صنعاء 19C امطار خفيفة

تراثيات بين الماضي والحاضر

تراثيات بين الماضي والحاضر

عندما نذكر المرأة اليمنية، فأول ما يتبادر إلى ذهنك هو لباسٌ بلون أسود قاتم يغطي كافة الجسد، بما في ذلك ‏الوجه، وبعيدًا عن الدين واختلاف الفقهاء والمشائخ حول الفتاوى الإسلامية التي تشرعن للمرأة ما ترتديه، ‏فإن المتعارف عليه حاليًا لا يمت للعادات والتقاليد اليمنية بأية صلة.‏


حيث كانت الجدات في ما مضى يرتدين ملابس بألوان جميلة زاهية، ولا يتضمن ذلك تغليف الوجه أو ‏تغطيته، كما هو الحاصل الآن بلبس "العباية" أو "البالطو" ذات الألوان السوداء.‏

يمنيات بالزي التقليدي يمنيات بالزي التقليدي (فاتن عبداللطيف)

إن تعدد واختلاف الأزياء الشعبية القديمة بشكل كبير جدًا، وامتلاءها بالألوان التي تضج بالحياة، يدل على ‏عشق الإنسان اليمني للحياة، فمثلًا نجد أن المرأة العدنية كانت ترتدي "الشيذر" ومن تحته "الدرع والفوطة"، ‏والصنعانية ترتدي "الستارة" الزاخرة بالألوان، ونساء تعز وتحديداَ صبر يرتدين "القميص" الصبري المطرز ‏الجميل، متوشحات للورود والريحان الذي يتم وضعه في جانبي الرأس من الأمام، ليكون بارزًا في وجه ‏المرأة، وفي إب ترتدي المرأة "الفوطة والقميص" الذي كان يتميز بالأكمام الطويلة الفضفاضة..‏



يمنية بأزياء تقليدية يمنية بأزياء تقليدية (فاتن عبداللطيف)

حيث تقوم المرأة بطي ذلك الكم وربطه خلف رقبتها أثناء مزاولتها لأي أعمال، المرأة الحضرمية ترتدي ثوبًا ‏بألوان مفرحة، يتوسط خصرها حزام من الفضة على الأغلب، ويتميز ثوبها بالطول من الخلف وقصره من ‏الأمام. وعلى ذلك يمكننا قياس جميع ملابس المحافظات بمختلف عاداتهم ولهجاتهم، وتجدر الإشارة هنا إلى ‏أن الاختلاف ليس على مستوى محافظة وأخرى، بل على مستوى العزل، وقد يصل للقرى، مما يميز النساء ‏بحسب ما ترتديه تستطيع معرفة من أي مكان هي.‏

بحسب الدراسات التي تتحدث عن لبس المرأة اليمنية قديماُ، يصل عددها إلى ما يقارب 300 زي يمثل هوية ‏المرأة اليمنية، وقد اندثر أغلبها.‏

إن التغيير الممنهج لعادات وتقاليد المجتمع اليمني بشكلٍ عام، وفي ما يخص الملابس التقليدية للمرأة بشكلٍ ‏خاص، حدث في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وذلك عن طريق الحملات التي يقوم بها رجال الدين ‏لليمن، أو عن طريق تلقين اليمنيين من الدول المجاورة، وتحديداُ السعودية ومصر، والذين كانت توكل إليهم ‏مهام محددة تحت الستار الديني، كالفتاوى التي استشرت بين فئات الشعب، وتعمل على تحديد ما الذي ترتديه، ‏وما يخالف ذلك فهو من المحرمات التي ترتكبها، ليتقبل المجتمع اليمني ذلك، في حال انتهجت منهج السير ‏على خطى الأجداد أو اختيار الملابس التي تحلو لك يثير حفيظة المتدينين الذين يتمتعون بحق السلطة ‏للحديث باسم الدين وبالنيابة عن "الرب"، واستغفال العامة وتهميشهم بجعل شيوخ الدين هم من يعملون على ‏تسيير أبسط الأمور الحياتية عن طريق التجهيل الممنهج الذي يحدث للشعب، وذلك عن طريق حصر الدين ‏بفئة محددة، وإظهار ما أرادوا من الدين للعامة، والإبقاء على بعض الأمور سرية، ولا يتم التحدث عنها أو ‏متاقشتها بين العامة كباقي القضايا.‏

أزياء تراثية في اليمن أزياء تراثية في اليمن (فاتن عبداللطيف)

تشهد البلاد انهيارًا تامًا في جميع مجالات الحياة، حيث تتصدر المراتب الأولى في المجاعة، الجهل، الفقر، ‏الفساد، الانهيار الاقتصادي بسبب الصراع الذي يدور بها منذ أكثر من تسع سنوات، وجعلها ساحة لتصفية ‏الحسابات بين دول إقليمية ودولية، إلا أن المرأة، جسدها، لباسها هي من أبرز ما يثير اهتمامات الشارع ‏اليمني، وتهميش القضايا الحقيقية في البلد، قد يكون الشعور بالنقص أو المظلومية من قبل أولئك الذين ‏يتمتعون بالسلطة على النساء في الأسرة، كذا تجهيل المرأة وتهميشها المتعمد، وحصر دورها في الجانب ‏الفسيولوجي فقط، هي أسباب لما يحدث للنساء من تعنيف واضطهاد لحقوقها، أضف أيضًا الخوف من ‏المجتمع، إذ إن أغلب العامة يُعانون من الرُّهاب المجتمعي في حال اتجه أحدهم لاتخاذ قرار يخص حياته فقط، ‏فسوف يتعرض لوابل من الهجوم الكلامي والنظر إليه باحتقار والسخط من الغالبية المحيطة به.‏

يستلزمك الأمر كفرد عادي مجرد من أية صفة دينية، المطالعة وقراءة الكتب التي تختص بأمور الدين، ‏لتكون على علم بجميع الأمور، دون تلقي الإرشادات أو التلقين الذي يحدث.‏

يمنية بالزي التقليدي يمنية بالزي التقليدي (فاتن عبداللطيف)

يستلزم الأمر الخروج من بوتقة رجال الدين، وتجريدهم من سلطاتهم، ليكون الجميع رجال دين وشيوخًا ‏بحسب الكتب الدينية المتاحة، وعمل إثارة لصحوة العقل من قبل الجميع.. لتعيش حياتك وفق القيم والمبادئ ‏التي تقوم باختيارها، والقناعات التي تحددها كفرد فعال في المجتمع.‏

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً