل الحوثيين، تلك التهديدات، ولكن بإخراج ودراماتيكية مغايرة وأشدّ إيلامًا. في الساعة العاشرة صباحًا، كان القاضي قطران وأولاده نائمين، عندما حاصرت مدرعتان عسكريتان وأطقم أمنية، حيهم بالقاع، وسط العاصمة. وترجل منها أكثر من 30 مسلحًا، وانتشروا بطول الأزقة المؤدية، وشرعوا باقتحام بيتهم واستباحته.
كانوا يرتدون أزياء عسكرية ومدنية، وملثمين
مساء ذلك اليوم، اقتادت القوة المسلحة القاضي قطران، مكبلًا، إلى جهة غير معلومة. حتى الآن، وبعد مضي 26 يومًا من اعتقاله، مايزال قطران مغيبًا عن القانون، في زنزانة انفرادية تحت الأرض، وممنوعًا من الزيارة. في حين تواجه أسرته ضغوطًا نفسية وعصبية، مستمرة منذ الاعتقال التعسفي وغير القانوني بحق والدهم، وتنتابها مخاوف على سلامته وتعرضه للتعذيب الجسدي والنفسي في السجن.
يعتبر القاضي محصنًا حسب القانون. وتنص المادة 87 من القانون رقم 1 لسنة 1991، بشأن السلطة القضائية، على أنه لا يجوز القبض على أي قاضٍ "إلا في حالة التلبس" أو "بأمر من رئيس مجلس القضاء الأعلى". بيد أن جهاز الأمن والمخابرات، انتهك القانون، وذهب لمداهمة منزل القاضي قطران واعتقاله بتوجيه "عبدالملك الحوثي"، حسبما أبلغ مسؤولون في سلطات الجماعة أسرته. لم تتوقف المهمة عند اعتقاله، بل عمد المقتحمون إلى إذلاله؛ فبينما احتجزوا أسرته لساعات، وعبثوا بمنزله، قاموا بتلفيق التهم له والتشهير به وبأسرته أمام سكان حارته، بغرض "الإساءة لسمعته واعتباره، وتصفيته معنويًا"، وفق ما تكشفه الوثائق والمقابلات التي أجراها معد التقرير.
صباح الأحد الفائت، وبينما كانت أسرته تنتظر خبر إطلاقه، حسب الوعود المتكررة، سمح لقطران بإجراء مكالمته الأولى لأسرته: سأل أحمد، والده عن حاله، أجاب: "أنا ميت". تم قطع المكالمة، ولم تستمر لأكثر من عشرين ثانية، وفقًا لأحمد. ما ضاعف حالة الفزع والرعب والإرهاب التي تعيشها أسرته منذ الاعتقال.
اعتقال مرعب وغير أخلاقي
في مشهد مروّع يعكس غلظة القهر الحوثية، استيقظت أسرة قطران مرعوبة، من ضرب المسلحين للباب الحديدي الصغير لبيتهم، بقوة، وشرعوا في تحطيمه على الفور. وما إن بلغ نجله أحمد ذو الـ18 عامًا، الباب، كان شبه مخلوع، حسبما يفيد لـ"النداء". واصفًا الإرهاب الذي مارسه المقتحمون بحقهم، بقوله: "قبلما أنطق، كانوا يصيحون: ارفع يدك، وبنادقهم مصوبة لرأسي وكاميراتهم تصوّر".
اقتاد المسلحون أحمد وشقيقيه عبدالرقيب (17 عامًا) ومحمد (19 عامًا)، "إلى المدرعة مكبلين، واحتجزونا فيها"، وإلى جوارهم احتجزوا عبدالسلام ابن عمهم، لحظة وصوله زائرًا بعد ساعات. كما اقتادوا القاضي مكبلًا، من غرفته وبملابس نومه، واحتجزوه في المدرعة الأخرى. كانت كبينة المدرعة "ضيقة جدًا ولا تتسع لأكثر من اثنين، وبلا تهوية، وتشبه الضغّاطة"، كما يصف محمد ظروف احتجازهم لـ"النداء". ويضيف: "احتجزونا وإحنا بلا صبوح، وتركونا بدون أكل أو شرب من 10صباحًا حتى 5 مساءً".
أخلى المسلحون بيت قطران من أهله "واستباحوه لأكثر من سبع ساعات دون رقيب ولا شاهد"، حسبما يفيد محمد. فبينما ظل القاضي وأولاه محتجزين داخل المدرعتين، كانت أربع مجندات من المقتحمين، يحتجزن ابنته وزوجته وأختها، التي تزورهم منذ حوالي ساعة، بإحدى الغرف، لعزلهن وتهديدهن وترويعهن، بعد تفتيشهن ومصادرة تلفوناتهن، وفقًا لمحمد.
تمام الساعة الثانية ظهرًا، أعاد المسلحون قطران إلى بيته "المحتل" للتحقيق معه، بالرغم من أن الجهة الوحيدة المخولة بالتحقيق معه، هي "هيئة التفتيش القضائي"، طبقًا لنص المادة 111 من نفس القانون. بعد ثلاث ساعات من التحقيق معه داخل بيته، أخرجوه مكبلًا تمام الساعة الخامسة، واقتادوه وسط إحدى المدرعات إلى مكان مجهول.
المشهد الترويجي البائس
لم يكتفِ المقتحمون بانتهاك الحياة الخاصة لقطران واعتقاله، بل حاولوا ممارسة التضليل على الرأي العام بتشويه سمعته لتبرير القمع والتنكيل بأحد القضاة، وواحد من أبرز معارضي الحوثيين بصنعاء.
في الخامسة مساءً، وبعد اعتقال القاضي، تم إخراج محمد وشقيقيه وابن عمهم من المدرعة التي تم احتجازهم فيها، إلى ساحة العرض لتصوير المشهد الأخير. وكما يقول محمد، فقد أخذهم المسلحون، وطلبوا منهم "الوقوف بجوار طقم عسكري كان محملًا بقوارير زجاجية وبلاستيكية معبأة بأنواع الخمور لم أرها حتى في الصور"، بينما كان عشرات المواطنين يتجمعون حولهم، وشرعوا بالتشهير: "كانوا يصوروننا فيديو، ويقولون لنا: شوفوا ما بيفعل أبوكم، شوفوا حقه الخمور والمعصرة... شفوا كيف بهذلكم وشوّه سمعتكم بحقه السكار".
سخر اليمنيون على منصات التواصل الاجتماعي، من تلك الاتهامات، واعتبروها "إفلاسًا حوثيًا"، ما دفع الحوثيين إلى البحث عن إسناد ودعم "لمسرحيتهم الهزيلة"، كما يصفها محمد. فمنذ اليوم التالي للاعتقال، بذلت عناصر تابعة لمليشيا الحوثي جهودًا حثيثة للتواصل مع عدد من جيران قطران والالتقاء ببعضهم، وطلبت منهم شهادات لإسناد التهمة المفبركة ضد القاضي قطران من أجل الإساءة لسمعته، دون جدوى، طبقًا لمصادر مقربة من الأسرة. وبينما رضخ البعض لتهديدات العناصر وشهد ضده، فقد تم تهديد الرافضين واعتقال بعضهم، كما حدث مع جاره عبدالسلام بُخرَة. فبعد أن فشلوا في توظيفه واستمالته، بل تقديمه شهادة مصورة عن أخلاق القاضي؛ أرسلوا له حملة عسكريه لاعتقاله بهدف الضغط عليه، ليتم إطلاق سراحه بعد ساعات، ورد اعتباره.
خلال عملية الاعتقال الدراماتيكية التي استمرت لساعات، فرض المسلحون الذين اقتحموا بيت قطران إجراءات ورقابة مشددة على سكان الحي، وهددوا باعتقال كل شخص يحاول التصوير، طبقًا لروايات الشهود، كما صادروا بعض التلفونات عندما حاول أصحابها توثيق الواقعة، بينها تلفون امرأة كانت تصور من سطح بناية مكتب كهرباء الأمانة بشارع الزراعة. وعلاوة على ذلك، فقد هدد المسلحون كافة المحلات التجارية المجاورة، من تسريب أي تصوير من كاميرات محلاتهم، وفقًا لرواية عامل بأحد المحلات لمعد التقرير.
قبل أسبوع، زار معد التقرير منزل القاضي قطران، للتأكد من المزاعم التي روّج لها جهاز المخابرات، والبحث عن معمل الخمور المزعوم. كان المنزل بسيطًا ومتواضعًا كأي بيت شعبي في حي القاع القديم. طاف بي محمد في أرجائه لمعاينة البيت، وهل هناك أية علامات لوجود معصرة في بيت لا يكفي بأكمله لتركيب معمل.
