تعيب الولايات المتحدة وقطيعها على تنظيمات وأحزاب عربية تتحالف مع إيران بأنهم "وكلاء إيران". وعندما يتحدث ساسة الغرب وإعلامه عنهم لا يكفون عن نعتهم بأنهم وكلاء إيران، بينما يتعففون عن وصف أنفسهم بأنهم وكلاء إسرائيل. لقد نجحت الولايات المتحدة، إلى حد كبير، في شيطنة إيران وحلفائها حتى اعتاد عرب كثر على ترديد نفس العبارة، ناسين أن بعض بلدانهم وكيلة بصورة أو بأخرى لواشنطن.
التحالفات ليست جديدة في العلاقات بين الدول أو بين الدول والمنظمات المقاومة أو التي تتماثل سياساتها أو تلتقي مصالحها. لم تكن الولايات المتحدة من قبل تصف الأحزاب الشيوعية العربية وغير العربية، رغم عدائها لها، بأنها وكيلة موسكو أو بكين، ولم تستخدم كلمة "وكلاء" إلا في صراعها مع إيران. واشنطن ترى أن كلمة "وكلاء" تنتقص من مكانة واستقلالية من تجمعهم قواسم مشتركة مع إيران، بينما لا ترى هي في ذاتها أية نقيصة عندما تكون وكيلة لإسرائيل، سواء في الأمم المتحدة ومجلس أمنها، أو في موقفها المخزي من دعوى جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، ضد إسرائيل التي اتهمتها فيها بممارسة الإبادة الجماعية في غزة. اعتدت أمريكا وبر يطانيا على اليمن في 12 يناير 2024، بثلاث وسبعين غارة جوية وبحرية على ستين موقعًا عسكريًا في عدة محافظات يمنية شمالية، بزعم أن سلطة أنصار الله في صنعاء "وكيلة إيران" تهدد التجارة الدولية في البحر الأحمر، رغم إنكار صنعاء المتكرر أنها تنوي أو تريد أن تفعل ما تزعمه أمريكا، وأنها فقط تستهدف منع مرور السفن التجارية الإسرائيلية، تضامنًا مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة والتشريد والمجاعة.
لا جديد في القول بأن الولايات المتحدة ترى أنها تشارك مشاركة "حميدة"! في قتل الفلسطينيين، بتسليحها إسرائيل، وتقديم خبراتها لها، ودعمها سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا. وفي اليمن ها هي تفعل ما لم تفعله إسرائيل كـ"وكيلة حميدة" عنها.
إسرائيل تقتل في غارات جوية واقتحامات برية يوميًا، ما لا يقل عن مائة وخمسين مدنيًا فلسطينيًا في المتوسط، أغلبهم من النساء والأطفال، وكل هذا لم يحرك ضمير كبير الوكلاء الحميدين، بايدن، ليقول كفى. ردد أنصار الله، أكثر من مرة، بأن كل السفن التجارية آمنة عند مرورها في البحر الأحمر، وأنهم يستهدفون سفن العدو حتى يتوقف
عن تدمير غزة وتهجير سكانها. الاعتداء على اليمن مرتبط بالحرب على غزة، وهو ليس سوى برهان آخر على دعم واشنطن وقطعانها لجرائم دولة الاحتلال في غزة وفي الضفة المحتلة المشتعلة بالمقاومة. لقد تعلمنا من واشنطن أن الوكالة تتضمن تمييزًا وعنصرية، فهي حميدة عندما تكون وكالة لإسرائيل، وخبيثة عندما تكون لغيرها. إن الجميع يعلم أن ما قامت به سلطة صنعاء سياسة مشروعة، ولها سابقة مشهورة يعزز تكرارها أن اليمن لاتزال في حالة حرب مع إسرائيل، وتعتبرها عدوًا، حكمها حكم أغلبية الدول العربية التي لم تطبع مع دولة الاحتلال. السابقة هي أن اليمن بشطريه تضامنا مع مصر وسوريا في حرب أكتوبر المجيدة في عام 1973، أغلق بالتعاون مع مصر باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية، وخنق فعلًا تجارة إسرائيل في البحر الأحمر، وتم هذا أيضًا بموجب معاهدة الدفاع العربي المشترك التي لاتزال سارية. الإغلاق اليمني أسهم بدور ملحوظ في تحقيق نصر أكتوبر، ولكن للأسف أن هذا الإسهام الهام يندر ذكره في مذكرات الحرب وفي المناسبات السنوية لإحيائها.
