قصة موت معلن - بشير السيد
* يواجه رئيس النيابة الجزائية المتخصصة مأزقاً قانونياً واخلاقياً جراء طعنه في قرار الإفراج عن هاشم
محض إجراء قضائي مشكوك في سلامته، كان كفيلاً بإزهاق حياة الشاب هاشم حجر، 25 عاماً. فجر الأحد الماضي.
قبل قرابة 4 أشهر اعتقل الشاب المثابر. كانت صحته معتلة، بحسب تقرير طبي صدر من مستشفى الكويت بالعاصمة، اوصى بمراقبة حالته باستمرار وعدم تعرضه للإنفعالات: يعاني من اضطرابات الجهاز الهضمي والتهابات الكبد المزمن وتضخم في الطحال.
كان من المفترض أن يغادر السجن قبل 72 يوماً حين قررت المحكمة الابتدائية المتخصصة الإفراج عنه بالضمان نظراً لحالته الصحية، لكنه مكث في السجن المركزي حتى ازدات حالته تفاقماً.
مساء السبت الماضي نقل هاشم المتهم ضمن «خلية صنعاء الثانية» على متن سيارة السجن المركزي الى مستشفى الثورة رفقه ضابط و6 جنود، ساعتها كان في الرمق الأخير.
أمضى 8 ساعات في المستشفى، 6 منها في قسم الطوارئ وساعتان في العناية المركزة، ثم فارق الحياة عند الساعة 5 فجر الأحد. وبحسب إفادة الدكتور عقيل شمسان في تصريح الدفن فإن سبب الوفاة كان جراء نزيف حاد في الجهاز الهضمي وإصابته بفشل كلوي.
لم يكن الشاب المثابر يتوقع وأسرته المصير المأساوي الذي آل اليه.
حين غادر هاشم دياره في محافظة صعدة أواخر 2001 قاصداً العاصمة صنعاء يحمل حقيبة ملابس وملفاً يحتوي على وثائق نجاحه في الشهادة الثانوية وإلى الحقيبة والملف كان يحمل هدفاً نبيلاً ويرى أنه سيتحقق «مسؤول مالي في إحدى الشركات العملاقة» ،بحسب إفادة شقيقه الأكبر يحيى حجر (38 عاماً).
التحق مطلع العام 2002 بكلية التجارة بجامعة صنعاء. عُرف الشاب منذ طفولته بحبه للتعليم. وخلال سبع سنوات دراسية كان ترتيبه ضمن العشرة الأوائل. والى تفوقه في التعليم كان ميالاً بالوراثة للنشاط التجاري مثل والده الذي يمتلك 8 محلات متعددة الأنشطة في صعدة.
في المرحلة الثانوية كان هاشم يدير محلاً لبيع اكسسوارات الهاتف النقال في مدينة صعدة وكان شريكاً بالثلث وفي مطلع دراسته الجامعية استقل وفتح محلاً لخدمات الكمبيوتر أيضاً في مدينة صعدة استمر في ادارة تجارته وفي الوقت ذاته كان يكافح لنيل شهادة البكالوريوس محاسبة- وبدت أعراض المرض تظهر على جسمه. زد على ذلك أنه التحق بالمعهد الكندي للغات على اعتبار أن الانجليزية غدت من الشروط الاساسية للوظائف المهمة.
وطبقاً لرواية شقيقه يحيى تقدم هاشم بملف الى شركة هنس يونتل لخدمة الاتصالات مطلع العام الحالي للعمل لديها كمحاسب.
انذاك كان في المستوى الرابع في الجامعة ويفصله عن شهادة بكالوريوس 3 أشهر لكنه لم ينهها وخمسة أشهر على حفل زفافه.
ففي مساء الخميس7 يونيو الفائت تلقى يحيى حجر اتصالاً من مدير أمن محافظة صعدة اخبره أن والده محتجز لديهم ولن يخلى سبيله إلا بعد أن يثبت أنه وهاشم يتواجدان في العاصمة ومن أجل ذلك طلب منه التوجه وشقيقه الى أقرب قسم شرطة والاتصال به لدحض المعلومات التي تلقتها ادارة أمن صعدة التي تفيد أنهما (يحيى وهاشم) انظما الى صفوف الحوثيين في منطقة النقعة لمواجهة قوات الجيش «اتصل الضابط المناوب بقسم شرطة الأحمر -الحصبة- واكد له تواجدنا»، قال يحيى لـ«النداء». عقبها طلب الضابط المناوب من الشقيقين الانتظار لتصوير بطاقتهما الشخصية وبعد خمس دقائق دخل ضابط كبير برفقة مجموعة من الجنود كان الضابط هو هشام الغزالي مدير الادارة العامة لمكافحة الارهاب بأمانة العاصمة. واصطحب الشقيقين إلى ادارة الارهاب تم احتجاز كل واحد منهم في غرفة منفردة.
