الطريق إلى السبعين يمر عبر مؤسسة الجيش(1-2) - أحمد الزرقة
يحرم الدستور اليمني ويجرم الانتماء الحزبي لمنتسبي الجيش والأمن من الناحية النظرية والنصية فقط،ويتجاوز عن ذلك على صعيد الممارسة الفعلية،لنجد أن غالبية القيادات العسكرية والأمنية العليا, إن لم تكن جميعها, من حاملي عضوية الحزب الحاكم،بدءا من القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، وقادة الألوية والمحاور العسكرية،ووزير الداخلية ووكلائه،وقيادات الوحدات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية.
كما أن نائب الرئيس فريق عسكري وهو نائب رئيس الحزب الحاكم.ولا يختلف الأمر كذلك عندما يتعلق بنائب رئيس مجلس النواب والأمين العام المساعد في الحزب الحاكم اللواء يحيى الراعي، والعميد صادق أمين أبو رأس الأمين العام المساعد ومحافظ تعز، كما أن جميع محافظي المحافظات اليمنية باستثناء القاضي الحجري، هم من القيادات العسكرية والأمنية, ومناطة بهم مهام تنظيمية تتعلق بالأداء الحزبي والعمل على إغلاق محافظاتهم انتخابيا بالتعاون مع قادة الألوية والمحاور العسكرية كما حدث في الانتخابات الرئاسية والمحلية التي جرت العام الماضي.
بل إن الدائرة المغلقة حول رئيس الجمهورية لا تكاد تخلو من عسكري منتم للحزب الحاكم من على الآنسي مرورا بعبده بورجي والعميد علي الشاطر, وصولا إلى قيادات أجهزه الأمن السياسي والقومي والأمن العام.
وإذا اتجهنا إلى صفوف المعارضة سنجد بالتأكيد عشرات العقداء والعمداء يتبؤون مناصب حزبية رفيعة؛ فقيادات حزبية رفيعة في تجمع الاصلاح تنتمي لمؤسستي الجيش والأمن،كما ورث الحزب الاشتراكي عشرات القيادات العسكرية والتي أقصيت بعد حرب صيف 1994م, وبالتالي يصبح الحديث عن تحريم الحزبية في المؤسسة العسكرية نوعاً من الاستهلاك الإعلامي،ويندرج تحت بند إقصاء الآخر عن التواجد في هذا المربع.
الحديث عن الجيش يعني الحديث الإيجابي عن الانتصار للوطن والثورة وأهدافها ومراحلها النظالية المختلفة،فالجيش الذي ساهم في الانتصار للثورة اليمنية شمالا, ظل لفترات طويلة محكوما بنزاعات السياسيين ورجالات القبائل، وعلى الرغم من وجود عدد كبير من قياداته في مناصب عليا خلال الجمهوريتين, الاولى والثانية، إلا انه لم يكن صاحب التأثير الأبرز على الساحة،بسبب سطوة القبيلة وسيطرة رجالاتها ومشايخها على مفاصل الدولة.وكان مفهوم الولاء للدولة الحديثة في أقل مستوياته،وكان الاستقواء بعوامل أخرى مؤثراًَ، وغالبا ما كان يتم فرز الوحدات والألوية العسكرية على أسس جهوية, إلى حد ما.
ومع تسلم الرئيس الحمدي للرئاسة بتفويض من المشايخ القبليين،الذين اختلفوا مع صيغة الحكم المدني برئاسة القاضي الارياني رحمه الله، إنتقل الحكم إلى العسكر مرتديا أثوابا لم يألفها المجتمع،وتصادم خلال فترة قصيرة مع حلفائه من مشايخ القبائل الذين كانوا يعتقدون أن الرئيس الحمدي سيكون من السهل التلاعب به ومن ثم الاطاحة به، نظراً لكونه من الطبقة الاجتماعية التي كان ينتمي إليها سلفه الارياني (قاضي)، ولم يكن من فئة المشايخ ولم تكن له فئة تنصره من تجمع بكيل أو حاشد. ويبدو أن الحمدي رحمه الله كان يدرك جيدا خطورة تلك النقطة،فتعامل معها بحرص شديد عندما عمد إلى تقوية مركزه في قيادة الجيش عبر إزاحة العميد مجاهد أبو شوارب من منصبه كنائب للقائد الاعلى للقوات المسلحة،وعين بدلا منه المقدم أحمد الغشمي، وهو من لا ينتمي لطبقة المشايخ، كما أزاح كلا من علي ومحمد ودرهم أبو لحوم من مناصبهم العسكرية وعين عدداً من أنصاره في أماكنهم منهم الرئيس علي عبد الله صالح الذي ينتمي لأسرة فلاحية.
