صنعاء 19C امطار خفيفة

أين هيبة القضاء من "أُف" إلى "دُجم"؟

2008-05-15
أين هيبة القضاء من "أُف" إلى "دُجم"؟
أين هيبة القضاء من "أُف" إلى "دُجم"؟ - رشاد علي الشرعبي
الإهداء: إلى روح القضاء المستقل الذي لم يولد بعد, والهيبة التي نالت منها ضحكة المقالح وسخرية القرني وشجاعة الخيواني
ما بين قهقهة الزميل محمد المقالح في قاعة المحكمة الجزائية المتخصصة "الاستثنائية"، وسفك دم المهندس نبيل المخلافي في قفص محكمة غرب الأمانة قبل 4 أعوام, تبرز بوضوح الصورة الحقيقية لهيبة القضاء، المزعومة في الأولى، والمسفوحة في الثانية.
وقبل تناول هذا الموضوع فهناك قصة متداولة في صنعاء عن رجل قتل والده ولجأ إلى عالم دين وسأله عما إذا كان قتله لوالده معصية، فردّ عليه العلامة بلهجة شعبية: أين أنت من "أُف" إلى "دُجم"؟ ويقصد بذلك الفرق بين أمر الله تعالى للأبناء بشأن العلاقة مع الوالدين {ولا تقل لهما أُفٍ...} وجريمة السائل تجاه والده بالقتل بالرصاص.
وعودةً إلى ضحكة المقالح البريئة في جلسة محاكمة ضحية الانتهاكات الدائمة الزميل عبدالكريم الخيواني, فقد كانت مبرراً ساذجاً للإيقاع بالمقالح في شرك الانتقام وتعليمه الأدب لتجاوزه الخطوط الحمراء المرسومة عبر المواقف والآراء التي يعلنها بشأن قضايا مهمة كصعدة والحراك في الجنوب وغيرها.
ويبدو دافع الانتقام والشرك من خلال عملية الاستنفار السلطوي للانتقام لهيبة القضاء المفقودة والتي نتمناها جميعاً, وسفحتها مجرد ضحكة مهما علا صوتها, لكنها هيبة رغم ركاكتها لم تنل منها حوادث القتل في قاعات وأروقة وبوابات المحاكم والسجون، ولم تؤثر عليها سلباً الاعتداءات، قتلاً وضرباً، التي تلحق بقضاة المحاكم والنيابات والمحامين، واقتحام مقرات المحاكم والنيابات والتدخلات الفجة في القرارات، وعدم التنفيذ للقرارات القضائية من جانب الأجهزة التنفيذية على مختلف مسمياتها ومستوياتها.
فقبل 4 العوام تقريباً سُفك دم المهندس نبيل المخلافي وهو قابع في قفص المحكمة وسط أمانة العاصمة. وأكد الجميع أن الجريمة نالت من هيبة القضاء ونحرته من الوريد إلى الوريد. وخلال أسبوع عقدت جلستان للنظر في الحادثة، وحسم رئيس المحكمة حينها، القاضي سبأ الحجي، الأمر ثأراً لهيبة القضاء المسفوحة مع دم المخلافي، وأصدر حكماً بإعدام الجاني قصاصاً وتعزيراً، بعد سرد الحيثيات، ومنها هيبة القضاء المعتدى عليها.
إلا أن القضية "غرزت" في "دواليبـ" محكمة استئناف أمانة العاصمة منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وما زالت المحاولات جارية لحل القضية قبلياً، رغم أنه حتى لو تم التنازل عن الحق الخاص فإن الحق العام لا يسقط من خلال تحديد القصاص والتعزير. ويقود محاولات الحل القبلي برلمانيون ومشايخ قبليين وقيادات عسكرية مقربة من صانع القرار. وواصل أولياء دم المخلافي رفضهم التنازل رغم كل الضغوط والمماطلة القضائية في القضية.
قبلها قتلت طبيبة روسية من قبل زوجها اليمني في قاعة إحدى محاكم العاصمة. وقبل أيام قتل لواء متقاعد في الجيش أمام المحكمة العليا من قبل قريب أحد المشايخ. وما بينهما قتل صلاح الرعوي في سجن البحث الجنائي بإب من قبل أشخاص يمنحهم القانون صفة "رجال الضبط القضائي". وحوادث مماثلة كثيرة جميعها تنال من هيبة القضاء وسيادة القانون ويسيل لهولها المداد الذي كتبت به نصوص الدستور والقوانين.
لكن جميع تلك القضايا لم يهتز لها عرش خاطفي القضاء, ولم تستفز ضمائر الحريصين الهيبة المزعومة، ما دام الذي قتل أو اعتدى أو اقتحم ليس معارضاً سياسياً كشأن المقالح الذي "فلتت" منه قهقهة انتزعتها منه مشاهد مضحكة ضمن مسرحية محاكمة الخيواني كإرهابي كان يخطط للانقلاب على النظام العسكري وتسميم الآبار بأسلحة فتاكة (كمبيوتر محمول, تلفون جوال, أشرطة "سي. دي").
وبالمثل في حالة سفح دم المخلافي ومعه هيبة القضاء في قفص المحكمة وهو وديعة بين يدي القضاء وفي حمايته, يفترض بها أن تكون وديعة آمنة مطمئنة. فما دام الجاني يتمتع بحماية نافذين عسكريين مقربين (وشطار أيضاً) فقد تم الاكتفاء بالثأر لهيبة القضاء بحكم لم ينفذ، وحتى القاضي الحجي الذي حاول الثأر بحكمه ذلك أبعد عن المحكمة بعد أشهر.
وكذلك الحال بالنسبة لدم صلاح الرعوي، الذي سفك مع سيادة القانون وهيبة الدولة وأجهزتها الأمنية. فلأن الجناة من قبيلة تسيطر على أجهزة الأمن وتهيمن على أهم سلطتين من السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية) من خلال رئيسي مجلسي النواب والقضاء الأعلى, فلم تكن الجريمة بالمستوى الذي يرقى إلى حد المس بالهيبة والسيادة, ولم تؤدِّ إلى هز أركان قضاء فاقد الهيبة كما أحدثت قهقهة المقالح.
وللحد من اهتزاز هيبة القضاء والنيل منها ننصح الصحفيين والمعارضين السياسيين وكل المواطنين اليمنيين الذين لا يمتلكون "ظهور" تخفف من تلك "الهزة" أن يحذروا الابتسامة أو العطس والتثاؤب والنحنحة أو ما شابه ذلك في قاعات المحاكم وأقسام الشرطة وكل أرجاء الوطن اليمني، حتى لا ينالوا بذلك من هيبة القضاء وسيادة القانون والوحدة والثوابت الوطنية وأهداف الثورة, وكي لا يكونوا حجر عثرة أمام تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية أو يقفوا في طريق توفير المناخ المناسب لجذب الاستثمارات الأجنبية.
Hide Mail

إقرأ أيضاً