برعاية كل من الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية اليمنية، والملك فهد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، أبرمت "معاهدة جدة"، في 12 يونيو 2000م، لترسيم الحدود النهائية بين البلدين الشقيقين، وإيجاد حل دائم لمسألة الحدود البرية، والبحرية، بما ترتضيه وتصونه الأجيال المتعاقبة حاضرًا، ومستقبلًا، وبموافقة مجلس النواب اليمني على إجازة المعاهدة بـ247 صوتًا من أصل 301 صوتًا، وبتوقيع الأستاذ عبدالقادر عبدالرحمن باجمال، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، عن الجمهورية اليمنية، والأمير سعود الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، وزير الخارجية، عن المملكة العربية السعودية.
وبناء عليه، أود أن أورد آراء وملاحظات أجمع عليها قانونيون، وباحثون، ومراقبون سياسيون، ودبلوماسيون، وأساتذة تاريخ، وجغرافيا... الخ، على النحو الآتي:
تعتبر المادة الأولى هي الأساس الذي بنيت عليه بقية مواد "معاهدة جدة"، وتنص على: "تأكيد الجانبين المتعاهدين، الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية، على إلزامية، وشرعية "معاهدة الطائف"، كما يؤكدان التزامهما بـ"مذكرة التفاهم" الموقعة بين البلدين في 27 رمضان 1415 هجرية/ 1995م".
من هذا المنطلق، طرحنا تقييمًا لخلاصة حصاد المعاهدة وبموضوعية، فما بني على باطل أو خطأ فادح في المعاهدة، نحصد نتائجه، وقد حصدناه وستحصده الأجيال علقمًا، وها هي الأسباب:
1- "إن التصويت على المعاهدة من قبل مجلس النواب -حسب مراقبين- تم برفع الأيدي بصورة مخالفة للائحة المجلس التي تنص على التصويت بالجهاز أو بالمناداة بالاسم".
2- "لا يحق لأي مسؤول كائنًا من كان في هرم السلطة أن يفرط في الأرض اليمنية، والمصالح الوطنية عمومًا، دون الرجوع للشعب كل الشعب للاستفتاء بحضور ممثلين دوليين، وإقليميين، كون الموضوع يمس كل فرد من الشعب اليمني، وكل مواطن له حق في التصويت، علمًا أن عضو مجلس النواب لا يمثل الشعب، وإنما يمثل نفسه وحزبه، والكل يعرف الطريقة التي ينتخب فيها أعضاء مجلس النواب في الدول النامية، ومنها بلادنا".
3- "يجمع مراقبون حقوقيون وسياسيون واقتصاديون، ودبلوماسيون، بأن التصويت مخالف لنص المادة الأولى من الدستور، "بعدم جواز التنازل عن أي جزء من الأرض"، ولكن "المعاهدة" تنازلت عن الحقوق التاريخية، والقانونية في مساحات كبيرة من الأراضي اليمنية تصل إلى "أربعمائة ألف كيلومتر مربع"، في إطار سياسة الأمر الواقع، وبحجة أن المملكة العربية السعودية مارست الضغوط على الجمهورية اليمنية، وهو العذر الذي لا ينطلي على أحد من أبناء الشعب اليمني، بخاصة في أمور سيادية، ووطنية، وحتى في قوانين ودساتير العالم لا يوجد مثل هذا القبيل"، وأكبر مثال على ذلك "معاهدة الطائف" التي بقيت سارية المفعول دون إقرار أو تنازل لمدة 66 عامًا حتى انعقاد "معاهدة جدة" المشؤومة، في 12 يونيو 2000م، وتوقيعها والمصادقة عليها.
4- يقينًا، إن "معاهدة جدة" كان توقيعها، والمصادقة عليها خطأً أكيدًا، وأن التمسك بكافة الحقوق القانونية، والتاريخية لليمن، هو الخيار الأمثل الذي يمثل الإرادة الحقيقية للشعب، والذي يمثل حقائق التاريخ.
5- إن توقيع المعاهدة والمصادقة عليها وإقرارها -حسب إجماع خبراء ومراقبين- يترتب عليه ضرر فادح باليمن، وتفريط كبير بحقوق اليمن التاريخية، والقانونية من خلال إصباغ صفة الشرعية على "معاهدة الطائف"، والتفريط بورقة "نجران وجيزان وعسير"، ومن ناحية أخرى، التفريط بـ"شرورة" و"الوديعة" والمناطق المجاورة، وصحراء الربع الخالي اليمنية الشاسعة، والممتدة من خط العرض 22 وخط الطول 46، و52 شرقًا، مقارنة بالإحداثيات التي جاءت في "معاهدة جدة" عند خطوط العرض 16، 17، 18 داخل عمق أراضي اليمن.
إن تلك الأرجاء الشاسعة ذات ثروات نفطية هائلة تستغلها السعودية منذ عشرات السنين، بحكم الأمر الواقع، لذلك، جاءت "معاهدة جدة" ملبية للمصالح السعودية، فاعتبرت ذلك إقرارًا بتلك المساحة بصفة "نهائية ودائمة".
6- إن "معاهدة جدة وملحقاتها"، حسب الخبراء أنفسهم، لم تتضمن شيئًا عن تسهيل العمل، والتنقل للمواطنين، وأية مزايا يمكن القول إنها لصالح اليمن واليمنيين، فما تم ترويجه ليس له وجود في الواقع، فإن كل ما عقده "شعب اليمن" على المعاهدة كان مخيبًا للآمال.
تجدر الإشارة إلى أن ما ورد في كل من "معاهدة جدة" الموقعة في 12 يونيو 2000م، وقبلها في "مذكرة التفاهم" الموقعة في 26 فبراير 1995م، في حل قضية الحدود، وتحقيق علاقات طيبة، وتطوير العلاقات الاقتصادية، والثقافية، والمردود الاقتصادي لليمن من ناحية العمالة والمغتربين، وغير ذلك من الأمور، لم يتم منها أي شيء يذكر سوى معاناة اليمنيين تحت قهر الكفلاء، والطرد، وعدم قبول أولادهم في الجامعات حتى من المواليد هناك، فضلًا عن الاستغناء عن الكثير من العمالة اليمنية، وكذا تحديد الإقامات، وحجز الأموال... الخ، وإنهاء جميع المزايا التي كان يتمتع بها اليمنيون بموجب "معاهدة الطائف".
7- تعتبر "معاهدة جدة" بمثابة زلزال مدمر، وكارثة على اليمن بكل المقاييس، وتقع المسؤولية على كل من وجه، وصوت، وصدق، ووقع، وأجاز معاهدة جدة، بل يجب أن يتم إجراء محاكمة تاريخية، ومادية لكل مسؤول يمني شارك في اتفاق معاهدة جدة الكارثي سواء أكان حيًا أم ميتًا.
8- بعد مضي عقدين من الزمن على توقيع، ومصادقة "المعاهدة"، لا يعرف الشعب اليمني حتى اليوم، ما سر جراءة المسؤولين المعنيين في إقدامهم على التنازل، والتفريط في أراضٍ شاسعة تزيد مساحتها على "أربعمائة ألف كيلومتر مربع" كملكية خاصة أو إقطاعية؟!
9- أكد الخبير القانوني زيد الفرج "أن أعداء الحقيقة يملكون وسائل عدة تستطيع أن تخدمهم بتغيير الحقائق، والأمور، ومحاولة إقامة سد لا يتسرب منه شعاع ضوء. ولتجسيد المسؤولية التاريخية المبنية على الحقائق، يجب على الدولة تحديد المواقف، وبمنتهى التجرد والدقة حول تلك "المعاهدة" التي وقعت على أسس غير عميقة، ولا واضحة، ولا تستند إلى الحق، والعدل، سعيًا لبطلانها".
10- إن اليمن تمر حاليًا في ظروف عصيبة، ويخشى أن تقع في محظور تفتيت وترسيم جديد، ليقضي على جزء آخر من المساحة المتبقية من الأرض اليمنية بعد "المعاهدة المشؤومة"، بسبب الأطماع الإقليمية في جزر، وموانئ، وممرات استراتيجية تحت غطاء دولي.
11- لم يعد معسكر الخراخير كما سمته "الرياض"، في صحراء الربع الخالي، الحد الفاصل بين اليمن في الجنوب، والسعودية، وفقًا لمعاهدة جدة المشؤومة الموقع عليها يوم 12 يونيو 2000م، بين الحكومتين اليمنية والسعودية، بالتنازل عن مساحة كبيرة من الأراضي اليمنية دون استفتاء شعبي، وبدون اتباع الخطوات والإجراءات القانونية كما هو مبين أعلاه... فقد أقدمت السلطات السعودية على اقتلاع أعمدة الأسمنت التي وضعت كعلامات حدودية بين اليمن والسعودية في الصحراء من جوار معسكر الخراخير في محافظة حضرموت، وبالتالي: استولت على مساحة جديدة من الأراضي اليمنية بحدود 42 ألف كيلومتر مربع في محافظة حضرموت: مناطق يتوفر فيها النفط والغاز بكميات احتياطية هائلة من ناحية، وبهدف الزحف فعلًا باتجاه بحر العرب في كل من حضرموت والمهرة، من ناحية أخرى.
12- يجب أن نستوعب في هذه الظروف القاسية "إن اليمن ليست ملكًا لأحد، وإنما ملك للشعب، فما يجب عمله، وبأقرب فرصة متاحة، هو الجلوس على طاولة المفاوضات، نقرر فيها شؤوننا بأنفسنا من حيث انتهى مؤتمر الحوار الوطني، أو من خلال حل وسط ينقذ الموقف في الربع ساعة الأخير، والمطالبة بالحق والعدل سعيًا لبطلان المعاهدة.
إن التواني لم يعد يخدمنا، فاليمن أصبحت تفقد كل يوم جزءًا من برها وبحرها وفضائها، واليمانيون بشتى مشاربهم السياسية والاجتماعية يتصارعون على الثروة والجاه.
13- إن العيب ليس في الغير، وإنما هو مسكون بداخلنا، ولا نلوم إلا أنفسنا... حقًا، فقد أصاب الإمام الشافعي رضي الله عنه عين الحقيقة، حين قال:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضًا عيانا