الأمر الذي جعله يخوض صراعاً مكشوفا مع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وكان سببا في تدخل السفير السعودي في صنعاء حينها للوساطة بينهما عندما وصل الأمر إلى حد حشد أنصار الشيخ عبد الله الأحمر والمشايخ الآخرين الساخطين على تلك الترتيبات في الجيش. وتعد تلك الخطوة هي البداية الأولى للاستقواء بالجيش كمؤسسة في حسم الصراعات التي دارت في البلد. وكشفت حادثة إغتيال الرئيس الحمدي، أن المؤسسة العسكرية لم تتبلور بعد وأنها ما زالت في طور لم يسمح لها بالدفاع عن قائدها العام أو معرفة دوافع عملية الاغتيال. وبسلاسة عجيبة حل المقدم أحمد الغشمي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس الجمهوري ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في ظل توجس من المشايخ الذين صدمتهم النهاية المأساوية للرئيس إبراهيم الحمدي، وحاول الغشمي تطمينهم من خلال إعلانه إعادة الحياة لمجلس الشعب الذي كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يترأسه قبل أن يجمده الرئيس الحمدي.
ولم يعمر الغشمي كثيرا في الحكم وجرت حادثة إغتيالة المؤلمة بشنطة مفخخة. ويبدو أن الغشمي لم يكن محبوبا بما فيه الكفاية من قبل قادة الجيش. وللمرة الثانية لم يتحرك الجيش لمعرفة ما جرى بالضبط،وكان الحكم على قاب قوسين أو أدني للعودة إلى أيدي المدنيين مرة أخرى، لكن حسابات القاضي عبد الكريم العرشي رحمه الله كانت مختلفة وكان يؤثر السلامة بسبب الحادثتين اللتين أوديتا بحياة رئيسين في فترة قصيرة من الزمن، وكان من الطبيعي أن يتولى الرئاسة رئيس هيئة الاركان المقدم الشيبة, لكن كان هناك قادم جديد وطامح للرئاسة قدم نفسه بقوة،وأجاد التنسيق والتربيط فانتزع الرئاسة،.ومنذ اليوم الاول عرف القادم الجديد المقدم علي عبد الله صالح, وكان في بدايات شبابه، الخلل الموجود في المؤسسة العسكرية التي تعد الطريق الأسهل للطامحين لرئاسة الجمهورية. ومنذ اللحظة الاولى بدأ في تحديد ملامح المؤسسة العسكرية التي لم تكن تملك الكثير وكان وضعها مزريا فقد خاضت حربين ضد الشطر الجنوبي من الوطن حينها، ولم تستطع المقاومة أو الصمود. ولعل الحرب التي دارت في بدايات فترة حكمه مع الجيش الجنوبي بالإضافة إلى محاولة الانقلاب الناصرية الفاشلة التي قامت ضده، قد كشفتا له الخلل الجلل،فعمد إلى تصفية الخصوم والمشكوك في ولائاتهم له،وأسند العديد من المناصب العسكرية الحساسة لقيادات عسكرية من أقاربه وزملاء أيامه الاولى، واهتم كثيرا بعقد صفقات التسلح والانفتاح على المجتمع الخارجي، ولم يهتم كثيرا بمصدر السلاح أو نوعه, بل كان الأهم توفير أكبر كمية من السلاح ومن جهات مختلفة, اعتمادا على المشاعر السلبية التي يكنها الجيران للنظام الذي كان قائما في عدن، ولا أدل على ذلك تسخيره أموالا سعودية وامريكية من أجل شراء سلاح سوفيتي.
ومن الخطوات العملية التي قام بها التوسع في إنشاء الكليات العسكرية والمعاهد التخصصية فانشأ كلية الطيران، وكلية الدفاع، وكلية القيادة والأركان, ومعهد الاتصالات العسكرية,وغيرها من الوسائل التي من شأنها رفد المؤسسة العسكرية بالعناصر المؤهلة التي يكون ولاؤها مضموناً له أولاً، وهذا ما نجح فيه كثيرا.
