توشك «ريدان» الحولية التي اقترحت إنشاءها في مؤتمر مديري الآثار الذي انعقد بالقاهرة عام 1976، والذي فيه وفد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وناقشت مع الباحثين المعروفين القاضي إسماعيل الأكوع والدكتور عبدالله المصري، اثناء المؤتمر وكانا حاضرين بطبيعة الحال وبحكم مركزيهما في مجال الآثار، امكانية أن تكون حولية لجزيرة العرب كلها.
وفي عام 1977 حصلت على دعم مالي من الرئيس الراحل سالم ربيع علي (سالمين) رحمه الله، تمكنت به من الإشراف على تحرير العدد الأول كرئيس تحرير مساعد حيث كانت ظروف الدكتور الغول رئيس التحرير رحمه الله لا تمكنه من المتابعة شخصياً.
ولقد وقع الاختيار على مطبعة «بيترز» العالمية في لوقان ببلجيكا لطباعة «ريدان»، ورتبت مع الاستاذ الدكتور جال ريكمانز -عالم النقوش البارز- اللقاء في المطبعة واستصحبت يومها من باريس الدكتورة الراحلة جاكلين بيرن للاشتراك في مناقشة الصورة التي ينبغي أن تخرج بها الحولية المذكورة.
ويعن لي أن أذكر هنا أن الاستاذ ريكمانز اقترح أن نجعل لون الغلاف بهيجاً بخلاف العادة التي درجت عليها المطبوعات المشابهة من حيث اعتمادها ألوان غلاف بعيدة البهجة كما قال، فكان أن استقر الرأي، بناءً على اقتراحه، على اختيار اللون البنفسجي (Mauve).
وكنا قد أعلنا في اجتماع ندوة الدراسات العربية في بريطانيا التي سبقت ذلك اللقاء في لوثان، أعلنا أنا والدكتور الغول، للباحثين المشاركين في الندوة المذكورة، قرب صدور «ريدان» داعين إلى الكتابة فيها.
وهكذا صدر العدد الأول، وفيه بدأ د. الغول رحمه الله كتابة ملخصات عربية للمقالات المنشورة باللغات الأوروبية، وبدأت من جانبي المشاركة بمقالات. وكان هناك من يرى في عدن من الزملاء الباحثين أن يكون اسم الحولية «أوسان» ولكنني تمكنت من أن أجعل الاسم (ريدان) الذي هو من وجهة نظري أنسب، وجعلت عملة عمدان بين يهقبض ملك سبأ وذي «ريدان» الحميري شعاراً مصوراً للحولية.
ومن الغريب أنني بعد أن كلفت خطاطاً بأن يكتب لنا إسم ريدان بخط جميل لقاء أجر دفعته له، ولكن خطه لم يعجبني فكتبت أنا الاسم بنفسي.
وطيلة أيام عملي بباريس كان مكتبي في اليونسكو (حيث عينت سفيراً ومندوباً دائماً لدى اليونسكو بعد اكثر من أربع سنوات سفيراً لدى فرنسا وسفيراً غير مقيم في عواصم اوروبية اخرى) يقوم بتوفير الخدمات الإدارية للحولية.
ومنذ البداية تقريباً كان الزميل الاستاذ الدكتور كريستيان روبان عالم النقوش الفرنسي الصاعد آنذاك والذي هو منذ حين في مقدمة العاملين في المجال، خير سند لي في تلك المهمة، ومعاً كتبنا العديد من المقالات باللغتين العربية والفرنسية. كما قام روبان مشكوراً في بعض الأحيان بمتابعة إخراج الحولية في لوثان.
وأدت مغادرتي لباريس عام 1983، للعمل مستشاراً لوزارة التربية بالامارات العربية المتحدة على أيام وزيرها الاستاذ الدكتور سعيد سلمان مؤسس جامعة عجمان ورئيسها منذ قيامها، أدى ذلك إلى أن حرمت «ريدان» من خدمات بعثتنا الدائمة لدى اليونسكو. فكان التفكير في حل عملي للمعضلة، خاصة وأن الغول الذي أصيب بمرض عضال أخريات أيامه، الأمر الذي اقتضى أن ندخل تعديلات على مشروعنا المشترك مع الأليكسو في مجال الآثار اليمنية إلى أن نلغي كبداية إصدار كتاب «مختارات من النقوش اليمنية القديمة»، وإشراك زملاء آخرين كالأستاذين الدكتورين بيستون (اكسفورد) وروبان (CNRS) أيامها وقد صدر الكتاب عن المنظمة عام 1985.
وكنت أيامها قد تعرضت لأزمة صحية جعلتني أملي الموجز التاريخي الذي أعددته للكتاب المذكور على بعض دكاترتنا الشباب الذين كانوا حينها يدرسون في باريس. فعلت ذلك وانا على فراش المرض بأحد مستشفيات باريس عام 1984. وقد اضطرني المرض آنذاك إلى التخلي عن عروض عمل كانت قيد البحث فعدت إلى عدن عام 1985، وبحثت مع الرئيس علي ناصر محمد مسألة الحصول على دعم مالي من مصافي عدن كان الهدف منه ضمان توفير جانب من المصاريف الإدارية ريثما يتم ترتيب أوضاع الحولية، ولست بحاجة إلى القول بأن وجود أخي فيصل عثمان بن شملان على رأس شركة مصافي عدن مما سهل الأمر.
وكما كان الحال من البداية استمرار المركز اليمني للابحاث الثقافية (؟) والآثار والمتاحف عنواناً لنا بعدن وكان رئيسه مديراً للتحرير باقتراح من يتولى تصفية حسابات الدعم الذي كنا نتلقاه من الرئاسة مباشرة.
وبعد حادث عائلي أليم مطلع عام 1986 إثر عودتي من رحلة علاجية للأهل بلندن، إلى جانب علاج ما كنت أعانيه شخصياً من مرض كان وقتها (قلَّل) من نشاطي بعض الشيء توصلت مع وزير الثقافة في عدن الاستاذ الدكتور محمد احمد جرهوم إلى الاتفاق على العديد من الترتيبات التي تهدف إلى تداول ما فسرناه نتيجة التطورات المذكورة أعلاه، فكان:
– قيام الرابطة اليمنية للدراسات الأثرية والنفسية في عدن والسعي من خلال الصديق الأخ يحيى حسين العرشي وزير الوحدة بصنعاء آنذاك والاستاذ عبدالعزيز عبدالغني رئيس الوزراء آنذاك إلى تدبير لقاء في صنعاء حيث نزلنا ضيوفاً على وزارة الوحدة في عام 1988، اشركنا فيه الاخ الاستاذ الدكتور صالح علي باصرة مع أعضاء الرابطة للالتقاء بالزملاء المعنيين هناك. وكان أن طرحنا اقتراحنا على الاخوة في صنعاء في لقاء بحضور الاخ رئيس الوزراء في بيته، على أمل أن تضم الرابطة أبناء الشطرين آنذاك ولكن الذين حضروا اللقاء المذكور في صنعاء كانوا شطراً من الشطرين وتغيب الأغلبية، واستغل الوقت الباقي في مناقشة الزملاء خاصة د. باصرة ود. اسمهان الجرو، ومحمد باطايع، ود. باوزير وكلهم من الرابطة مع الاخوة هناك فكرة الجمعية التاريخية التي كان يدعو لها بعض الاخوة.
ومضينا نحن في عدن وبدعم من وزير الثقافة الدكتور جرهوم ومساعد نائب الوزير آنذاك الاستاذ هشام علي بن علي إلى الدعوة إلى ندوة الدراسات اليمنية (فبراير 1989)، إلى جانب الإعداد لقيام مؤسسة «ريدان» التي دعمت من السلطات المعنية بتوفير مقر لها.
وعقب ندوة الدراسات اليمنية بدأ فريق يمني- فرنسي مشترك مشروع مدونة النقوش اليمنية مبتدئين في توثيق النقوش القتبانية وهو ما كان يدعو إليه الدكتور الغول منذ أول لقاء لي به عام 1968 بعدن وهو اللقاء الذي جمع بيننا في العديد من المشاريع العلمية المتصلة بالآثار والنقوش اليمنية، وادى إلى اختياري عضواً في مجلس كرسي الغول بجامعة اليرموك في إربد بالاردن.
ولقد امضيت مع الفريق المشترك بعض الوقت في مسح النقوش القتبانية في منطقة بيحان (الرسم الأول 1989) وكان الفريق يتكون من د. محمد عبدالقادر بافقيه، وكذا أحمد باطايع، ومحمد سعيد عامر (من المركز اليمني -عدن) والاخ خيران الزبيدي من فرع المركز في م/ شبوة، وكذلك الدكتور كريستيان روبان والدكتورة السندرا أفانسيني (ايطاليا) والدكتور منير عربش وريمي ادوان من الجانب الفرنسي.
كما بحثنا لدى انعقاد ندوة الدراسات اليمنية 1989 مع الاستاذ الدكتور معاوية ابراهيم من جامعة اليرموك- زمر حملة دولية للتنقيب في تمنع كلف هو بالتنسيق لها، وبدأ العمل آخر زيارة له لليمن عام 1991، بعد انتقالنا للعمل في الهيئة العامة للآثار بصنعاء، وهي الهيئة الموحدة التي اشتركت في وضع التصور لها بدعوة من وزير الثقافة بعدن قبيل قيام الوحدة، وتم في الوقت ذاته اعداد مكاتب لمؤسسة «ريدان» للدراسات الاثرية والنفسية في شارع مدرم (شارع الصحافة آنذاك)، كما تقرر في مباحثات توحيد الاجهزة الثقافية التي شاركت فيها، أن يكون لـ«ريدان» مكتب بصنعاء موقع عليه من جانبي ما لم يتحقق إلى اليوم لاسباب غير معروفة.
على أن ما تعرضت له مؤسسة «ريدان» من عبث بممتلكاتها واجهزتها بل واعتماداتها المالية في ظروف لم تتضح ابعادها تماماً وهو ما نحاول استجلاءه بمساعدة من يعنيهم الأمر جعلنا نواصل اصدار «ريدان» بمساعدات من الاصدقاء الفرنسيين وخاصة كريستيان روبان الذي يمثل الحولية في الخارج (أوروبا) كما هو واضح من العدد السادس.
وها نحن نواصل إصدار الحولية بمساعدتهم وبإمكانياتنا الذاتية حتى تنجلى الغمة! إن «ريدان» مؤسسة قامت بجهود شخصية كما هو واضح وبدعم من خيرين عددنا بعضهم سابقاً، وينبغي أن تواصل عملها خدمة للتراث الاثري والنقشي، وهو بصدد ترتيبه مع من يعنيهم الأمر من العارفين أهمية هذه المطبوعة العربية والدولية الناجحة والتي تواصل بخامها بفصل من ذكرنا ورغم كل شيء.
واخيراً وليس آخراً يحتم علينا الواجب الإشارة إلى الدعم الذي قدمه لنا المركز الفرنسي للدراسات اليمنية بصنعاء ومديره الدكتور فرانك ميرميه الذي انتهت مدة إدارته لهذا المركز، متمنين له التوفيق فيما هو قادم عليه.
والله من وراء القصد
عدن، الجمهورية اليمنية
المحرر
* افتتاحية العدد السادس من حولية «ريدان»
عن «ريدان»*
2023-02-23