قبل 7 أسابيع كانت أمل (4 سنوات) تلوح بيدها من نافذة المبنى الذي تقطنه غرب الجامع الكبير في صنعاء القديمة، وتوزع ابتساماتها على المارة وعلى فلاش كاميرا كانت آنذاك تصور عشرة أبراج صنعانية في لحظة احتضار.
"النداء" نشرت قصتها في العدد (99). وعندما زارت "النداء" الحي مجدداً صباح أمس الثلاثاء، كانت أمل في ذات النافذة، ما تزال توزع ابتساماتها، رفقة "علي" شقيقها الذي يصغرها بعام و3 أشهر.
هذه المرة لم تكترث بفلاش الكاميرا. كانت حركات وضجيج جرافة صغيرة، كافية للاستحواذ على حواس الباسمة. الطفلة التي كبرت شهرين منذ لقائي الأول بها، وهي مدة لا تمكنها من معرفة ماذا يعني أن المبنى الذي تقطنه ضمن عشرة أخرى آيلة للسقوط، وأن تلك الجرافة التي أفرحتها حركاتها وصوتها كانت تحاول تسوية وإخفاء هبوط باحة وممرات حي غربي الجامع الكبير، العائم على بحيرة من المجاري والصرف الصحي منذ خمس سنوات.
مساء الاثنين الماضي تلقت "النداء" اتصالات عدة من أهالي يقطنون مباني الرعب، وقالوا إن الوضع أصبح أكثر خطراً بعد سقوط أمطار غزيرة في نفس اليوم، وأن المباني والممرات ازداد هبوطها.
ومجدداً وجدت نفسي صباح أمس وسط ممرات عشرة أبراج صنعانية قررت الجهات المسؤولة عنها قبل خمس سنوات أن تموت سريرياً.
هذه المرة كان المشهد أكثر قتامة.
ممرات الحي التي أعيد رصفها مطلع الأسبوع الماضي باحجار شبامية ضمن مشروع إعادة رصف شوارع وممرات وأزقة صنعاء القديمة، هبطت عقب سقوط الأمطار مساء الاثنين!! أي بعد أقل من عشرة أيام من رصفها!!.
العم يحيى عصدة المكلف بمتابعة المسؤولين على الحفاظ على صنعاء القديمة، قال وهو يمسك ساعدي: "أبسرت (رأيت) أنا مش حاكيتك إنهم ما يشتوا يصلحوها... إبسر!"، ويشير بيده إلى عمال يرتدون زياً أزرق يعيدون حفر الممرات التي هبطت مساء الاثنين. كان عصدة، تحدث لي قبل 7 أسابيع عن رفض الأهالي رصف ممرات حي غربي الجامع الكبير قبل أن يتم معالجة وترميم المباني العشرة التي هبطت جراء تسرب مياه المجاري إلى أساساتها محدثة ارتخاء في تربتها منذ خمس سنوات، وبدت الشقوق والصدوع على جدرانها صارخة.
أحد مهندسي مؤسسة المياه -المسؤولة عن تسرب مياه المجاري طيلة كل هذه المدة -كان يشرف على جرافة صغيرة وعمال يحاولون تجميل مشهد الخراب، قال مخففاً حجم الكارثة: "الهبوط موجود في صنعاء كلها: في دارس، في الحصبة، في هائل...الخ). ثم ذهب بعيداً في إشارة إلى عدم رغبته في مواصلة الحديث.
ويظل أبناء الحي مرعوبين من مبان يقطنونها ويصبون لعناتهم على المسؤولين الذين قرروا أن تقوم القيامة عليهم في أي لحظة.
إبراهيم المؤيد (28عاماً) قال: "المسؤولين على صنعاء القديمة يشتوا يموتونا ويدفنونا أحياء. الله ينتقم منهم!". المؤيد وهو شاب عزف عن الزواج بعد أن صرف تكاليفه على متابعة المسؤولين وترميم منزله المتهالك، يقوم بسد تشققات جدران منزله بقطع قماشية، خاصة الجدران المواجهة لحمامات الجامع الكبير. "كل يوم أتأكد أن الفتحات مسددة أو أنها قد توسعت وأقوم بسدها".هي صدوع وتشققات اتخذتها العقارب والثعابين والفئران منفذاً إلى المنزل.
خمس سنوات مضت وقاطنو مباني الرعب -يزيد عددهم على 172 روحاً - ينتظرون وعود وتوصيات اللجنة المشكلة لمعالجة هذه المباني، والمكونة من اللجنة العليا للحفاظ على صنعاء القديمة، برئاسة علي الآنسي مدير مكتب رئيس الجمهورية، والهيئة العليا للحفاظ على المدن التاريخية، ووزارتي الثقافة والأوقاف، والهيئة العامة للسياحة، والمجلس المحلي لمديرية صنعاء القديمة.
وكانوا جميعهم قرروا صرف بدل إيجار لكل أسرة في هذه المباني لمدة ستة أشهر، وخلالها يتم ترميم هذه المباني.
ولكن العم يحيى عصدة قال: "سلمنا الداير (المفتاح) حق البيوت للمجلس المحلي ولكن قالوا لنا ما بش زلط"، وهو ما أكده عضوان في المجلس المحلي لصنعاء القديمة، واللذان قالا: "كلما استلمنا المفاتيح من الأهالي كما يطلب منا، نتفاجأ بأن المبلغ لم يصرف"!!
وأكدا أن المجلس المحلي في صنعاء القديمة عازم على سحب الثقة من مدير المديرية لعدم قيامه بمهامه.
أحمد محمد صلاح، عضو المجلس المحلي في أمانة العاصمة، والذي جاء ليتفقد الخراب الكارثي المحدق بالمباني العشرة، شكك في نوايا الجهات المسؤولة عن هذه المباني. وقال لـ"النداء": هناك سر في الأمر. خمس سنوات ومش قادرين يوفروا حق الإيجارات وترميم عشرة مباني. مش معقول يكون هذا هو السبب!!".
basheralsaeedMail
جراحة تجميل قاتلة لصنعاء القديمة
2007-05-30