التربية البيئية - محمد المقرمي*
إن تفاقم مشكلات البيئة وزيادة التلوث على مستوى العالم، أمر يفرض ان تكون هناك مفاهيم واتجاهات ومهارات موحدة على مستوى العالم لأن تلك المشكلات لا تعترف بالحدود بين الدول والقارات، فعلى سبيل المثال زيادة ثاني أكسيد الكربون وتراكمه في الغلاف الجوي نتيجة انبعاثه من مصانع الدول المتقدمة أثر بشكل واضح على العالم كله من حيث التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة وتفاوت نسبة الأمطار بالإضافة إلى سقوط الامطار الحمضية على مناطق مختلفة من العالم بسبب هذه الظاهرة.
أما مشكلاتنا البيئية الخاصة بنا فهي كثيرة ومنها التصحر الذي اصبح يهدد اراضينا الزراعية، وانجراف التربة من المرتفعات واستخدام المبيدات الحشرية، وكربنة المنتجات الزراعية التي أدت إلى إصابة الكثير بالامراض المختلفة، وعلى رأسها السرطان وامراض الكبد.
كل هذه المشكلات وغيرها راجعة إلى عدم وجود الوعي والتربية البيئية لدى افراد المجتمع إلى جانب عدم وجود الوعي والمسؤولية البيئية لدى الجهات الرسمية وكون المعلم هو أهم وسائل نقل المعرفة والتوعية فإن تدريس مادة التربية البيئية للمعلمين يأتي من حاجة المعلم الماسة لمحتواها لأن كوكب الارض اصبح في خطر، ويجب على كل واحد مهما كان موقعه ان يعي هذه الحقيقة ويدركها ولا يجوز ان ندفن رؤوسنا في التراب ونتعامى عن الأخطار. والمعلم يأتي في طبيعة من هم بحاجة إلى فهم وإدراك المفاهيم الرئيسية وتنمية اتجاهات ايجابية نحو البيئة وان يكتسب المهارات الاساسية في مجال تشخيص الاختلال في البيئة وحمايتها وإصلاح ذلك الخلل كل هذا ولا بد للمعلم ان يكون مدركاً ومستوعباً حتى ينقلها إلى تلاميذه في مختلف مراحل التعليم وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى حتى يتمكن من تطبيقها في محيط عمله الاجتماعي والطبيعي الذي يعيش فيه. لكن لابد ان تعمم هذه المادة في كل مراحل التعليم الاساسي والثانوي والجامعي، وكذلك التعليم الفني بما يتناسب مع المراحل العمرية المختلفة للطلاب وعلى أن تكون هذه المادة متدرجة من السهل إلىالصعب ومن البسيط إلى المركب ومبنية هرمياً ابتداءً من بداية التعليم الاساسي وحتى السنوات الأخيرة من التعليم الجامعي، مع العلم أن التوعية والتثقيف البيئى لابد أن يستمر عبر وسائل الإعلام المختلفة لأن البيئة ومشكلاتها حالة ملازمة للإنسان في كل مكان ووجوب هذا المنحى التربوي البيئي ليس من باب الترف المعرفي بل من أجل الإرتقاء بوعي الانسان تجاه ا لبيئة اولاً، وثانياً وهو الأهم، أن البيئة وبكل مكوناتها الغازية والمائية والارضية والحيوية، وكذلك المكون الحضاري الاجتماعي اصبحت مهددة جراء تدخل الانسان السافر في استغلال موارد البيئة، بل إنه وصل في تعامله مع البيئة حد إستنزاف موارد البيئة كما هو حادث في بلادنا من استنزاف المياه الجوفية والتي بدأت مشكلاتها تتفاقم في الكثير من المناطق اليمنية واضحت تنذر بكارثة حقيقية سيمتد اثرها إلى كل مجالات الحياة وجوانبها وستهدد الاستقرار السكاني الأمر الذي قد يصل، إذا لم يكن هناك معالجات فعلية لهذه المشكلة، إلى أن يتحول سكان تلك المناطق إلى بدو ورحل بحثاً عن الماء.
وأخيراً أقول بأن التربية البيئية لابد أن تبدأ من مراحل التعليم الاولى وحتى الجامعة, وأن لا يقتصر على تخصصات معينة, بل لابد ان يتواجد المنحى البيئي في كل التخصصات وان تكو مادة مستقلة لها زمنها في الجدول المدرسي والجامعي, وان لا يقتصر الامر على تضمين بعض المواد بعض المفاهيم البيئية فقط. والتربية البيئية في الاساس تهدف إلى إيجاد مجتمع يؤمن بأن البيئة دين للابناء وليس إرثاً للآباء.
* استاذ التربية البيئية بالمعهد العالي للمعلمين
التربية البيئية - محمد المقرمي
2006-06-29