بعد سنوات من النزاع المسلح، والأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، بدا العام المنصرم 2023، أقل هدوءً من الأعوام الثمانية العجاف التي عاشتها اليمن، حيث شهد هدنة غير معلنة، يتم البناء عليها لتحويلها إلى اتفاق بوقف دائم لإطلاق النار، وخلال العام ذاته، تم رفع القيود على ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، لأول مرة منذ العام 2016، كما شهد مطار صنعاء رفعًا جزئيًا للقيود التي كانت مفروضة عليه.
وإلى أبعد من ذلك، شهد العام 2023 محادثات مباشرة بين الحوثيين والسعودية بوساطة عمانية أسفرت أيضًا عن تقارب سعودي إيراني.
وقبل أن يطوي العام 2023 أيامه الأخيرة ويرحل، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن توافق أطراف الصراع في اليمن، على تدابير تمهيدية تفضي لخارطة طريق لسلام شامل، تبدأ بإعلان وقف إطلاق النار، والشروع بتنفيذ إجراءات اقتصادية لتحسين المستوى المعيشي لليمنيين، بما في ذلك دفع مرتبات موظفي القطاع العام، واستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.
وهنا يمكن الجزم بأن 2023 كان عامًا حافلًا بالمفاوضات الرامية لإنهاء الحرب، برغبة إقليمية وحضور دولي لافت، فهل سيكون 2024 عامًا للسلام في اليمن؟
يبدي عدد من اليمنيين، تفاؤلًا حذرًا إزاء الإعلان الأخير للمبعوث الأممي إلى اليمن، لكن آخرين، وهم كثر، لا يرون في الإعلان أكثر من تحفيز يفتقر لمقومات نجاحه، إن لم يكن تسويقًا لإنجازات وهمية لمكتب الأمم المتحدة قبل الذهاب لإجازة رأس السنة، بخاصة أن الأطراف التي تحدث المبعوث الأممي عن موافقتها لإعلان المبادئ، لم تلتقِ، فضلًا عن كونها لم ترحب بالإعلان أو تعلق عليه، باستثناء تصريح عائم لوزير خارجية الحكومة المعترف بها دوليًا، أحمد عوض بن مبارك.
السفير عبدالسلام قاسم العواضي
وهو ما يؤكده السفير عبدالسلام العواضي، الذي يقول إن الوضع في اليمن مايزال مضطربًا طالما أن أطراف الصراع على خلاف في ما بينها، وبخاصة أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، فضلًا عن المناكفات السياسية القائمة على أشدها بين مختلف الأطراف من جهة، وأعضاء مجلس الرئاسة في ما بينهم من جهة أخرى.
وتعليقًا على الإعلان الأممي الأخير، يقول العواضي في حديثه لـ"النداء": ما يتم طرحه وتسويقه اليوم من اتفاقات وشيكة، سبق أن تم طرحه في اتفاقات أخرى في وقت سابق، ولم تنفذ. واستدرك: كي لا نحكم على الأمور قبل حدوثها، على الأطراف اليمنية المعنية أن تتجاوز خلافاتها، وتنقذ البلاد من الكوارث التي حلت بها طيلة ثماني سنوات، وإن لم يكن الحل هذه المرة نهائيًا، وبإشراف ورعاية الأمم المتحدة، فدونه الفشل وتفتيت اليمن.
ويؤكد العواضي أن الشعب اليمني يتوق للسلام ويتطلع إليه، وأن على المبعوث الأممي هانز غروندبيرغ، الإيفاء بالالتزامات والتعهدات من ناحية، ومن ناحية أخرى على الأطراف اليمنية المعنية توقيع الاتفاق وتنفيذ بنوده وفقًا لخارطة الطريق مزمنة، حتى يكون العام 2024 عامًا للسلام في اليمن، بعد ثماني سنوات من معاناة قاسية لم يشهد لها التاريخ اليمني مثيلًا.
تثبيت آخر مراحل المشاورات
مصطفى ناجي الجبزي (شبكات تواصل)
المحلل السياسي اليمني مصطفى ناجي، يستبعد أن يكون 2024 عامًا للسلام في اليمن، ويقول في حديثه لـ"النداء"، إن الإعلان الأخير للمبعوث الأممي جاء حصيلة سلسلة من المشاورات التي لم تكن مباشرة بين الأطراف اليمنية. وبالتالي كانت مشاورات أكثر بين السعودية والحوثيين عبر العمانيين، وطرحت الخطوط العامة لما يمكن التفاوض عليه في المرحلة القادمة بين اليمنيين.