وخلال عهد الوحدة لم يفرط الرئيس صالح في رجالاته وقياداته العسكرية، ورفض كل الدعوات لدمج الجيشين ربما لعدم جدية تلك الدعاوى، ولأن الشريك الآخر كان مترددا كذلك, ولأنه عسكري على عكس أمين عام الحزب لللاشتراكي علي سالم البيض, فقد أجاد وبإتقان كبير في اختيار تموضع الألوية والوحدات العسكرية التابعة له خلال المرحلة الانتقالية امسك من خلال تلك التموضعات بمفاصل اليمن الموحد،وزج بأقوى الألوية نحو المناطق الجنوبية، بينما استطاع إزاحة وحدات وألوية الحزب الاشتراكي نحو مناطق العمق في المناطق الشمالية،وقريبا من مناطق القبائل مما أفسد فاعليتها عندما اقتضت الحاجة استخدامها. وكانت بعيدة عن خطوط الإسناد والدعم ما جعلها لقمة سائغة وأنهى فعاليتها مع الطلقة الاولى لحرب الاخوة الاصدقاء.
وبعد حرب الخمسين يوما تغيرت الخارطة السياسية وطبعا كان هناك جيش مهزوم ولو لم يحارب كل أفراده. وأصبحت الهزيمة سمة جغرافية،وإن ساهم في صناعتها جنوبيون. ولأول مرة في تاريخ اليمن المعاصر يتم إقصاء جيش بكامله وإحالته للتقاعد. ومرت تلك الحادثة بهدوء عجيب ظاهريا وسخط كبير يتولد تحت السطح،وانتشرت عبارات مثل حزب خليك في البيت الذي كان معظم أفرادة, إن لم يكونوا جميعهم, من أعضاء الحزب الاشتراكي،الذي كان يعاني مثله مثل المؤتمر الشعبي العام من مرض عدم القدرة على الفصل بين مفهوم الحزب ومفهوم الدولة،عندما تحول الحزب لسرطان منتشر في مفاصل وثنايا الدولة.
ربما كان صبر أبناء المحافظات الجنوبية هو ما جعل الممارسات تزيد, كما أن تخلي الحزب الاشتراكي ومعه حلفاءه السياسين عن الدعوة لمعالجة تبعات وآثار الحرب،والانصراف نحو مفهوم غير واضح يتعلق بإصلاح مسار الوحدة، وذلك ما كان الطرف المنتصر يرفضة وللاسف فإن التجمع اليمني للاصلاح كان من أشد الرافضين لفكرة معالجة آثار حرب صيف 1994م، نظرا لكونه شريك المؤتمر الشعبي العام في تلك الحرب. واليوم يدرك الاصلاح جيدا أنه أكل يوم ساهم في القضاء على الحزب الاشتراكي.
ومنذ فقد الرئيس صالح تحالفه مع التجمع اليمني كحزب،ومع الشيخ عبد الله الاحمر كزعيم لقبيلة حاشد التي تحالفت مع الرئيس صالح منذ اليوم الاول لتوليه سدة الحكم، ومع بروز فكرة توريث ابنه أحمد لرئاسة الجمهورية،إتجه الرئيس صالح نحو الاهتمام ببناء نخبة عسكرية جديدة وزج بإبنه احمد نحو المؤسسة العسكرية وفجأة ظهر أحمد علي قائدا عسكريا لمعسكر الحرس الجمهوري، وعضوا لمجلس النواب،لكن ذلك الظهور سبب حرجا وربما رفضا من قبل عدد من القيادات العسكرية القديمة والمحسوبة على الرئيس صالح منذ بدايات حكمه وقيل إن اللواء محمد إسماعيل تزعم تيار المعارضين،وهناك حديث أن علاقة اللواء على محسن الاحمر ليست كما يرام مع العقيد أحمد علي وحصل شد وجذب بينهما أدى لاعتكاف الاول في ألمانيا خلال عام 2004م, وتدخل الرئيس لصالح علي محسن وتم تهدئة الامور بينهما، لكن هل عادت الامور لمجاريهما بينهما!