القاضي قطران والصحفي مجلي الصمدي في صورة للتعبير عن احتجاجهما ومطالبتهما بصرف رواتب الموظفين المنقطعة منذ سنوات (النداء)
كفاح في مواجهة القمع
القاضي قطران هو قاضٍ يمني، عُرف بصلابته في مواجهة الانتهاكات، إذ اختار العمل السلمي في وجه القمع والظلم. وخلال السنوات الماضية، تلقى تهديدات لا حصر لها، لكنه ظل صامدًا في وجهها، متمسكًا بمبادئ العدالة وسيادة القانون حتى في ظل الظروف الصعبة.
تخرج قطران من المعهد العالي للقضاء في عام 2007، وعين قاضيًا في محكمة جنوب غرب الأمانة الابتدائية. وبعد عامين، عين رئيسًا لمحكمة الرضمة الابتدائية بمحافظة إب. وفي عام 2011، انضم إلى الثورة الشبابية الشعبية، وأعلن تأييده لها من على منصة ساحة التغيير بصنعاء.
ولكن بسبب موقفه من الثورة، كما يقول في مدونته، تم فصله من عمله في المحكمة، وتعرض لضغوط كبيرة من قبل وزارة العدل، ليتم تعيينه في درجة أقل، ومن ثم استبعاده من أي تعديلات قضائية. ومع ذلك، لم يستسلم قطران، وواصل نشاطه الحقوقي والسياسي، ورفع دعوى أمام المحكمة العليا لإلغاء قرار فصله.
في السنوات اللاحقة، ومع خروج الحوثيين للاحتجاج، سارع قطران لتأييد تلك الاحتجاجات، التي انتهت باجتياح مسلحي الجماعة، للعاصمة صنعاء، والسيطرة على الدولة بقوة السلاح، في 21 سبتمبر 2014.
في عام 2017، شارك قطران في حركة 20 مايو، التي طالبت الحوثيين بتوفير الرواتب ولقمة العيش لليمنيين. ومنذ ذلك الحين، تعرض للمضايقات من قبل الحوثيين بشكل متزايد، حتى تم اعتقاله في يناير 2024.
***
خبرت أسرة قطران العيش في قلب المحن. حيث سبق أن تعرض للاعتقال والاختفاء القسري مرتين عام 2017، الأولى في 25 مايو 2017، حيث تم اقتحام منزله الساعة الخامسة فجرًا، من قبل "قوة مسلحة لعدد كبير من الأطقم والسيارات المدرعة، أرهبوا الحارة والأطفال، باستخدام مفرط للعنف المليشياوي"، قبيل وقفة احتجاجية للمطالبة بدفع رواتب الموظفين، دعت إليها حركة "20 مايو" التي يشغل فيها منصب نائب الرئيس. أطلق سراحه بعد 6 ساعات "أمضاها في زنزانة انفرادية في الأمن السياسي، وعيناه معصوبتان ويداه مقيدتان". وقد اعتقل يومئذ النائب البرلماني أحمد سيف حاشد، وتعرض للضرب المبرح، وعدد من المحتجين من ميدان التحرير عند تنفيذ الوقفة.
وفي 7 أكتوبر 2017، اعتقل مجددًا، حيث اعترضت مدرعة عسكرية، سيارة القاضي عبدالوهاب قطران، الذي كان رفقة أسرته بشارع حدة جنوب العاصمة، في طريقه لعلاج زوجته في إحدى العيادات. ترجل مسلحون وصوبوا أسلحتهم نحو القاضي وزوجته ونجليه، وأرغموه على الصعود بالقوة على متن سيارة مدرعة، واقتادوه إلى زنزانة بالأمن السياسي. تم إطلاق القاضي قطران بعد أسابيع بناء على عفو من زعيم الحوثيين.
اعتقال القاضي قطران، هو أحد الأمثلة المفترضة على نمط أوسع من قمع الحوثيين لحقوق الناس في حرية التعبير، فضلًا عن نمط من الانتهاكات ضد النشطاء ومن يُنظر إليهم على أنهم معارضون سياسيون، حسبما يفيد تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، الصادر أمس الثلاثاء. مشيرًا إلى أن قوات الحوثيين اعتقلت تعسفًا النشطاء والصحفيين والطلاب، وأخفتهم، واعتدت عليهم، وعذّبتهم، وغالبًا ما اتهمتهم بارتكاب مخالفات لا أساس لها ولا علاقة لها بحرية التعبير، في انتهاك لحقوقهم في المحاكمة العادلة، والحرية، والأمن.
