كما سيلاحظ المتتبع لأداء وسائل الإعلام اليمنية، وحتى تلك الأجنبية، فقد تدخلت المواقف السياسية بشكل واضح في التغطية الإخبارية لتطورات الأزمة، وحتى للأحداث الآنية، ولم يعد بإمكان الجمهور التعرف على حقيقة ما يدور كتطورات أو أحداث.. لا حقيقة خلفيات الأزمة السياسية والاجتماعية التي تحولت إلى نزاع مسلح، ولا حقيقة ما يدور ميدانيًا أو إخباريًا!
ولم تقع وسائل الإعلام اليمنية وحدها في هذا المأزق، بل سنلاحظ أن وسائل إعلام عربية أيضًا انجرفت وراء المواقف السياسية، وجرفت معها المحللين أو المعلقين على الأحداث، الذين تستضيفهم، والذين وقعوا هم أيضًا ضحية موقف الوسيلة الإعلامية التي تستضيفهم، وتتوقع منهم ما يلائم سياستها وموقفها من الأزمة إذا أرادوا تقاضي مكافآتهم (الأجور التي يحصلون عليها)، والتي قد تؤثر على مواقفهم الشخصية من الأزمة!
بعض هؤلاء لوحظ أنهم في تحليلاتهم ينطلقون من رؤيتهم الشخصية أو الحزبية أو السياسية للأحداث، وبالتالي فقد فقدوا القدرة على التمييز بين تحليلهم للواقع كما هو بحيادية، أو تعليقهم على الأحداث كأخبار! وقد يكون مقبولًا الحديث عن تأثر الإعلاميين اليمنيين بتطورات الأزمة، ثم بالأحداث الجارية، بخاصة إذا لمستهم أو ألحقت بهم ضررًا وبشكل مباشر أو غير مباشر، لكن من المؤكد وفقًا لخبراء الإعلام وتغطية الأخبار، أن التغطية الإعلامية المهنية يجب أن تتحاشى الآراء الشخصية أو المواقف المسبقة! فتغطية خبر ما مثلًا عن غارة جوية أو مواجهة عسكرية مباشرة، و الضحايا الذين سقطوا نتيجة الغارة الجوية أو المواجهة العسكرية المباشرة، يجب أن تجيب على الأسئلة المعروفة المتعلقة بعناصر الخبر الصحفي (ماذا، كيف، لماذا، أين، متى، ومن وغيرها تبعًا لأهميتها)، دون الحاجة لحشر الموقف السياسي من الأزمة، أو من سبب الغارة أو المواجهة العسكرية المباشرة!
لكن الملاحظ أن تغطية وسائل الإعلام اليمنية تباينت حتى عند تغطيتها للأخبار، وعكست آراء ومواقف مسبقة! فالمتتبع لتغطية بعض قنوات التلفزيون اليمنية أو العربية، بخاصة التي ليس له موقف مسبق من الأزمة والأحداث، سيجد نفسه في حيرة وهو يحاول التعرف على حقيقة ما يدور ، لأن تغطيتها ليست ملتزمة بالحياد، وتتسم بكونها جزءًا من الحملة الإعلامية المضادة التابعة لهذا الطرف أو ذاك! وإذا ما حاول المرء التعرف على حقيقة ما يدور من خلال قنوات أجنبية أو غير يمنية، يعتقد أنها محايدة، فسيجد فيها بعض المواقف تبعًا لمواقف الجهات أو الحكومة الممولة لها ( RT or France 24 or Egypt and some other Arabic channels)!
ويبقى السؤال الأزلي ليس فقط حول تغطية وسائل الإعلام للتطورات والأحداث اليمنية، بل لتطورات وأحداث العالم من حولنا، وما إذا كان الجمهور اليمني والعربي والعالمي سيحصلون على تغطية محايدة تنقل إليهم أحدات وتطورات الواقع كما هي بلا رتوش، وبدون حشر موقف ما يطغى على مبدأ العلم بالشيء والتعرف عليه، ثم الحكم في ما بعد!