يسلك الناس وفقًا لما يعتقدون. فإذا اعتقدت أنا الآن أن بيتًا مسكونًا بالجن والشياطين، فسوف أخاف السكن فيه، وإذا اعتقدته خاليًا منها فلن أخافه، وإذا اعتقدت أن النهر مسكون بالتماسيح والأفاعي، فلن أعوم فيه، وإذا اعتقدت أن شخصًا ما لا يكذب، فسوف أثق به، وإذا اعتقدت أن سائلًا ما يبرئ المرض ويطيل العمر، فسوف أشربه، وإذا اعتقدنا أن النساء شريرات وماكرات، فمن المؤكد أن نظرنا إليهن ومعاملتهن سوف تختلف عما إذا اعتقدناهن أجمل ما خلق الله، وأنهن أكثر إنسانية منا، وإذا اعتقدت أن جيراني يحسدونني، وأن عيونهم الشريرة قد تصيبني أثناء خروجي أو دخولي منزلي،
فمن المؤكد أن علاقتي معهم سوف تتعقد أكثر. وإذا اعتقدت أن الروح أهم من الجسد، فسوف أهمل جسدي حتى يترهل وتصيبه الأمراض، وإذا اعتقدت أني محتاج إلى وظيفة تليق بي، فسوف أبحث عنها حتى أجدها، أما إذا فقدت الأمل بالحياة والمستقبل، فلن أبحث عن أية وظيفة أبدًا. وإذا اعتقدت أن هذه الدنيا لا تسوى عندي جناح بعوضة كما هي عند الله سبحانه وتعالى، فسوف يصيبني الكسل والخمول وفقد دافع السعي والكفاح فيها.
الفكرة أننا نسلك وفقًا لما نعتقد. وحينما تكون معتقداتنا صحيحة وصادقة، نستطيع أن نحدث قدرًا كبيرًا من التقدم. أما إذا كانت معتقداتنا خاطئة، فإنها تعوق هذا التقدم، وتحبط آمالنا، وتعرض الحياة الإنسانية ذاتها إلى الخطر. ولقد ذهب كل جيل ضحية لمعتقداته ولخرافاته وأوهامه وأساطيره، وحينما تكون تلك المعتقدات الضالة مدعمة مؤسسيًا، فأثرها يكون كارثيًا، وإليكم الدليل: تأخرت المطبعة زهاء قرنين ونصف على معظم شعوب العالم الإسلامي، بسبب فتوى، واستمر الجدل الفقهي حول شرب القهوة قرابة قرنين، تخللتها أحداث شغب ومطاردات وحوادث قتل وإغلاق مقاهٍ وإحراقها والتشهير بمرتاديها!
وفي مجال آخر، اعتبرت مياه الصنبور أو كما تسمى (الحنفية) في بدايتها بدعة وضلالة، ولا تصلح للوضوء منها. وإذا كانت الدراجة الهوائية البسيطة عدّها البعض حصان إبليس، فإن الطماطم عدّها البعض الآخر بمؤخرته. وفيما كانت جميع التقنيات الإلكترونية والكهربائية وسائل شيطانية يديرها الجن والأبالسة، وتهدف إلى غزو عقول المسلمين وإفسادها ونشر الرذيلة والمنكرات، فإن حملات التطعيم المحمودة ضد شلل الأطفال، رأى البعض مخطئًا أنها مؤامرة صهيونية تستهدف فحولة رجال المسلمين وخصوبة نسائهم، حتى يتناقص عددهم، ويسهل بعدها احتلال بلادهم، بحسب أنيس الحبيشي.
كلنا ولدنا من أرحامهن، وتربينا في أحضانهن، ورضعنا حليبهن، وتعلمنا برعايتهن، وعرفنا لذة الحياة بهن، ومعظم أحلامنا بهن، ونعيش من أجلهن، ونفرح بنظرة واحدة منهن، ونسعد بابتسامة منهن، ونكتب أجمل قصائدنا من وحيهن، ونستمد ثقتنا بذواتنا منهن، ونشعر بالسكينة والأمن والأمان معهن، ونتمنى إرضاءهن ورضاءهن، والجنة تحت أقدامهن! والبعض منا يعبد الله من أجل الفوز بهن، ومازال بيننا من يحتقرهن، ويفتكر حاله أفضل منهن. أية ثقافة تلك التي شكلت مجتمعاتنا العربية تجاه النساء؟ رحمة الله في الدنيا والآخرة؟ بأي منطق يفكر ذكور العرب بالنساء؟ وبالمناسبة أكدت الدراسات الميدانية أن ٩٠٪ من التفكير الذكوري العربي هو في المرأة ومداراتها الدنيوية والأخروية. في الكتاب المقدس الإنجيل تظهر النساء مخلوقات ذليلة ومهملة ومقموعة، وتعد كتابات بولس الرسول الأولى إلى تيمو تاوس: "أنا لا أسمح لامرأة أن تتعلم وتعلم، وأن تكون لها سلطة على الرجل، إن عليها أن تتحصن بالصمت، لأن آدم خلق أولًا، ثم خلقت حواء، وآدم لم ينخدع، ولكن حواء انخدعت، وأصبحت متعدية... والرجل لم يخلق من المرأة، ولكن المرأة خلقت من الرجل، كما أن الرجل لم يخلق للمرأة، ولكن المرأة خلقت للرجل"، رسائل بولس الرسول. ينظر ماري دالي، أشكرك ربي.. لأنك لم تخلقني امرأة، ضمن كتاب النوع "الذكر والأنثى بين التميز والاختلاف"، مقالات مختارة، ترجمة: محمد قدري عمارة، المجلس الأعلى للثقافة -القاهرة، ط1، 2005م، ص219.