إذا كان الوفد التفاوضي المشترك الذي يطالب البعض بتشكيله وفقًا لمخرجات اتفاق الرياض، سيبحث إيجاد تسوية لتحقيق السلام وتقاسم السلطة لمرحلة انتقالية محددة، ثم يتم بحث شكل الدولة في مفاوضات أخرى يكون للجنوب فيها وفد مستقل، فهذا أمر معقول، لكن إذا كانت التسوية التي يتم الحديث عنها هي مفاوضات الحل النهائي في اليمن، فإن الجنوب لن يحقق شيئًا ذا جدوى من هذه المفاوضات مادام هو عبارة عن ملحق ضمن وفد المجلس الرئاسي، بسبب تعدد المشاريع داخل المجلس الرئاسي، والتي بدورها ستنعكس داخل الوفد المشترك..
فالانتقالي سقفه -كما يقول- الاستقلال واستعادة دولة الجنوب، بينما حزب الإصلاح والمؤتمر والناصري وأحزاب الشمال الأخرى، مع مخرجات الحوار الوطني والستة الأقاليم، فيما يطرح الحزب الاشتراكي الفيدرالية من إقليمين، ومن هنا، وفي تصوري، فإنه ينبغي أولًا إدارة الحوار داخل الشركاء في السلطة الشرعية والمجلس الرئاسي، للخروج بمشروع واحد يتفق عليه الجميع، ثم الذهاب للحوار والمفاوضات مع جماعة الحوثي التي ستمثل لوحدها طرفًا كبيرًا في الميزان السياسي، باعتبارها تمثل الشمال مقابل وفد الشرعية المكون من عدد من الأحزاب والمكونات، والذي يمثل الجنوب والمناطق المحررة.
نعود للبداية ونقول إذا اتفق الجميع على تسوية، فإن الجنوب عبر ممثله المجلس الانتقالي، سوف يحصل -كما سيحصل عليه أي حزب من الشرعية- على عدد محدود من الوزارات والمناصب، فيما سيحصل الحوثي ممثل الشمال على النصف في مقابل وفد المجلس الرئاسي، وهذا بحد ذاته إجحاف بحق الجنوب الذي نصت مخرجات الحوار الوطني التي رفضها الجنوبيون، على الأقل، على حصوله على النصف من مقاعد الحكومة والبرلمان والجيش والأمن وفي السلك الدبلوماسي وغيرها.
ومن هنا فإنه على الإخوة في المجلس الانتقالي أن يوضحوا للناس، ماذا يعني بالمفاوضات عبر الوفد المشترك.. هل هي ستنتج تسوية مرحلية لفترة انتقالية، أم هي حل نهائي للمشكلة اليمنية، بما فيها تحديد شكل ومضمون الدولة القادمة؟
وحتى لا يقع الجنوب في فخ الخداع مرة أخرى، فإنه من حق القوى السياسية فيه أن تطالب بوفد مفاوضات جنوبي مستقل إذا كانت المفاوضات القادمة ستمثل الحل النهائي، لاعتبارات كثيرة، من أهمها أن الجنوب قضية وطنية تمثل دولة دخلت في شراكة مع دولة أخرى، وفشلت الشراكة، وأنتجت حرب صيف 94 المشؤومة، التي أعلن خلالها الجنوب فك ارتباطه عن الشمال، وما حدث بعدها من انتصار للطرف الشمالي في الحرب، هو احتلال للجنوب منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، وأية دولة محتلة من حقها أن تطالب بالمفاوضات لتقرير مصيرها، إما أن تبقى في إطار دولة يمنية جديدة اتحادية أو كونفدرالية أو غيرها، أو تعود كما كانت دولة مستقلة.
متأكدون تمامًا أن الوفد التفاوضي المشترك سوف يذهب للمفاوضات مع الحوثي وهو منقسم غير متفق على رؤية أو مشروع واحد، حتى وإن تم الحديث عن إطار تفاوضي خاص للقضية الجنوبية، فمع من سيكون التفاوض حول القضية الجنوبية، هل مع الحوثي أم مع غيره؟ هذا الأمر غير واضح للأسف، لذا فإن ترك الأمور هكذا بدون تحديد رؤية ومشروع متفق عليه، يسهم في تعقيد الأمور، وإخراج الجنوب من المفاوضات بدون مكسب سياسي مهم يرضي الشعب في الجنوب.
قد يرغم الانتقالي بضغوط خارجية على القبول بتسوية في إطار دولة يمنية جديدة، لكن إذا لم تكن هذه الدولة مربوطة بضمانات حقيقية لتحقيق الحد المعقول من مطالب الجنوبيين على كافة المستويات، فإن الشراكة ستفشل، وقد يتحول الأمر إلى احتلال جديد للجنوب أسوأ من السابق، لأنه في الحقيقة لا يمكن الوثوق هنا بالقوى السياسية الشمالية، فهي لا تريد الدولة، ولا يمكن أن تكون صادقة في بناء دولة وطنية حقيقية، إلا في حالة امتلك الطرف الآخر أوراق ضغط قوية، أما إذا حدثت الهرولة من جديد، فإنه لن يكون هناك جديد على صعيد الدولة في اليمن، ولن يحصل الجنوب على شيء مهم ومفيد، وستبقى المشكلة عالقة، وربما تتعقد أكثر.
علينا أن نضع مصلحة الشعب ومصلحة البلد أمام أعيننا، وأن نتخفف من مصالحنا الشخصية ونحن نبحث أو نتفاوض حول مستقبل البلد، أمامنا فرصة كبيرة كجنوبيين للحصول على مكاسب كبيرة للجنوب وشعبه، كما أنه أمامنا فرصة كبيرة كيمنيين أن نضع حدًا للصراعات والحروب، ونتفق على شراكة دائمة لبناء دولة قوية وحقيقية تلبي تطلعات الجميع.
من المهم أيضًا ألا يقدم الحوار بين السعودية والحوثيين تنازلات وامتيازات مجانية لصالح الحوثيين، تخصم من رصيد وفد المجلس الرئاسي، وتبعثر أوراقه، وتضعف موقفه، لأنه في هذه الحالة سيكون الحوار بين المجلس الرئاسي والحوثيين مجرد تحصيل حاصل، بعد أن يكون الحوثي قد حصل على ما يريد من التحالف.
ما يهمنا هو ما الذي سيحصل عليه الجنوب؟ لأن كثيرين شماليين وجنوبيين يراهنون على القضية الجنوبية والجنوب كورقة سياسية مهمة لوضع حد للفوضى وغياب الدولة في اليمن، وإعادة صياغة شراكة جديدة فاعلة وضامنة في إيجاد دولة جديدة وحقيقية، وحصول الشعب جنوبًا وشمالًا على حقوقه غير منقوصة، وتحقيق المواطنة والعدالة وتكافؤ الفرص أمام الجميع.
نأمل أن تكون الأمور مبشرة بكل خير، وأن يوفق الله الجميع لإيجاد مخارج حقيقية وعقلانية للأزمة الراهنة، وفي المقدمة معالجة قضايا الناس وأوضاعهم المعيشية والاقتصادية والإنسانية.
*رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام