لا أدري كيف ستكون صنعاء بدون علي الصباحي.. ذلك الصباح كنت اجلس إلى العزيز أبدا احمد لقمان في مكتبه في وزارة الشئون الاجتماعية والعمل والشباب في شارع الزبيري..
اقبل علي عبدالكريم الصباحي تسبقه ابتسامته، جلس، سأله:
هل تعرف هذا؟
قال ضاحكا:
هذا شكله من حق إب
قال الاستاذ احمد:
هو فلان
ومن لحظتها تعارفنا، علي عبد الكريم الصباحي وانا، وامتدت علاقتنا وتوزعت بين مقيل الشيخ الحبيب رحمه الله عبد الرحمن محمد علي عثمان، إلى نادي الوحدة، إلى ملعب الظرافي إلى مقيله الخاص كل أحد لأصحاب إب كما كان يستقبلني وصهري اللواء طيار عبد الجليل نعمان، يبتسم في وجوهنا عند الباب:
اليوم يوم إب، ولا اسمع لكم كلمة..
نجلس في الزاوية، نخرج مبللين بالضحك من نكات محمد الغشم الأجمل...
وفي ديوان الشيخ في بيته القديم بشارع 26، كل اثنين وخميس نظل نضحك طوال المقيل للمناكفات بينه وبين يحيى العلفي رحمه الله وعباس الديلمي... وفي الديوان كان عباس يغيب عن العالم عندما يكتب برنامج يومي للإذاعة "حديث الناس"، يبعث به تلك اللحظة ليذاع، وفي نفس المتكأ كتب قصيدة مطلعها:
لا تقول انه التبق
موجهة للضاحك ابدا يحيى العلفي
القصيدة وصل صيتها إلى الرئيس علي عبد الله صالح الذي صرف لكل منهما 10 ألف ريال.. فيما بعد كان عباس كلما حمي الوطيس بينه وبين العلفي، قال له ضاحكا:
هيا نكتب عليك قصيدة..
والعلفي يرد:
بطل تكتب عن غلاء المهور، اكتب عن غلاء (........)
وفي ديوان الشيخ ظللت زمنا أحضر معهم ليالي الاثنين والخميس يلعبون الورق على مائدة الشيخ:
علي الصباحي
اللواء يحيى
العميد علي عبد الجبار
د. محمد الكباب
وانا متفرجا..
كان النعيمي جوكر الجلسة حتى إذا مرت ليال طويلة انقطع عن المجيء، ليسألني الشيخ عن " الفندم "...
ارد على الفور:
لا أدري أين هو، وانا اعرف سبب انقطاعه..
يقول الشيخ:
اعرفه من راسك
ويتبعه اللواء يحيى بالغمز:
انت داري يالعين اين هو!! مش صاحبك
كنت أظل ادبر بينهما المقالب الجميلة ينقطعان عن بعض بعض الوقت ثم تصفو السماء فأدبر ما يجعلني اظل اضحك...
ذهبت إلى نادي شعب صنعاء وكان بيتنا ووجدت " الفندم " يلعب الكيرم...
قم ياأستاذ، كنا نناديه تارة افندم واخرى بالاستاذ، وقددرّس المساح في معهد البادري بعدن، اتى إلى الشمال والتحق بكلية الشرطة وكان زميلا لجارالله عمر..
ينظر لي نظرة ذات مغزى:
ماتشتي ؟
قلت:
الشيخ يشتيك والجماعة قالوا اللعب بدونك لاطعم له، يضفي النعيمي على الجلسة نكهة خاصة...
همس في أذني:
عبد الرحمن، لقمتي كبيرة وانا استحي
قلت:
كبيرة، صغيرة، ماليش دعوة، انا مكلف باحضارك...
تلك الجلسات كان يحضر بعضها د. حسن مكي رحمه الله..
التقينا عند الباب باللواء يحيى:
أينك ياعلي؟
فيرد عليه بما لذ وطاب من الحديث المستطاب
يحيى يفرض نفسه على النعيمي أبا روحيا رغما عنه:
كنت قد همست بأذنه سبب الغياب، وكنت قد نويت على فتنة جديدة بينهما ارتاح لها جدا، حيث يختصمان ثم ينسيان بعد دقائق وهو دليل على نبلهم...
جلست قريبا منهما.. بدأت الاوراق تنتقل من الأيدي إلى الميدان، صوت من هنا، صوت من هناك.. تهدأ الانفاس الامن دخان يتصاعد من بين الأصابع وهفيف الورق...
تنزل السفرة العامرة، يحيى يتعمد الجلوس بجانب علي، تنشغل الأيدي ياللقيمات، ينسجم النعيمي، ينسى نفسه، كبرت اللقمة اكبرمن المعتاد، يميل يحيى:
علي، حمامي حمام - في صنعاء تقال للطفل الذي تكبر لقمتك -، كررها والنعيمي لم يعد يسمع....
علي الصباحي بروحه الخضراء يتابع ما يجري، يقتنصها فرصة:
هذا ما ينفعش تقله حمامي حمامي، هذا قله حماري حماري !!!!
يتطاير الجميع من حول المائدة، وانا اخرج اضحك حد التعب..
انتبه علي، رمى ما في يده وهات ما لذ وطاب من العبارات المليحة ليحيى... وانا قبله..
علي عبد الكريم الصباحي كان رحمه الله عنوانا جميلا لكرة الستينات والسبعينات والثمانينات، حيث بعدها ضاعت الكرة وغاب زمنها الجميل... وتوقف الزمن.
جاء وخضرة اب كلها في اعماقه إلى صنعاء، ليخضر به ذلك الجيل من الرجال الكبار...
في عالم الكرة كان وحداويا حتى العظم.
وفي نادي الضباط علامة جميلة من علامات زمن الحمدي وكان صديقه وزميله في القوات المسلحة...
وفي وزارة الشباب والرياضة كان وكيلا، حتى اتى زمن بدأت به البلاد تصغر رويدا حتى ضاع كل شيء...
اب تبكي ابنها..
وصنعاء تندب زمنه
وانا خسرت..
وسماء اكثرمن خسر، فلم اجد ابا يحب ابنته كما احب علي الصباحي سماء، فراح يتولاها بالرعاية كنبتة جميلة، وكلما اتصل به لابد أن أسأل عن سماء يتحدث عنها بكل الفخر..
وعندما أكتب ما يعجبه وهو كثير، يبادر فورا:
مبروك...
لم أر رجلا من ابتسامة سوى علي الصباحي... لم أر رجلا باخضرار روحه، لم أر رجلا من ضحكة خضراء سواه...
ياالله كم خسرزمننا بخسارة رجال كبار، المجد لمن ذهب منهم، والتقدير لمن بقي... وياسماء العزاء لك ولفؤاد ولخضرة اب التي ترعرع فيها الراحل الجميل..
سلام عليك يا اكثر الرجال إخضرارا... وانا حزين