قلبي مع الوحدة، وعقلي ضدها،
من با يوجد بين فكري والضمير
خايف على الوحدة، وخايف منها
أخاف ازرع بر ويطلع لي شعير
بحكمة فاقت حكمة سياسيي الوحدة وصانعيها، عبر الشاعر المرحوم الخالدي -وبصدق- عن مخاوفه من خطورة الانتقال من نظام اشتراكي يوفر حدًا أدنى من المزايا (وظيفة، سكن، تأمين صحي)، إلى نظام يبدو حرًا، ولكنه ملغوم بالكثير من المشاكل الاجتماعية والفكرية، وحتى السياسية، والتي تجعله عاجزًا عن تحقيق النمو الاقتصادي، الذي يعد جوهر الرأسمالية.
وقعت الكارثة عندما غلبت اللحظة العاطفية -بحسب تعبير علي سالم البيض- كل قيادات الجنوب، فانزلقوا للتوحد مع نظام لطالما وصفوا القائمين عليه بالمتخلفين والطهاببش، وكان ذلك واضحًا بجلاء متى علمنا أن اتفاقية دولة الوحدة لم تتجاوز أكثر من صفحة واحدة! وأظن أن ذلك سابقة لم تحصل في التاريخ.
ولم يطل الأمر قبل أن يذوق قادة الجنوب وبال ذلك الاندفاع، من خلال خسارة حاملهم السياسي (الحزب الاشتراكي) الانتخابات، وخضوع كوادره لتصفيات جعلتهم يسعون لاتفاق لاحق يستدركون به ما فاتهم في اتفاق الوحدة، وذلك ما تحقق لهم في وثيقة العهد والاتفاق (الأردن ١٩٩٤)، والتي بادر متنفذو الشمال لدفنها عبر شنهم ما سميت حرب الانفصال، والتي أفضت إلى إقصاء شريك الوحدة الأساسي، واستباحة الجنوب وأراضيه ومؤسساته لقوى لا وجود للوطنية في قاموسها.
وبعد ذلك كان من الطبيعي أن يظهر الحراك الجنوبي، الذي بدأ حقوقيًا سرعان ما أخذ طابعًا سياسيًا نادى باستعادة دولة الجنوب، لكن دون إجماع -إلى يومنا هذا- على الانفصال، أو على آليته، وهو وضع ينذر باقتتال أهلي جديد إن لم تتم معالجته بحوار وطني حقيقي.
وأيًا يكن حجم اضطراب مشاعرنا تجاه هذه الذكرى المجيدة، فحري بنا أن نستوعب الدرس العظيم من الخيبات التي رافقت الاتحاد، وخلاصته أن بقاء الدولة مرهون بتوزيع السلطة والثروة بين الجغرافيا والإنسان بصورة عادلة، وبدون ذلك لا يمكن لها البقاء، سواء كانت دولة بسيطة أم اتحادية.
حفظ الله اليمن، وهدى أبناءها في شمال الوطن وجنوبه، إلى سواء السبيل.