ويضيف ناجي: "لذا يبدو أن المشوار طويل للوصول إلى السلام، لأنه إذا قسنا من لحظة التوقيع على اتفاق ستوكهولم إلى الآن، ورأينا مقدار التقدم، سنجده محدودًا للغاية، ملف واحد فقط لا غير هو ملف تبادل الأسرى وصفقات الإفراج عن شخصيات هامة من بين الأسرى كوزير الدفاع السابق محمود الصبيحي وشقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، ولم تحصل أية حلحلة في الملفات الأخرى منذ أبريل من العام الماضي، لا سيما فك حصار تعز. بل قصف الحوثيون المنشآت النفطية، ووضعوا الحكومة في وضع اقتصادي حرج، وفرضوا إجراءات على التجار أفرغت ميناء عدن من نشاطه.
ويرى أن الإعلان الأخير للمبعوث الأممي، كان شكلًا من أشكال تثبيت آخر مراحل المشاورات التي تمت، ووضع الأطراف اليمنية عند هذا المستوى. ويقول إن المبعوث الأممي قد يحتاج إلى وقت طويل، للسير في طريق السلام، ما لم تحدث متغيرات إقليمية ودولية متسارعة كتعمق التقارب السعودي الإيراني الذي له تأثيره في خلق تقارب يمني.
ودون ذلك، فإن المرحلة المقبلة ستكون -وفقًا لناجي مصطفى- امتدادًا للهدنة الحاصلة، وتحقيق بعض التقدم في ملفات جزئية في الجوانب الاقتصادية كدفع الرواتب واستئناف تصدير النفط.
خطوة أولى في مسار التجزئة
من جانبه، يعتبر السفير اليمني فيصل أمين أبو رأس، خارطة الطريق التي أعلنها المبعوث الأممي إلى اليمن، في 23 ديسمبر الفائت، خطوة أولى في المسار الأخير لتجزئة اليمن على نار هادئة وفترة زمنية يتمكن كل مكون في منطقة جغرافية من ترسيخ ثقافته الخاصة وتدريس منهجه التعليمي وإقرار قانونه المدني وكل ما من شأنه أن يحقق التجزئة.
السفير فيصل أمين أبو رأس
ويقول أبو رأس، في حديثه لـ"النداء"، إن الجوار يتعامل بمنطق أن الجزيرة لا تتحمل دولة بحجم السعودية، وأخرى بحجم اليمن، ولذلك عمل على تحييد عوامل إبقاء اليمن موحدًا. "إنه تخطيط مكلف، وما لم يُعد النظر ويلتقِ الجوار واليمن على علاقة تستقيم، فما يتم دون ذلك سيلغم مستقبل الجزيرة، ولن يحقق الأمن والاستقرار".
ويضيف أن تحقيق السلام في اليمن لا يكون باستهداف الهوية الوطنية الجامعة بغية تمزيقها، من خلال قطع الطرقات وهدم الجسور وإقامة الأسوار الفاصلة والأسلاك الشائكة بين أبناء الوطن الواحد، ولا بإثارة الصراعات المجتمعية وكبح الجهود التي تُبذل لمواجهة التحديات، ولا بإحباط مساعي رأب الصدع واستثمار الفرص المشتركة والحرص على إعدامها، ولا بإزالة كل ما يمكن من إدارة التنوع بإثارة وإحياء النعرات وإبطال العقود الاجتماعية وتعقيد مسار العقود السياسية المطمئنة للجميع، وتشجيع تضارب الرؤى التي تقدمها المكونات وقوى الصراع المختلفة حتى يحتدم التضارب ويغيب الاستقرار وأصحاب القرار.
النائب البرلماني شوقي القاضي (أرشيف)
هدن مؤقتة لتمزيق اليمن
وبالقرب من حديث السفير أبو رأس، يرى عضو الكتلة البرلمانية في التجمع اليمني للإصلاح، شوقي القاضي، أن السلام الذي يجري الترتيب له حاليًا، لن يكون سلامًا دائمًا ولا شاملًا، "هو عبارة عن هدن مؤقتة لتمزيق اليمن إلى كيانات كل كيان يحكم بميليشياته وعصاباته المسلحة، وتتجزأ اليمن إلى أكثر من خمسة مكونات على غرار الصومال، وبالتالي سلام لا يمكنه أن يفضي إلى بناء مؤسسات الدولة".
ويستبعد القاضي أن تجنح جماعة الحوثي للسلام أو أن تنشده، ويبرر ذلك بالقول إنها جماعة "لديها مشروع سلالي عنصري تعتقد أنها مصطفاة ومختارة من الله، وأنها سلالة مقدسة، وبالتالي من الصعب أن تتعايش مع غيرها على مبدأ المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص".