بعد يومين من الاحتجاز افرج عن الشقيق الأكبر يحيى وظل هاشم رهن الاحتجاز وبعدها بأسبوعين كان هاشم متهماً ضمن 17 آخرين في خلية اطلق عليها «خلية صنعاء الثانية». وبحسب عبدالرب المرتضى محامي هاشم فإن التهمة التي وجهت لـ«هاشم» من قبل النيابة الجزائية. هو أن هاشماً باع جهاز كمبيوتر لجماعة الحوثيين ونقل ثلاث شرائح يمن موبايل... إلخ».
في جلسات المحاكمة طالب محامي هاشم من المحكمة الافراج عن موكله بالضمان نظراً لحالته الصحية وفق تقرير طبيب صادر من مستشفى الكويت التعليمي يؤكد أن حياة موكلة معرضة للخطر ويتطلب الافراج عنه.
في جلسة 18 يوليو أصدرت المحكمة الابتدائية المختصة قراراً بالافراج عن هاشم حجر وعبدالكريم الخيواني بالضمانة نظراً لحالتهما الصحية.
أفرج عن الخيواني فيما بقي هاشم في السجن. وطبقاً لمحاميه فإن رئيس النيابة الجزائية سعيد العاقل امتنع عن تنفيذ قرار المحكمة بالافراج كما وقدم طعناً بقرار المحكمة لدى الشعبة الاستئنافية بعد إنتهاء مدة الطعن القانونية.
هو يقول إن اجراء النيابة مخالف لنصوص القانون التي لا تجيز الحبس الاحتياطي لأي متهم عنوان سكنه معروف سيما وأن موكله يعاني من تدهور في صحته.
عقب وفاة هاشم فجر الاحد الماضي حرر المرتضى شكوى تقدم بها الى النائب العام يتهم فيها كلاً من سعيد العاقل رئيس النيابة الجزائية وسعيد القطاع رئيس الشعبة الاستئنافية ومطهر الشعبي مدير السجن المركزي بالقتل العمد لموكله هاشم، وطالب النائب العام بمباشرة التحقيقات في جريمة القتل ورفع الحصانة القضائية عن المتهمين.
لكن يحيى حجر أفاد أن مدير السجن المركزي اتصل به عصر السبت واخبره بتدهور حالة هاشم الصحية وأثناء تواجده في السجن اتصل يحيى الشعيبي برئيس النيابة الجزائية يطلبان منه الموافقة على اخراج هاشم من السجن لتلقي العلاج، لكنه رفض خوفاً من هروب هاشم.
قرر الشعيبي تالياً نقل هاشم الى مستشفى الثورة تحت مسؤوليته بصحبة 7 مسلحين.
وطبقاً لرواية يحيى فإن هاشم اخبر الطبيب في مستشفى الثورة أنه مضى عليه يومان بهذه الحالة.
كانت بطن هشام قد تورمت بشكل لافت جراء عجزه عن التبول وقضاء حاجته وتعطل جهازه الهضمي.
قبل وفاته اطلع هاشم شقيقه يحيى برغبته «اشتي أشوف والدي وأمي» لكنه أجل رغبته الى ما بعد شفائه كما أخبر شقيقه.
حينها كان والد هاشم «عبدالله يحيى أحمد حجر» (61 عاماً) قد وصل رفقة والدة هاشم وسبعة من اشقائه وشقيقاته من صعدة كانوا يريدون زيارته في السجن. لم يبلغهما أحد بالوضع الذي وصلت اليه صحة هاشم.
بالنسبة لوالده كان آخر مرة زار فيها هاشماً في منتصف شعبان. أما والدته لم تره منذ اعتقاله في ال7 من يونيو الفائت «فجعت بخبر وفاة ابني هاشم هو محبوس ظلم ومنع من العلاج».
في الساعات الأولى من فجر الاثنين الماضي كان والد هاشم علي عتبات باب منزل ابن عمه اسماعيل في حي الروضة بجوار الجامع الكبير متأهباً للسفر الى صعدة وأبلغني: «نحن طالعين ذلحين صعدة لاستقبال العزاء في هاشم». وعرفت منه أن والدة هاشم دخلت في غيبوبة عقب معرفتها خبر وفاة ابنها التي لم تتمكن من زيارته. وبحسب يحيى حجر فإن جثة شقيقه سيتم دفنها بعد صدور تقرير الطبيب الشرعي عن سبب الوفاة.
قصة موت معلن
2007-10-04