باحثة اليمن في المنظمة، نيكو جعفرنيا، علّقت على ذلك قائلة: "بينما ينشغل الحوثيون بالترويج أمام العالم أنهم يدافعون عن الفلسطينيين في غزة ضد الفظائع الإسرائيلية، يُسكِتون بلا رحمة اليمنيين تحت حكمهم الذين يتجرؤون على انتقادهم. المطالبة بحقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين تنطبق أيضًا على اليمنيين".
إسكات الأسرة وإرهابها
لاذت أسرة قطران بنادي القضاة ومجلس القضاء الأعلى ووزير حقوق الإنسان في حكومة صنعاء، وكذلك مجلس النواب. ولكن بعد أسابيع، قالت الأسرة إنها لم تتلقَّ أي رد حتى الآن، باستثناء رسالة واحدة وجهها رئيس المجلس يحيى الراعي إلى رئيس جهاز الأمن والمخابرات. وبحسب محمد، فإن مسؤولًا رفيعًا في اللجنة الثورية العليا أبلغ أسرة قطران، عبر اتصال هاتفي، بضرورة التزام الصمت والابتعاد عن الصحافة وتجنب التصعيد بكافة أشكاله، فذلك كله -حسب المسؤول الرفيع- سيزيد الأمور تعقيدًا، وسيعطل عملية إطلاق والدهم خلال ثلاثة أيام.
بعد أن تنصلت السلطات القانونية المعنية من القيام بواجبها لإنهاء محنة قطران، وفي ظل الظروف القمعية الشديدة والإرهاب والسيطرة على المجال العام، بدت الدعوة الموجهة لقبائل همدان لعقد لقاء قبلي، هي الأداة والنشاط الوحيد الممكن للدفاع عن قطران للمطالبة بالإفراج عنه.
صباح السبت 6 يناير الجاري، احتشدت وجاهات وأبناء قبيلته همدان، وعقدوا لقاء قبليًا لمناقشة القضية والمطالبة بسرعة إطلاقه ومحاسبة المعتدين. لكن سرعان ما حركت السلطات حملة أمنية للحيلولة دون انعقاد الاجتماع الثاني في اليوم التالي، والذي كان مقررًا أن تتم الدعوة فيه لجميع قبائل همدان. يقول محمد: لقد جن جنونهم، وأرسلوا حملة عسكرية لاعتقالنا وإسكاتنا وترهيبنا، وإبطال الموقف القبلي وتوقيف التصعيد.
لم يكتفِ مسؤولو الجهاز بالحملة والتهديد، بل مارسوا أسلوبي الترغيب والترهيب لإخماد ذلك. ظهر يوم الاجتماع، اتصلوا لعاقل الحارة، وطلبوا منه إيصال التلفون لزوجة قطران، ليخبروها بأن زوجها يطلب حضور نجله أحمد لزيارته.
احتجاز الزائر والضغط المزدوج
في الساعة الثالثة وصل أحمد إلى مقر جهاز المخابرات لزيارة والده كما أخبروه، لكنهم تركوه في الانتظار ثلاث ساعات. بعد ذلك سمحوا له برؤيته "من خلال زجاج عازل وهو على بعد متر تقريبًا"، وتحدث معه لمدة ثلاث دقائق بواسطة سماعة تلفون، وتحت مراقبة ضابطين واحد إلى جواره والآخر جوار والده، حسبما يفيد أحمد.
بعد اطمئنان قطران على أسرته وأولاده، طلب من نجله إيصال رسالته لإخوانه بالتركيز على دراستهم والتوقف عن التصعيد مؤقتًا. وأخبره أن "قضيته لدى عبدالملك الحوثي، وهناك وعود بالإفراج خلال ثلاثة أيام، ما لم فصعدوا".
لم يعجب ذلك مسؤولي الجهاز الأمني، كما يبدو، فعندما همّ أحمد بالمغادرة مع انتهاء اللقاء، طلبوا منه الانتظار بحجة أن والده سيتحدث معه. وأجبروا أحمد على إعطائهم كلمات السر الخاصة بأجهزة اللابتوبات التي يستخدمها في دراسته، وكذلك تلفونه. لم يتبقَّ سوى فتح تلفون شقيقه الأكبر محمد، فطلبوا من أحمد الاتصال به للحصول عليها. رفض محمد الاستجابة قائلًا: "والله ما تستضوها"، فتوعدوه بالاعتقال، "قالوا لي أحسن لك تقولها لنا الآن، وإلّا بانجي لك للبيت ونأخذها غصبًا، وهذا ليس من مصلحتك ولا مصلحة أخوك". لم يكن مجرد إيعاز باحتجاز أحمد، لأنهم احتجزوه فعلًا لعدة ساعات إضافية بهدف "ممارسة الضغط عليّ وكذلك على الوالد". بعد عدة ساعات أعادوا أحمد لرؤية والده، لنقل رسالة محدثة: قلهم يوقفوا أي تصعيد أو مطالبة. قضيتي مع عبدالملك وقد وعدوا بالإفراج عني.