ويضيف سببًا آخر وفقًا لوجهة نظره: "مليشيا الحوثي ربطت نفسها كذراع من أذرع المشروع الإيراني، وبالتالي لا تستطيع أن تقرر الجنوح للسلام ولا التعايش، لأن إيران لديها مشروع توسعي وعابر للبلد والمنطقة، وتستخدم الطوائف والشيعة، وهذه الأذرع، وبالتالي يصعب على الحوثي أن يحدد مصيره وقراراته".
تجاهل المرجعيات الثلاث
القيادي الناصري علي الضالعي
يستبعد القيادي الناصري علي الضالعي، نجاح خارطة الطريق الأممية المعلنة مؤخرًا نحو السلام، لأسباب عدة، بعضها متعلق بطبيعة أطراف الصراع اليمني، وأخرى مرتبطة بالإقليم والعالم، والتدخلات الخارجية التي تبحث عن موطئ قدم في اليمن جراء موقعها الاستراتيجي الهام.
ويقول الضالعي في حديثه لـ"النداء": السلام حاجة ماسة لكل اليمنيين، لكنه بعيد المنال في الوقت الراهن. مضيفًا: "جماعة الحوثي لن تقبل بدولة ديمقراطية تتمتع بالمواطنة المتساوية تقوم على نظام التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، لأنهم يعتقدون ويؤمنون بأن السلطة هي حق حصري بهم وإرث إلهي لهم لتميزهم العرقي عن بقية المواطنين".
وينتقد الضالعي الإعلان الأممي الأخير، ويقول إنه تجاهل المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن)، مؤكدًا أن لا حل لمشكلة الوطن إلا بالالتزام بها وتنفيذها، وأن على الحوثيين أن يتخلوا عن عقدة التميز العرقي، ويسلموا بأنهم مواطنون مثل غيرهم من أبناء اليمن، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وأن يتحولوا إلى حزب سياسي لكي يحل السلام والوئام، وتعود للوطن وللمواطن صحته وعافيته ووحدته، لنتمكن جميعًا من مواجهة المخاطر والأطماع الخارجية (الظاهرة والخفية) التي تستهدف الوطن.
امنيات بالسلام
تبدو رئيسة دائرة المرأة في منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة عدن، محصنة سعيد، أكثر تفاؤلًا بأن يكون 2024 عامًا للسلام في اليمن. وتعتبر الإعلان الأممي الأخير حول اليمن، بشرى سعيدة يجب على كل اليمنيين استغلالها والبناء عليها، وتتويجها بالجلوس على طاولة الحوار، باعتباره الكفيل بإنهاء الحرب واستعادة السلام المنشود.
لكن سعيد تعبر عن خشيتها من عدم التزام جماعة الحوثي بالسلام، وتقول في حديثها لـ"النداء": التطورات الأخيرة في البحر الأحمر لا تبشر بسلام ينتظره اليمن". موضحة أن تهديد الملاحة الدولية أعمال فردية من قبل جماعة الحوثي، لكن من شأن هذه الممارسات أن تعرض الوطن والمواطنين لأخطار اقتصادية وأمنية لم يعد بالإمكان تحملها.
صراع جديد
عطفًا على مخاوف المسؤولة الاشتراكية في عدن، يرى مراقبون أن تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر من قبل جماعة الحوثي، تبدد فرص السلام القائمة، وتعمل على خلط الأوراق وتعيد الوضع في اليمن إلى مربع العنف مجددًا. ويرون أن التطورات الأخيرة في البحر الأحمر جعلت الأطراف الدولية الفاعلة في الملف اليمني تتراجع عن توجهاتها الأخيرة نحو إحلال السلام في اليمن، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا، وهي الأطراف التي كانت في الآونة الأخيرة قد وصلت إلى قناعات بضرورة إحلال السلام في اليمن،
وإن كان ذلك بتقديم بعض التنازلات لجماعة الحوثي، كالقفز على المرجعيات الثلاث التي استمرت لسنوات مرتكزات للحل السياسي في اليمن، وبينها قرار مجلس الأمن الدولي، رقم 2216. إلا أن الأعمال العدائية التي نفذتها جماعة الحوثي في البحر الأحمر، جعلت المجتمع الدولي أو جزءًا منه يعيد تقييم الوضع في اليمن.
وأمام كل ذلك، يبدو أن فرص السلام تتباعد، فيما تتعدد أطراف الصراع في البلد، الذي يكاد أبناؤه يفقدون أملهم في إنهاء الحرب وعودة الاستقرار الذي طال انتظاره.