العدوان على اليمن ذكّرنا مرة ثانية، وفي غضون أشهر قليلة، بالهوان العربي العام الذي تجلى في ردود الفعل العربية الباهتة على اليمن، ومنها الجامعة العربية التي وصف ناطقها الرسمي، صباح 12 يناير، العدوان على اليمن موقفها، بأنها "منزعجة"، وذكّر السائل بأرشيف ومواثيق الجامعة، ليتأكد من انزعاجها. المتحدث أضاف أن ما يقوم به الحوثيون باستهدافهم سفنًا وممرات، تصعيد خطير! العدوان على اليمن لم يصفه كذلك!
إن إسرائيل المستهدفة وحدها في البحر الأحمر، ظلت صامتة منذ الاستيلاء على سفينة شحن إسرائيلية، ولم تتوعد أو تهدد برد انتقامي حتى بعد ذيوع النسبة المعلنة عن خسارة ميناء إيلات المحتل 85%من السفن التي اعتادت الرسو فيه. لا ريب أن صمتها كان متفقًا عليه مع مأموريها الذين يحاربون بالوكالة الحميدة نيابة عنها، ويعيبون على حماس وحزب الله مقاومتهما "الخبيثة" للاحتلال والعدوان، ويصفونهما بوكلاء إيران التي تحركهم كالدمى، بينما يعفون أنفسهم من نفس التصنيف، رغم أن إسرائيل تحركهم فعلًا كالدمى. وليست المؤسسات السياسية والعسكرية والاستخبارية الأمريكية هي الوكالات الحميدة الوحيدة لإسرائيل، فقد افتضح الإعلام
الأمريكي الديمقراطي الحر، وتعرى مؤخرًا بعد ما نشر ته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنها لا تنشر شيئًا عن الحرب على غزة قبل فحصه وإجازته في القدس المحتلة، أي من قبل موكليها في إسرائيل. هل هناك وكالة بل عمالة أكثر وضاعة وخسة من هذا؟ وإذا كانت إيران لم تُضحِّ حتى اليوم بقواتها في أي صراع لا يخدم مصالحها الوطنية، فإن واشنطن وقطيعها المخلص تحت الجاهزية ورهن الإشارة في خوض كل الحروب العسكرية والاقتصادية لصالح إسرائيل. الغرب عمومًا يتبع كل وسيلة لإفشال أي مسعى فلسطيني مقاوم أو عربي مسالم لتحقيق حتى "سلام ناقص" للفلسطينيين، لأنه لا يريد إلا السلام الذي يرجح كفة إسرائيل الشاملة في الجغرافيا الفلسطينية، هذا إذا بقي منها شيء يصلح ككيان فلسطيني فاعل ومحترم، وليس هزيلًا وهشًا تديره إسرائيل، وتفصله عن محيطه العربي. الغرب عمومًا حريص جدًا على أن يجعل من إسرائيل نمرًا هائجًا وسط جيران من الحملان العرب الذين قصقصقت واشنطن أجنحتهم، وحتى أظافرهم، وجعلتهم عاجزين كلًا لسبب مختلف عن الآخر، صنعته واشنطن بإحكام بمساعدة "شركاء استراتيجيين" من نفس اللسان والجلدة العربيين. هؤلاء الشركاء، غير الشركاء في واقع الأمر، فرحون بهذا التوصيف الذي لا يفعل شيئًا سوى إفقادهم استقلالهم الوطني واحترامهم المحلي والعربي والدولي.