بعد هذه الزيارة التي هدفت لإخماد التصعيد والمطالبة، قرر الجهاز عدم السماح بزيارته مرة أخرى، وأبلغوا الأسرة بذلك، وأنهم سيسمحون لزوجته فقط. كانت الزوجة خائفة جدًا من الذهاب وحيدة، فطلبت من صديق زوجها البرلماني أحمد سيف حاشد، مرافقتها في هذه الزيارة، لكن الجهاز رفضوا إدخالهما، ولم يسمحوا بأية زيارة له مطلقًا حتى اليوم.
فشلت عدة محاولات قام بها النائب البرلماني أحمد سيف حاشد، لزيارة صديقه قطران في السجن. ويقول في حديثه لـ"النداء": "أنا ذهبت لأزوره بصفتي عضو مجلس نواب ونائب رئيس لجنة الحريات في مجلس نواب صنعاء، ولكن لم تسمح لي جهة الأمن والمخابرات بزيارته".
الأذى بمختلف أشكاله
تتقاسم أسرة قطران أعباء مواجهة الحرب التي أعلنتها السلطة الحوثية بصنعاء ضد عائلها: تقاوم زوجته الخوف، ويتحدى أولاده القهر واليأس. مع ذلك يؤمن جميع أفراد الأسرة بأن والدهم يعاقب نتيجة انتقاده "للظلم والفساد المرعب لسلطات الحوثيين".
واجه محمد ضغوطًا نفسية مرعبة، لكنه تجاوزها. وعندما عاد إلى البيت كان كل شيء مبعثرًا "الملابس، الأوراق، الوثائق التعليمية والخاصة بنا، المخازن، البصائر، والكتب"، ويظهر ذلك في الفيديو الذي سجله محمد عقب إطلاقهم وخروج المسلحين.
وجهد محمد من أجل إعادة السكينة لأسرته؛ والدته وإخوانه وأخته، لكنه أخفق. "جلسوا مرعوبين، وما قدروا يناموا، ويتخيلون الاقتحام الوحشي للبيت". "ظلت أمي خائفة من عودة المسلحين لمهاجمة البيت واعتقالنا".
لقد تعرضت والدته وأخته وخالته للتهديد المرعب بإيذاء أبنائها، وتم الضغط عليها للتوقيع على محضر التحقيق، بعد أن رفض القاضي التوقيع عليه، كون الإجراءات المتبعة غير مشروعة وغير قانونية.
استخدم الجهاز كل إمكانياته لإرهاب الأسرة المرعوبة بكافة السبل. فعلاوة على الأذى النفسي الذي لحق بأسرة قطران، جراء اعتقاله التعسفي، وما صاحبه من انتهاكات وتعسف وإساءة، هنالك أذى معنوي لم يتوقف بالتشهير، بل الإضرار بمستقبل أولاده التعليمي.
بمصادرة المسلحين لأجهزة اللابتوبات والتلفونات الخاصة بأولاده، حرم أحمد الذي يدرس في تخصص برمجي مرتبط بالأمن السيبراني، وكل دراسته مرتبطة بالحاسوب.. المقتحمون صادروا حاسوبه، وأصبح محرومًا من الدراسة. لم يتمكن من حضور الاختبارات لخمس مواد عملية خلال الأيام الماضية. أمّا شقيقه الأكبر محمد فقد حرم من حضور امتحانين.
حتى الآن، ماتزال أسرة قطران تواجه التهديدات بطرق شتى، فبينما يتلقى محمد تهديدات بالاعتقال، تتلقى الأسرة رسائل تهديدات بأنهم لو تكلموا فلن يروه ثانية. يؤمن محمد بسداد مواقف والده ومطالبته بإنهاء الظلم، ويقول إن هذه المبادئ ستظل راسخة لدى قطران وأولاده من بعده.
كما شكر محمد كل الأحرار والشرفاء داخل اليمن وخارجها، الذين يساندون أسرته في هذه المحنة. ودعاهم إلى البقاء مع الأسرة، وإسنادها في الضغط على السلطات الأمنية بصنعاء حتى إطلاق سراح والدهم.