يرمي الرئيس صالح من خلال السعي الحثيث لبناء مؤسسة عسكرية حديثة يسيطر عليها أو يتواجد فيها مجموعة كبيرة من النخب العسكرية الشابة الممثلة لمربعات التحالفات القديمة الجديدة عبر الاهتمام بتوزيع تلك الوجوه الشابة على الوحدات العسكرية الاكثر تأثيرا ووضعها مؤقتا تحت إشراف القيادات العسكرية القديمة لاكتساب الخبرة، بالاضافة إلى اهتمام الرئيس صالح بإنشاء كلية عليا للحرب تسهم في إعداد قيادات مؤهلة تأهيلاً علميا إلى جانب التأهيل الميداني، كما أن التنسيق القائم مع القوات الأميركية وربط ذلك التنسيق بالعقيد أحمد علي من أجل خلق علاقة دائمة وإزاحة أي لبس أو غموض قد يجعل الجانب الامريكي يعترض على تولي احمد الرئاسة خلفاً لوالده،وكما يقول والده فإن الطريق سيمر عبر الصندوق حتى لا يشكل تجاوز الصندوق إحراجا للأصدقاء الامريكان.
إن الإمساك بمفاصل الجيش والأمن هو ما سيضمن السيطرة على الكرسي وذلك الدرس الاول الذي تعلمه صالح منذ اليوم الأول لتوليه الحكم، وهو الدرس الذي يحرص أن يتعلمه الولد أحمد.
وإذا تتبعنا خارطة التعيينات للأبناء وعيال الأخوة وجيل الشباب الأقارب سندرك عمليا أن مفاصل البلاد تحت السيطرة، ولن تكتمل السيطرة على المفاصل دون السيطرة على الثروة. ومن هنا يبرز الشق الاكثر إثارة في مسلسل الصراع على النفوذ وإعادة ترتيب المنزل من الداخل. ومن عجائب الأمور أن جميع أبناء الرئيس وأبناء إخوته عسكريون، لكن ليس بالفطرة كما الجيل الاول الذي التحق بالجيش لعدم وجود وسيلة رزق أخرى، لكن لأن الجيش هو المفتاح الطبيعي للسيطرة في ظل غياب المؤسسات المدنية الرسمية والحزبية، لكن جيل الأبناء بالتأكيد لن يكون مثل جيل الأباء.
الرئيس صالح يزور معسكرات الجيش اكثر من زيارته للمؤسسات المدنية ويداوم في مكتبه بالعرضي أكثر من القصر الجمهوري، وقبل أي رحلة خارجية له يتمم على المعسكرات، ويعود غالبا للظهور من معسكر. معظم رسائل الرئيس صالح لمعارضيه السياسيين تخرج خلال خطاباتة أمام جموع العسكريين، وغالبا ما يحذر الرئيس صالح احزاب المعارضة والكتاب والصحافيين من التعرض للمؤسسة العسكرية، ويرسل عبرها إشارات تحريضية.
تلك إشارات واضحة للدور المعول على المؤسسة العسكرية القيام به في الحياة السياسية اليمنية المعاصرة باعتبارها أداة للحسم والقمع والسيطرة على مقاليد الأمور في اليمن.
وغالبا ما يتم استخدام العسكر في التكتيك الانتخابي ويعرف الجميع حكاية الزج بمعسكرات كاملة في دوائر انتخابية يتوقع وجود مرشحين أقوياء في من المعارضة في تلك الدوائر، ولعل ذلك كان من أبرز الأسباب التي دعت المعارضة في أكثر من مناسبة سياسية لتحييد الجيش عن عملية الاقتراع الانتخابي.
وغالبا ما يتم الضغط على العسكريين من أجل التصويت لمرشحي الحزب الحاكم،وقد تنجح تلك الاستراتيجية في بعض الحالات, لكنها تخفق أيضا في بعض الحالات،كما حدث خلال انتخابات البرلمان عام 2003م في أمانة العاصمة عندما صوت العسكريون لمرشحي المعارضة اليمنية.
وفي الوقت الذي تستخدم السلطة مصطلحات الانضباط العسكري والتقيد الصارم باللوائح العسكرية، تستخدم المعارضة اليمنية خطابا عاطفيا عند توجيهها الخطاب نحوهم،مستغلة تدني اجورهم،بالإضافة لتعرضهم مثل غيرهم من المواطنين لمشاكل الغلاء والفساد وغيرها من المشاكل.
كما أن الوحدات العسكرية لاتتساوى في الحصول على المنح والمزايا, وتتفاوت الأجور لمنتسبيها تبعا للوحدة العسكرية وأحيانا تبعاً للقائد العسكري المسؤول عنها والجهة التي تتبعها, حتى وإن كانت تؤدي نفس المهام.وغير خفي وجود صراعات وحساسيات بين أفراد الوحدات العسكرية والأمنية وتصل في بعض الأحيان للاشتباك بالسلاح.
alzorqa
الطريق إلى السبعين يمر عبر مؤسسة الجيش(1-2)
2008-02-07