لآلاف السنين، اعتقد الصينيون أنهم فقط البشر المتحضرون، فيما غيرهم لا يعدو أن يكونوا همجًا وبرابرة، فبنوا سور الصين العظيم لحمايتهم من "البرابرة المتوحشين".
بموازاتهم، وربما قبلهم، طالما اعتقد اليهود بكونهم وحدهم البشر الحقيقيين، في حين أن غيرهم مجرد حيوانات، أوجدهم الله على صورة البشر لخدمة الجنس اليهودي السامي..! وقبل تأسيس الدولة الصهيونية في فلسطين، ورغم أن اليهود عاشوا مشردين لآلاف السنين في أصقاع الأرض، وضمن عدة دول، بيد أنهم كانوا دائمًا منعزلين عن محيطهم في مجتمعات مغلقة تُدعى "الجيتو")، عوضًا عن محاولة الاندماج في المجتمعات التي احتضنتهم.
تمثيلات الجغرافيا التخيلية تتسع لتشمل "النازية" التي نشأت في النمسا وألمانيا، وبلغت أوج سطوتها، في عهد الزعيم النازي "هتلر".. إلى الحركة "الفاشية" التي تسيدت إيطاليا في عهد "موسوليني"، لتمتد تلك الحركات الموبوءة بخرافات التفوق والتفرد، إلى عصرنا، حيث يمتلئ المسرح السياسي بعديد حركات سياسية ودينية عبر العالم، من قبيل جماعة الصليب الوردي والنازيين الجدد.
ورغمًا عن كون الصينيين استطاعوا، في العقود الماضية، تجاوز أوهام الجغرافية والتفوق المكاني والعرقي، ليصبحوا أنموذجًا لثقافة الاندماج والتعايش.. فيما لم تصمد دعوات النازية والفاشية كثيرًا، وسقطتا بفعل الإرث الحضاري للقارة الأوروبية، التي انبثق منها مفهوم العقد الاجتماعي، وكانت الحاضنة الأولى لفكرة التعايش والمساواة بين الناس... إلا أن اليهود ظلوا على جمودهم، محاصرين ومقيدين بخرافات وأساطير الجنس والديانة (الأرقى) على مدى العصور، وفي مختلف الأماكن.. والمحاولات الحثيثة لاجتثاث الفلسطينيين من أرضهم وإبادتهم، كما في غزة اليوم، هي التجسيد الأكثر بشاعة لسيطرة أوهام وخيالات التفوق على العقلية اليهودية التي تنفي حق البقاء للآخرين، ولا تجد غضاضة في سوقهم للموت طالما وهم خارج المنظومة المجتمعية لـ:العرق المقدس".
دائرة الأوهام ونزعة التفوق الجغرافي وأساطير الجنس والعرق النقي الطاهر، ربما ترتبط، أساسًا، بالعقلية الساذجة البدائية والطفولية؛ فالمجتمعات البدائية المغلقة، لاتزال تعتقد بتفرد منطقتها الجغرافية، وتميز سلالتها العرقية.. وعلى ذلك، فالإنسان هناك، نشأ وهو يرى في (قريته) المنعزلة في الأدغال والغابات، أو الرابضة على أحد الجبال النائية، بأنها سقف العالم ومركز الكون.. لا لشيء سوى لأنه ولد ونشأ فيها..!